خشاش الأرض ..!!
عطفاً على حديث الأمس.. عن شبابنا المسلوب.. جيوش الخريجين الجرارة التي تستهلك موارد الأسرة في التعليم .. حتى اذا ما تخرجوا وفرحوا في حفل التخريج بلبس (الروب) .. ثم انتقلوا للحياة الضجاجة.. اكتشفوا أنهم أضاعوا العمر في تعليم هو من قبيل ( لزوم ما لا يلزم).. تعليم لتخريج (شباب شوارع) ..
قلت بالأمس أنه ليس مطلوبا من الحكومة أن توفر لكل شاب وظيفة.. فالموظفون في الحكومة هم أيضا في حكم (العطالة المقََّنعة) ..عاطلون في أثواب عاملين.. ليس مطلوبا أكثر من العبارة الشريفة التي أرسى قيمتها العليا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (تأكل من خشاش الأرض..) عندما ذكر قصة المرأة التي دخلت النار في قطة ما أطعمتها ولا تركتها تأكل من (خشاش الأرض).. ليس مطلوباً أكثر من أن تترك الحكومة شبابها لـ(يأكلوا من خشاش الأرض..) .. كيف سأقول لكم ..
المجتمع المتعافي.. هو الذي يوفر فرصة العيش الكريم لمن يملك القدرة على العمل.. المانع الأوحد الحائل بين المرء وكسب الرزق هو الإرادة الذاتية.. أن يكون كسولا مائع الكرامة.. يفتح المجتمع الباب على مصراعيه لكل قادر ليعمل.. ويكس عافيته على قدر همته وطموحه..
لنأخذ مثالا واحدا مهما.. قطاع البناء والتشييد.. هو أوفر قطاعات العمل استيعابا لطاقات الشباب.. لأنه علاوة على الفرض الوافرة التي يتحها في سوق العمل.. يتميز بتنوع مجالات العمل... للعامل العادي .. أو الماهر .. أو الفني.. أو المهندس .. ومجالات أخرى كثيرة مساعدة أوحواليها.. هذا القطاع تخنقه الحكومة خنقا. بالرسوم الفلكية التي تفرضها على مواد البناء.. الحكومة تنظر فقط لما يدخل جيبها عن طريق (البث المباشر) من الجمارك وغيرها.. ولا تنظر أبدا للضائع من عافية الوطن بسبب تقليص هذا القطاع .. فكلما بهظت أسعار مواد البناء .. تشظف الراغبون فيه.. فيقل العمل.. وتقل الشركات العاملة .. لا تبقى إلا الشركات الحكومية أو صحاب الحقوق المجاورة من المحظوظين أولاد المحظوظين..
لو أطلقت الحكومة سراح هذا القطاع.. وتركت مواد البناء في مستوى أوضاعها في العالم .. فإن النتيجة ليس فقط أن شعب السودان (المكتول كمد) سيجد مساكن لائقة فحسب... بل ستتحرك ماكينة كبيرة جبارة هادرة في كل موقع ومدينة وقرية.. تفتح مئات الآلاف من فرض العمل.. بالعمل المباشر في البناء.. أو غير المباشر كالنقل مثلا..
عندما تنظر الحكومة بـ(نظارتها الطبية) فلا ترى أبعد من جيبها.. وتطارد قطاع البناء بالرسوم والجبايات.. ستكسب مالا ضخما يكتنز في ارقام الموازنة .. لكن في المقابل تبيع مستقبل شعبها.. الذي يتحول شبابه يوما بعد يوم.. إلى بقايا محرومين في وطنهم الكبير.. يأكلون الحسرة ويشربون الندم.. فيلتهمهم سوق متوحش كبير.. اسمه سوق المخدرات..
يا كل هؤلاء وأولئك.. الشباب يضيع من بين أيديكم.. عمدا مع سبق الاصرار والترصد.. شباب صار يتمنىي إحدى الحسنيين.. إما (اللوتري).. إلى أمريكا.. أو (عبور السلك) إلى إسرائيل..
تصوروا.. إسرائيل التي كانت مطلب (المنايا) للشهداء.. صارت (أمنيات) للشباب..و(حسب المنايا أن يكن أمانيا..) على قول الشاعر..
هناك 3 تعليقات:
لعلي تسرعت في الرد قبل ان اقرا المقال هذا .ويا ليت احد النابهين من ناس الحكومة ممن درس الاقتصاد الكلي او البحت-لا ادري-درس هذه الفكرة ثم جربت لمدة عام واحد فقط لعله يكون خيرا للكل من مواطن يطمح للسكن المناسب وشركات المقاةلات ومن فيها من عمال وفنيين ومهندسين فتتدفق الحياة في شرايين كثيرة منها الضرائب التي ستاتي ولكن بصورة اخري ..ولدين تجربة اتحاد اصحاب العمل مع ديوان الضرائب في بعض الجوانب .
أصبت الحقيقة في هذا المقال يا أخ عثمان!
شغف الحكومة بأفرعها المحلية و الولائية بتحصيل ما يمكن تحصيله يمثل العائق الأول لتنمية المجتمع و إخراج الشعب من دائرة البطالة و خط الفقر! أتمنى أن تتمدد في أسئلتك هذه و تسأل: لماذا؟ لماذا تتطلب مؤسساتنا الحكومية كل هذه الأموال من جمارك إلى جبايات طريق إلى رسوم نفايات إلى رسوم إستخراج مستندات و جوازات إليكترونية و قبول خاص بالجامعات... إلخ رغم وجود مصادر مقدّرة من الدخل بالدولة؟!! لماذا تضطر كافة هذه المؤسسات لتمويل نفسها من خلال هذه الرسوم رغم وجود وزارة مالية بالدولة مهمتها تمويل هذه المؤسسات؟! نعلم أن معظم مشاريع التنمية من بترول إلى كباري إلى سدود تمولها الديون والمستثمرون الأجانب و ليس مباشرة من جيب وزارة المالية و كما تعلم فقد بلغت ديوننا اليوم 34 مليار دولار!!... أين تذهب أموال خزينة المالية؟! الفساد قد يفسر إختفاء بضعة ملايين من الدولارات... لكننا نتكلم عن مليارات! أين ذهبت؟!
الاخ عثمان اعطاك الله القلم لتقول عن من لايملكه.. واشهد انك اصبت كبد الحقيقه في ما كتبت اعلاه.. فلا تيأس من استمرار طرقك فهوالامل لنا في حقنا وحلمنا ببيئه سكنيه افضل.
إرسال تعليق