نشرت صحيفة "أخبار اليوم" نصاً ذكرت أنه مشروع قانون الصحافة الذي تقدمت به الحركة الشعبية.. ثم نشرت في اليوم التالي صحيفة (الأحداث) نصاً ذكرت أن مشروع قانون الصحافة الذي تقدم به حزب المؤتمر الوطني .. قراءة النصين فيها مفاجأة.. بكل ما تحمل الكلمة من معنى..
بصراحة أذهلتني التراجيديا.. بالكامل كل النقاط التي كانت مثار جدل واحتجاج صاخب من الصحفيين والأكاديميين .. هي من بنات أفكار المشروع الذي تقدمت به الحركة الشعبية.. بينما النص الذي تقدم به حزب المؤتمر الوطني خالياً من كل (المصائب) التي يحفل بها مشروع قانون الصحافة ..الرابض الآن في منضدة المجلس الوطني في انتظار إجازته..
مشروع قانون الصحافة الذي أنجبته الحركة الشعبية لا أقل من جريمة قتل من سبق الإصرار والترصد للصحافة ووأدها في جوف سحيق.. ليس بتقديري وحدي، بل بشهادة عشرات الخبراء الإعلاميين والقانونين الذين أدلوا بشهاداتهم في مختلف المحافل والصحف ..
وأقول (قتل!) .. لأن مشروع القانون الذي تقدمت به الحركة الشعبية.. والذي أجازه مجلس الوزراء ثم دفع به إلى المجلس الوطني .. أتى على كل مناقب القانون الحالي (قانون 2004) ودمرها.. فكأنما هو إرتداد عكس عجلة التاريخ ..ومثل هذا المسلك لا يُفسر إلا بكونه محاولة لدحض دور الصحافة .. السلطة الرابعة .. وإحالتها مسخاً.. ليس أكثر من نشرات خالية من الرأي الآخر ..
صحيح أن المؤتمر الوطني شريك بدرجة (التمرير).. لأنه سمح بعبور القانون حتى البرلمان.. ولكن في يده أن يعترض، وهو الذي مرر قوانين أخرى كثيرة رغم أنف شريكه.. لكن تبقى المشكلة الأصل في مبادرة الحركة الشعبية بمثل هذا المشروع (النكبة!) ..
هل هذا ما كانت تدعو اليه الحركة الشعبية في مشروع (السودان الجديد)..سودان مقطوع اللسان..الصحافة فيه آفة .. لا تستحق غير موجبات الزجر.. وهل تنوي الحركة إدارة جنوب السودان بمثل هذا المفهوم المنحدر لدور الصحافة ؟
من الحكمة أن نقر بشساعة (من شاسع) المسافة بين الثورية والشرعية الدستورية.. فما أسهل رفع الشعارات على أفواه البنادق.. وما أندر الوفاء لهذه الشعارات.. شعارات تغني للشعب وتحمل إسمه (الشعبية) ..لكن ما أن ترتاح النفوس فوق ظهر السلطة حتى يصبح لـ(الشعب) طعم آخر.. طعم (الشطة) التي تلهب الأفواه..
من الحكمة إزالة ما فعلته الحركة الشعبية بقانون الصحافة.. و أضعف الإيمان أن يترك قانون (2004) كما هو.. فلم يثبت أن هذا القانون آذى أحداً.. هو قانون - ود حلال- رغم كل شيء..!!
على كل حال.. فهمت الآن ..لماذا يهاجم مشروع قانون الصحافة رجال من عتاة عضوية المؤتمر الوطني.. ولماذا يحاول الاستاذ ياسر عرمان باستحياء شديد أن يخفف من حدة الاستقطاب في معركة اصلاح مشروع القانون..