الثلاثاء، 24 مارس 2009

مفاهيم - 24 مارس 2009

مفاهيم ..!!

الدكتور حسن الترابي في محاضرة قبل عدة سنوات.. كان يتحدث أمام جمهور من المهندسين في مختلف التخصصات.. فقال لهم ممازحاً.. بما معناه ( أنتم المهندسين مظلومون.. إذا تلاعبتم بمعايير البناء ستسقط العمارة ويرى الناس كلهم الخطأ.. اما المحامون فيلفون الحقيقة ويدورون بها كيف شاؤوا..).. والنقل هنا ليس حرفياً.. لاعتماده على الذاكرة.. وإن كنت أذكر جيداً كيف نطق بعبارة (يلفوا ويدوروا) حيث أشار بأصيع يده اليمني في حركة دائرة فيها بعض التمثيل المسرحي لإظهار المقصود بـ(اللف والدوران) ..
وحيث الترابي، بعد إفراغ الإشارات المباشرة للمهندسين والمحامين.. يؤكد السُنة التي يقوم عليها الكون كله.. فالوجود يعتمد على معايير طبيعية حتمية لا يمكن القفز فوقها أو تجاهلها.. ومعايير أخرى تقديرية قابلة ل(اللف والدوران) ..
وبالتشبيه الذي ساقه الترابي.. المهندس الذي يشيد العمارة أو الجسر أو الذي يصنع الطائرة .. ملزم بحقائق علمية لا يمكنه القفز فوقها.. وإلا واجه النتيجة الحتمية.. ولا يمكن لأي انسان أن يقفز بقوة دفعه الذاتية أكثر من عدة أمتار فوق سطح الأرض لأن هناك قوانين الجاذبية الأرضية التي لا تحتمل (اللف والدوران) عليها..
أما القيم التقديرية.. والتي اختار الترابي أن يضرب بها مثلاً المحاماة .. فقد أقر بها الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال (يفضي الي كل منكم بحجته فأقضي بها فمن قضيت له من حق أخيه فكأنما اقتطع له قطعة من النار..) بعبارة أن (اللف والدوران) قد يمنح صاحب اللسان ميزة على صاحب الحق..
ربما تتشوقون لمعرفة مناسبة كل هذا التنظير..سأقول لكم ..
من البديهي - جداً – أن نصل لنفس النتائج، مهما كانت كارثية.. طالما أن الحقائق على الأرض التي أنجبتها، تعمل وبهمة..
رجل يقود السيارة بسرعة هائلة.. أمامه منحنى خطر.. انحرف فيه دون استدراك سرعته .. النتيجة لا يمكن أن تكون تقديرية .. فهنا حسابات الطبيعة الحتمية تفرض النتيجة..إنقلاب السيارة.. ولا ينتظر أن تكون حجة السائق في أنه مسرع لإنقاذ مريض يحمله للمستشفى أو طالب للحقاق بزمن الإمتحان أو مسافر طائرته على وشك الإقلاع.. عوامل الطبيعة الحتمية هنا لا تتفرس في الأسباب والحجج..
تعويلاً على هذا الفهم.. عندما تواجه بأي مشكلة.. لا تتسرع بالتعامل المباشر مع نتائجها الماثلة أمامك.. فهي محض مخرجات لمدخلات هي الأوجب بالمعالجة..
وفهم المدخلات لا يجب ان يبنى على شكل المخرجات..بل على منهج التفكير الذي تأسست عليه المدخلات.. ومن هنا يبدأ الحل..
بعبارة أخرى.. المفاهيم التي تبنى عليها الأعمال هي دائماً الأولى بالنظر.. منها يبدأ الإصلاح ..
والله أعلم ..!!



ليست هناك تعليقات: