الشفقة .. تطير..!!
أكثر ما يدهشني ..فينا.. رغم أنا شعب راقي في أخلاقه، خاصة في الذي يتعلق بالآخر.. نحب الخير ونسعى بشهامة في قضايا الآخرين.. إلا أن سلوكنا العام في بعض المنحيات يبدو متخلفا – جداً -..
بالأمس كنت في (طابور) لنيل خدمة عامة.. وجدت أمامي في الصف رجل وفتاة شابة.. أخذت موقعي بعدهما.. جاء شاب ووقف خلفي وبكل ثقة وعفوية مد يده بالورقة التي فيها الى الموظف خلف الشباك.. لسان حال المشهد يقول (لا أري في المكان غيري) ..
في مثل هذه المواقف يعتريني إحساس أن هناك شيئا ما خطأ.. مثلا ربما يكون مرتكب هذا الفعل قادم لتوه من مشفى الأمراض العقلية.. أو ربما مخلقو فضائي هبط علينا من كوكب آخر.. ولا يرى بعينيه الا نفسه.. أو أنه – وهذا هو الأرجح – يعتقد أن الوقفين أمامه ينتظرون (المواصلات) .. وليس الخدمة المقدمة من النافذة..
تأملته بنظرة عجلى.. أي والله شاب مكتمل الصفات .. عاقل راشد.. قمصيه (مكوي سيف) .. شعره (مسرح) .. و (كمان متريح) بعطر باريسي.. إذن أي نالمشكلة..
قلت له بكل أدب .. (نحن أمامك..) .. كدت أصعق لما وجدته يكاد يفغر فاه من الدهشة.. وكأنه يقول لي (طيب.. ما أنا عارف.. وشايفكم كمان)..
أين المشكلة في مثل هذا السلوك ؟؟
جلافة.. لا .. لاني بعد ذلك رأيته يمازح بكل خفة دم بعض من هم في المكان.. جهل .. لا .. لأنه من ملامحه واضح أنه متعلم .. وربما جداً.. أين المشكلة؟؟
في تقديري.. أن تكالب الظروف على الشعب السوداني (لاحظ جيدا أنني لم أقل ماهي هذه الظروف.. وتركتها على ذمتكم ..) دمغت العقل السوداني بإحساس أن (الحياة فرصة..) لا سبيل للحصول عليها إلا يتخطي الرقاب.. تماما كما يفعل كثير من المصلين يوم الجمعة.. يأتون المسجد متأخرين قبيل الإقامة بدقائق معدودة .. ويتخطون رقاب المصلين بحثا عن (أبرد) موقع داخل المسجد..
الإحساس العام عند الشعب السوداني أن حقك.. ليس حقك إلا بما ملكت يمينك.. تأخذ حقك عنوة واقتدارا..و الذي ينال حقه لا يناله إلا بالعضل والقدرة على فرض الأمر الواقع..
أنظر كيف يخرج المصلون من المسجد يوم الجمعة.. استخدام (الكتف القانوني) شائع في التدافع للخروج بعد الصلاة.. في ضمير المتدافعين إحساس أنه لو لم يخرج قبل الآخرين ربما لما خرج..
في لجان المعاينات للوظائف.. الإحساس العام عند المتقدمين لها أن الاختيار هبة (العضل) .. عضل الواسطة.. وأن حقك ليس بحقك الا بما ملكت يمينك.. بالقوة الاجتماعية أو المالية أو .. الى آخر الـ(أوات) الخطرة...
هذه الثقافة المبيتة Built in في الضمير السوداني .. سببها ضعضعة الإحساس بأن الحق المكتسب طبيعيا لا يضيع مهما كان الظرف..
والحل.. تنمية الإحساس بالمساواة والعدل..أن يحس كل مواطن أنه مساو ومنصور في حقه بال حاجة ..للعضل.. أو (قوة العين) ..
هناك تعليقان (2):
تخطي الرقاب والعباد موجود في كل مكان وزمان وليس بدعة سودانيةولا ظاهرة خاصة ببعض الجنسيات وإنما موجود عند فئة معينة شايفة نفسها أحسن من الغير ولا علاقة لها بالتعليم ولا مستوى المعيشةوأعتقد والعلم عند الله ( مرض نفسي ) وممكن ناس علم النفس يدونا رايهم، وتخطي صحابي لرقاب المصلين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخطب وقطع خطبته وأمره بالجلوس.
يا جماعة مفهوم الوقوف في الصف قدييييييم في السودان! كلّنا وقفنا في الصفوف في الثمانينات و التسعينات و هذا العقد من الألفية... من عقد لعقد مدى إحترام الأولوية بالصف تغيّر و الأسباب التي ساقها الأستاذ عثمان تبدو جميلة من منظور فلسفي لكننا على دراية أنها مجرّد عامل ثانوي! السبب الحقيقي ذكره البوني أكثر من مرّة بصورة عامة و خجولة بعموده و إستخدم له مصطلح عايم: "ترّيف المدينة"!!! هذا الترّيف لم يسببه الراحلون من الريف للخرطوم... فالهجرة للخرطوم لم تتوقف منذ الخمسينات و دائما ما يندمج أهل الريف في system الخرطوم بسرعة بل يتحولون إلى حماة لهذا الsystem. المشكلة سببها إختفاء الsystem ككل و ترّيف سكان الخرطوم كافه لإختفاءه! المثال الذي ذكره الإستاذ عثمان هو الأكثر ظهورا للعيان و في قلب مؤسسات الدولة هناك أمثلة أكثر إثارة للحزن... و الغيظ!
إرسال تعليق