اللهم.. لا حسد..!!
هل عيب أن يكون في مجتمعنا السوداني أغنياء..؟ بصراحة يلفت نظري كثيراً أن الضمير العام السوداني يفترض في الثراء رديفاً للحرام.. أي أن المال يظل حلالا طالما صاحبه في شظف يسير أو عسير.. لكن إذا أنعم الله عليه بمال غزير.. يصبح في الأمر نظر..
دعوني أكسر خاطر الضمير السوداني الشعبي مباشرة فأقول لكم .. مقياس رفاهية المجتمع كله تقاس بعدد أثريائه.. كلما زاد عدد الأثرياء المتخمين بالمال .. صاراحظ المجتمع كله أفضل..
الأثرياء هم قوة الدفع الدافقة التي تحرك الإقتصاد.. فإذ افترضنا أن (عفة!) المجتمع في فقره المدقع.. هنا يصبح إقتصاد فقراء.. لا يرفع حال البلد ولا يوفر مستقبلا لأجياله ..
وربما أكشف لكم سراً.. أن السبب في الإحساس الدفين في المجتمع السوداني أن الثراء عيباً مشوباً بالشبهات.. وأن الأثرياء هم إما لصوص أو بالبلدي (حرامية).. أن أجيالا كثيرة في الماضي تربت في كنف الحكومة.. يدخل التلميذ في المدرسة الحكومية ويقيم في (الداخلية) تطبخ له الحكومة طعامه وربما تغسل له ملابسه..أذكر في مدرسة الكدرو المتوسطة.. رغم أننا كنا طلابا (خارجيين) أي لا نقيم في الداخلية مثل زملائنا من أهل القرى الأبعد.. إلا أننا كنا نحظى بوجبة الفطور مجانا في المدرسة اسوة بطلاب الداخلية.. وأي وجبة هي.. أشهى أنواع الجبنة الرومية المستوردة والساردين والبيض وغيرها..
مثل تلك الحياة خرجت أجيالا ترى في الحكومة الأب والأم..وترى أن المال يجب أن يكون كله في يد الحكومة.. وكلما ظفرت بمواطن سوداني بسط الله له في الرزق.. ثارت في النفوس شبهات الحرام..
لو كان في المجتمع السوداني .. ألف مواطن فقط قادرين على تعليم أطفالهم في مدرسة رسومها في العام تفوق الـ(50) مليون جنيها.. فذلك يعني أن في بلادنا ألف مليونير.. يعني ألف مصنع أو شركة كبيرة.. يعني عشرات الآلاف من فرص العمل والرزق الكريم.. والعكس صحيح.. إذا لم يكن في السودان كله مواطن واحد قادر على تعليم أبنائه في أغلى المدارس.. فعين ذلك أننا بلد من الفقراء .. الذين يسألون العالم الحافا.. يعيشون على الاغاثات والهبات من محسني العالم الأثرياء..
لا يجب أن يكون في المجتمع أي إحساس بالكراهية لمن وسع الله له في رزقه.. فمن رزقه ترزق أفواه كثيرة.. وأدعوا للأثرياء أن يزيدهم الله عددا ونعمة.. فاقتصادات الدول الكريمة.. يديرها أصحاب الأعمال .. ولو نضب معين القادرين على تأسيس الأعمال والتجارة والصناعة الكبيرة.. نصبح جميعا.. شعباً من مستحقي الزكاة..
هناك تعليق واحد:
المشكلة أعمق من ذلك بكثير يا أستاذ عثمان... أدب الإشتراكية و تمليك الدولة موارد الإنتاج و "رعاية أبناء الشعب" قديم جدا و متجذّر في عاداتنا و طريقة تفكيرنا و تربيتنا و منظارنا للحياة (طبعا ما قبل عهد الإستثمار): لعلك تذكر القصص الكثيرة التي تليت علينا الواحدة تلو الأخرى منذ مراحل التعليم المبكرة عن الفقراء الأعفاء الطهرة و الأثرياء الذين أعياهم الفساد... لعلك أيضا على دراية بنموذج البطل و الخاين بالأفلام الهندية ذات الشعبية الواسعة بالسودان و لا يخفى عليك الوضع المادي لهؤلاء!! و من الطريف أن تربيتنا الدينية قد تم "إستخدامها" أيضا لتوطين الإشتراكية بالشعب: مقررات التربية الدينية تركز على الزهد و "الإشتراكية في الإسلام" (و هذا عنوان مقال من مقرر التربية الإسلامية للسنة الأولى ثانوي بالثمانينات و التسعينات!) و تحجم عن الإحتفاء بالأسخياء و الموفقين ماديّا من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفّان رضي الله عنهما!!
إرسال تعليق