إبادة ..أم قتل !!
الإعلام سلاح لا يحتمل غير التصويب الدقيق .. حتى لا تضرب الكلمة في اتجاه آخر غير المقصود .. وأحيانا يكفي كلمة واحدة لنقض كل مدلول المقال أو الخبر.. وتصبح كارثة كبرى اذا افترض حملة الأقلام أن دقة الكلمة ليست أبدا من شروط تصويبها .. وللدلالة على ذلك.. في الصحف أمس الأول.. لفت انتباهي خبر أوردته غالبية الصحف .. نقلا عن وكالة أنباء وطنية.. الخبر يتحدث عن مقتل عشرات من أفراد الجيش الشعبي لتحرير السودان،بمنطقة الناصر بولاية أعالي النيل.. كانوا يرافقون قافلة اغاثة أممية.. على أيدي مجموعات قبلية مسلحة..
لم يلفت نظري الحدث الدرامي الكارثي ولا أرقام القتلى الكبيرة من الجيش الشعبي.. ولا كون المعتدين من قبائل جنوب السودان.. ففي الأونة الأخيرة تواترت مثل هذه الأخبار .. في مواجهات أحيانا لا يظهر بدقة من فيها ضد من .. لكن لفت انتباهي لحد الدهشة.. كلمة واحدة وردت في الخبر استخدمتها غالبة الصحف.. نقلا عن وكالة الأنباء..
الكلمة هي (تبيد!!).. وعنوان الخبر المشترك بين هذه الصحف حمل مفردات (مجموعة قبلية مسلحة تبيد كتيبة من الجيش الشعبي..) .. وأرجو الإنتباه لكلمة (تبيد!!) .. في متن الخبر..
الواقع أن روح كلمة (تبيد!!) عندما تستخدم في مثل هذا المقام ..لا تتلاءم مع الوضع الدستوري لهذه القوات.. فحسب الدستور واتفاق السلام الشامل .. أقرت الدولة واعترفت بثلاث قوات .. هي الجيش الوطني السوداني .. والجيش الشعبي لتحرير السودان ..والقوات المشتركة التي تتشكل من ثم ترث الجيشين الأولين..
وصحفياً.. كلمة (تبيد!!) تستخدم عادة في وصف العدو..كأن تقول مثلاً ( قامت قواتنا بإبادة كتيبة من قوات العدو..) ولا يُقبل صحفياً إستخدامها في الوضع المقابل الآخر.. إذ تبدو نشازاً بل صادمة إذا استخدمت في وصف أي قوات وطنية.. والدليل على ذلك حاول إعادة تركيب الخبر بإستخدام أسماء القوات الثلاثة المعترف بها دستورياً.. ستجد أن الكلمة إذا اُستخدمت مرادفاً للقوة الأولى.. ( قوات العدل والمساواة تبيد كتيبة من الجيش السوداني ) ستحمل مدلولاً عدائياً سافراً غير مقبول وربما يجر قائله إلى متاعب..
الأجدر التمعن والتفرس كثيراً في الكلمات التي قد تفتح نيران الفتن.. فأحيانا مثل هذه الكلمات الصغيرة التي تبدو عابرة.. تلهب الجراح التي لم تندمل بعد.. والأجدر من وكالة الأنباء الوطنية والصحف التي نقلت عنها أن تستخدم كلمة (تقتل) .. على أقل تقدير.. والله أعلم ..
هناك تعليقان (2):
لعل ملاحظتك مجرّد إشارة أو دليل آخر أن مقررات نيفاشا لا تتجاوز الحبر على الورق للشريكين... إتفاقية وقّعها الطرفين و تركوها هناك بنيفاشا! و بالمناسبة هذا النمط من الكتابة لا ينطبق على صحفيي الخط "المؤتمرجي الوطني" فقط بل يضم أيضا كتّاب و مثقفي السودان الجديد!
بأمانة لا أرى أي ضوء ما بعد النفق، الشريكان رسبا في أي إمتحان أو تحدّي خلال السنوات الخمس الماضية... و للأسف فإن الفشل الرسمي صاحبه فشل على المستوى المدني من الطرفين: تبقت سنة و بضعة أشهر على تاريخ إستفتاء لا يتغيّر و حتى يومنا هذا ما زال مجتمعنا المدني يفكّر و يتكلّم و يكتب و يتصرّف بمنطق الـ"نحن و هُم"!
اعتقد بانك قد افترضت حسن النيه فقط دون احتمال ان يكون ذلك التعبير مقصودأمن الجهه الرسميه وهذا ما كان يجب مناقشته في جانب من المقال .مع خالص الشكر
إرسال تعليق