جسد.. خلف الجسد ..!!
من أفدح معطيات الشخصية السودانية..التعلق بالملموس وتجاهل المحسوس.. بُنيت حواس الانسان السوداني على خمس (فقط!!).. البصر والسمع والشم والذوق واللمس .. ينقصها الحس.. ربط الخيال بمعاني تتجاوز الواقع (الملموس)..
وبرهاني على ذلك ..فيضان من شعر الحقيبة .. يجسد المحبوب من قمة شعره إلى أخمص قدميه في (الملموس) منه :
يقول صالح عبدالسيد (أبوصلاح) :
وبرهاني على ذلك ..فيضان من شعر الحقيبة .. يجسد المحبوب من قمة شعره إلى أخمص قدميه في (الملموس) منه :
يقول صالح عبدالسيد (أبوصلاح) :
ليك جوز عين نعسان وكاحل
وخصراً يميل وصدر راحل
والحمد لله أن خلق الله للإنسان عينين فقط.. فلو كانوا ثلاثة لقال أبو صلاح : (ليك جوز وفردة عين ...)
ويقول :
العيون البيض لو صفن .. يجرحنك ويتلاصفن
مرة نظرن لي وقفن .. شالوا نومي وما أنصفن
ويقول خليل فرح :
شوف عناقد ديسها تقول عنب في كروم
شوف وريدا الماثل زي زجاجة روم
القوام اللادن والحشا المبروم
والصدير الطامح زي خليج الروم
ربما هي موروث جيني عميق كرسته الصوفية التي شكلت الوجدان السوداني منذ تاريخ موغل في العراقة..ارتباط نظري (من النظر) بالمحبوب .. لا مجال فيه لممارسة التفرس والتمعن لأبعد من سطح الجلد الملموس..نظرة حوار الى شيخه.. من (قلة الأدب) كثرة التفرس..
ومن هنا – أيضاً- كانت نظرة الإنسان السوداني لواقعه وتاريخه.. مثلا .
ثورة أكتوبر .. لَّونها الشعراء بالأخضر والأحمر وأشبعوها بالترانيم المقدسة..تماماً مثل فتاة الحقيبة..التي خلدها شعر الحقيبة آنف الذكر.. وليس في ذلك عيب أن يمجد الشعب تاريخه ويهيم عشقاً به.. لكن العيب المُقِعد بالخيال والبصيرة.. أن يمنع هذا العشق والهيام التقاط صورة أشعة لما تحت الجلد..رؤية المحجوب من المحبوب.. جسد ما خلف الجسد.. الأحشاء الداخلية والأوعية الدموية والعظام ..
وأصبح مجرد التفرس في وجه (أكتوبر الأخضر..) ومحاولة استكشاف جسد ما خلف الجسد.. تثير هواجس الردة والقذف في الذات الوطنية المقدسة..
الشعب السوداني يحبها كالقمر..من بعيد بلا تفاصيل.. وأى محاولة للهبوط على سطح القمر ونقل صورة للهضاب والصخور والبراكين والصحاري.. تثير الغضب والرفض..
هل أشرق تاريخ السودان من أكتوبر .. أم انطفأت جذوته ..
الرسم البياني لتاريخ السودان.. من أين يبدأ.. وأين يرتفع ثم ينخفض وينحني.. ثم ينحني .. وينحني ثم يجثو..!!
هل من حق التاريخ أن يتمعن ويتفرس في (أكتوبر..) صورة أشعة تبصر جسد ما خلف الجسد الذي صوره شعراء الحقيبة بالملموس :
بسيمات فاهك التبري
ياجميل كم قللت صبري
و :
أقيس بالليل شعره ألقى الفرق شاسع
هل كسب الشعب السوداني من ثورته الظافرة في أكتوبر 1964 .. أم خسر..!! هل يمكن جرد الحساب.. بعيدا عن القداسة والترانيم العاطفية..!! ام نظل نغني للملموس .. ونغض البصيرة عن المحسوس ..!!
هناك تعليقان (2):
تحياتى استاذ ميرغنى
اذا كانت مقالتك تعبر عن المعنى الواضح لها فثورة اكتوبر قامت بتوحيد جميع قطاعات الشعب..كانت تجربة عصيان مدنى فريدة ادت لتغيير الحكم..اما اذا كانت مقالتك تدخل فى بند(للاذكياء فقط) فانها لاتحتاج لجرد حساب فالنتيجة(صفر..خلف الصفر..!!)..واضحة للقاصى و الدانى..
اخي الباشمهندس عثمان
حقيقة لم اعصار ثورة اكتوبر لكن من قراءاتي احس انه ولا ان الجنرالات كانوا رجال محترمين اصحاب ضمير لما قامت اسطورة اكتوبر ، طالب واحد واعلم ان هنالك اخرين لكن هذا الحادث هو الذي غير التاريخ ، ابريل لحد كبير نفس الشي بصورة مختلفة الجنرالات استلموا السلطة حتي لا يقوم مغامر آخر باستلامها ، كم شهيد منذ جاءت الانقاذ من كل الجامعات كم عمارة سقطت اخرى قامت كم اختراق امني كم كم . ربما يكون كل الشعب الذي شارك في اكتوبر وابريل تؤفوا الى رحمة الله او جاءهم عقد عمل في الخليج او هاجروا الى امريكا !!!!!
إرسال تعليق