أنا لا أعمل .. اذن أنا سياسي !!
عندما ترك د. عبدالوهاب عثمان وزارة المالية وهو في أوج نجاحه وتألقه ... غادر مبني الوزارة وذهب في اليوم التالي الي مكتبه الخاص الذي كان يدير منه أعماله قبل الوزارة وبدأ يزاول عمله كأي مواطن .. وأصبح سهلا أن تذهب الي مقابلته .. فلا تجد الحراس أو السكرتارية المغلظة امام باب مكتبه .رغم أنه سياسي .. يمارس السياسة وخاض الانتخابات النيابية وكان نائبا في البرلمان .. الا أنه لم يجد أدني صعوبة في رحلة العودة من الوظيفة السياسية .. لسبب بسيط هو انه من الأصل لا يعيش علي رصيف السياسة .. ولا يرتبط مصير عيشه بمقاديرها وتقلباتها .
لكن في دهاليز السياسة السودانية حشود من الذين يحترفون السياسة .. خلقهم الله سياسيين وتربوا علي ذلك وأصبح مرعبا أن يذهبوا بعيدا عن حلقاتها ولذلك تظل كل أقدراهم مربوطة بالسياسة وربما ربطوا بذلك حظ البلاد العاثر بالبؤس السياسي وشح الاستقرار.
في روشتة الاصلاحات السياسية المطلوبة لاصلاح الملعب السياسي .. يجب أن يحرم القانون التفرغ السياسي .. لا نريد موظفي السياسة الذين لا عمل لهم في الدنيا الا الوظيفة السياسية .. يجب أن ينص صراحة في القانون أنه لا يجوز تولي المناصب السياسية لمن لا يثبت أنه يملك عملا آخر غير الوظيفة السياسية .
سيفتح السيد الصادق المهدي مكتبا في قلب الخرطوم يدير منه أعماله الخاصة ومزارعه .. وعندما ينتخب رئيسا يخرج من مكتبه الي الوزارة .. فاذا فقد المنصب عاد الي عمله الأول .. ولن يذهب الي منزله لاستقبال الوفود في انتظار العودة مرة أخري للمنصب .
ويتم تعيين د. حسن الترابي مديرا لجامعة الخرطوم .. ويكون دائما وسط طلابه واساتذة الجامعات .. حتي اذا أختير أمينا للمؤتمر الوطني تفرغ الي وظيفته السياسية ..فاذا لم تأت به الأقدار في الانتخابات التالية .. ذهب في اليوم التالي مباشرة الي مكتبه ومارس عمله المدني .. ولم يذهب الي منزله في المنشية لاستقبال الوفود .
وكذلك يفعل السيد مبارك الفاضل . و عمر نور الدائم وحسب الرسول النور ود. غازي صلاح الدين الذي سيرجع الي كلية الطب ومن هناك يأتي للوزارة .. حتي يعلم ماذا سيفعل إن لم يكن وزيرا .. و د. نافع الي كلية الزراعة ..
لا نريد سياسيا لا يعرف كيف بعيش إن لم يعين وزيرا . لأنه يتعبنا كلما فقد الوظيفة السياسية .. في نضاله المرير لاسترجاع الوظيفة .. ومن العجيب إن لكل مهنة وعمل ما ينظمه الا السياسة .. فلا أحد يستطيع أن يكون محاميا.. أوطبيباً .. أو صحفياً الا برخصة .. لكن السياسي .. يستطيع أن يمارس الحلاقة في رؤوس اليتامي دون رخصة او قانون يلزمه بقيود المهنة .
في الانتخابات القادمة .. سيسأل الشعب السوداني كل مرشح .. من أين يأكل أولاده عيشهم .؟ ولن يسمح أن تكون نيابة الشعب عمل من لا عمل له.
(من ارشيف حديث المدينة نشر في الرأى العام يوم الأثنين 10 أبريل 2000 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق