الناس في شنو ..!!
الطرفة السودانية الشهيرة تقول.. إن رجلاً (بارد الأعصاب) جاءته زوجته تولول وتنوح..فقالت له أن خبرا وصلها للتو أن أمها ماتت.. وكان الرجل لحظتها ينظف (غليونه).. فرفع رأسه اليها بتراخٍ وكسلٍ وهو يقول ( إنتي في أمك.. ولَّا في كدوسي الما عايز يولع دا ..)..هذا هو بالضبط حال السودان اليوم..في الوقت الذي تحدق بالبلاد المجاهيل.. وتتأهب المحكمة الجنائية الدولية لاعلان قرارها الخطير.. انشغلت البلاد وغاصت تماما في وحل جدلية غريبة.. زواج (الإيثار والمسيار).. وبين حلال وحرام .. وأخذ ورد ..بدا السودان وكأنه في ذلك الزمن الذي انشغلت فيه بلاد العرب بفتاوي مثل هذه .. بينما عدو يتربص بها.. وعلى رأي المثل السوداني الشهير .. (الناس في شنو ..) !لا أدل على أن البلاد تذوب في شيمة و متاهة.. أكثر من الذي حدث خلال الأيام والأسابيع الماضية.. تطوع مجمع الفقه الإسلامي بفتوى .. لا يهم كثيراً في سياق هذا العمود اليوم تفاصيلها أو صحتها .. بقدر الإشارة إلى التوقيت وتشتيت الإنتباه عن محنة الوطن الذي جرته الى المشهد العام..حينما تكون الأوطان في لحظات الأنحدار الحرج نحو مصير خطير.. يفترض أن ينتبه الخطاب العام وتتركز القوى العقلية كلها في الاتجاه المكبل للشرور.. لكن إذا تطوعت أي جهة مهما كانت نواياها صادقة أو عفوية.. فشغلت أثير التفكير الوطني بقضايا فرعية أو حتى رئيسية لا تلائم التوقيت.. فإن الوطن يغفل عن التماسك في وجه الجوارح القادمة في الأفق.. تنشأ حالة استنفار عقلي في الاتجاه الخاطيء .. ويصبح لسان الحال .. على رأي ما ورد في الطرفة التي بدأت بها هذه السطور.. عندما تكمل المحكمة الجنائية الدولية تدابيرها وتعلن قرارها المنتظر .. غالباً ستجد شعوب السودان لم تتفق بعد على فتوى زواج الإيثار.. وربما يجد الكثيرون أن متابعة الجدل حول الفتوى أكثر اثارة وتشويقاً من الإنتباه لمتواليات ما (ربما!) تنشأ بعد قرار المحكمة.. وسواء مر القرار بعد ذلك بهدوء أو ببعض هزة.. فإن المشكلة الحقيقية في كون أن الضمير الوطني وصل الى حالة الـ(لا) مبالاة التي تنجب مثل هذا الجدل في مثل هذا التوقيت..هناك الكثير من مثل هذه الفتاوي قادرة على شد الإنتباه وتبديد الطاقات في الخلافات الفقهية.. هذا لا يهدر أهميتها وكونها مطلوبة لمعالجة واقع أو التعامل مع اشكالية يبحث الناس لها عن حل.. لكن هل الفقه صندوق مصمت عديم البصيرة لا يرى مردود فتاويه وتوقيتها ..هل من المناسب أن يصعد رجل الى المسرح في حفلة عرس ليقرأ القرآن بين فاصل غنائي وآخر .. قداسة القرآن وفضله يتناقض هنا مع (التوقيت!) .. البعد الرابع في حياة الإنسان هو الوقت.. ولا يمكن استكمال الحكمة من الأمر الا بعد تدبر التوقيت ..حتى القرآن نفسه لا يفسر الا بعد النظر الى وقت نزول الآية..
هناك تعليق واحد:
معليش يا عثمان بس شكلك دقستا في المقال ده. معضلة السودان مع المحكمة الجنائية موضوع بغاية الأهمية لكنه لا يعني أن تتعطل كافة منظمات المجتمع المدني و الهيئات الحكومية من أداء عملها و مناقشة مختلف أمور المجتمع و الأمة من أجل مذكرة أوكامبو! بغض النظر عن أهمية المواضيع المطروحة أو تفاهتها يجب أن تستمر عجلة الحياة و نستمر في مناقشة كافة أمور حياتنا من ختان لزواج إيثار و غيره و غيره.
إرسال تعليق