الإعدام.. البطيء..!!
في صمت، تحتدم أزمة كبرى .. ثلاثة من مراكز غسيل الكلى أغلقت أبوابها.. وفي الطريق أخرون.. والسبب.. تأخر – بل فشل- سداد مديونيات هذه المراكز على الدولة..
وليست مشكلة في أن لا تفي الدولة بمديونة مستحقة للقطاع الخاص في أي مرفق.. في حال أن يكون القطاع الخاص مقاول يشيد مباني .. مثلاً.. فكل ما سيفعله أن يتوقف عن العمل فتتوقف المباني لحين إشعار آخر.. لكن عندما تتوقف مراكز غسيل الكلى.. الذي يتوقف هو نبض الحياة عند كثير من الذين ابتلاهم الله بالفشل الكلوي..
مريض الفشل الكلوي, المسافة التي تحسم بقاءه على قيد الحياة..هي الخطوات التي يمشيها مرتين أو ثلاثة كل أسبوع لمركز غسيل الكلي .. حيث يجلس لساعات لغسل دمه من السموم .. فإذا فقد قدرة الحصول على فرصة غسيل الكلي في التوقيت المطلوب.. يصبح كمن صدر في حقه حكم بالإعدام..البطيء..!!
ولأن فرص الحصول على مقعد في مراكز غسيل الكلى الحكومية ضرب من المعجزات .. إذ أن عدد المرضى أكبر كثيراً من ماهو متاح لهم في المراكز العامة.. فإن توقف أي مركز خاص للغسيل ..يعني كارثة محتمة للمرضى الذين يفقدون فرصة الغسيل..
الحكومة قبل سنوات عدة أدركت خطورة الأمر فأصدرت قراراً بمجانية غسيل الكلى.. يتولى المركز القومي لأمراض الكلى توزيع المرضى على المتاح من الفرص في مراكز الغسيل الحكومية والخاصة أيضاً.. وفي نهاية كل شهر تدفع الحكومة لهذه المراكز تكاليف غسيلها لهؤلاء المرضى.. واستمر الحال هادئاً لعدة سنوات.. ثم بدأت مستحقات مراكز غسيل الكلى تتراكم في العام 2008.. حتى شلت تماماً قدرة المراكز على العمل.. فهي تستخدم مستلزمات طبية مكلفة.. ولا يمكن لأصحاب المراكز الإستمرار في تمويلها بلا عائد..
دخلت الحكومة في مفاوضات مع المراكز في الربع الأخير من العام الماضي وتوصلت إلى تسويات تؤجل بموجبها دفع الديون.. وتسددها على دفعات.. وألزمت الحكومة المراكز بتخفيض فاتورة غسيل الكلي للمريض من (200) إلى (150) جنيهاً.. بعد أن حسبت الحكومة الكلفة – من طرف واحد – وتوصلت إلى أن تكلفة الغسيل للمريض (144) جنيهاً.. وافترضت أن باقى الـ(6) جنيهاً هي صافي الربح للمركز عن كل (غسلة) ..
لكن حتى هذه التسوية – رغم إجحافها - لم تجد حظها من الواقع.. فتراكمت الديون على الحكومة ولم تف بدفع المستحقات الجديدة .. فضلاً عن جدولة المستحقات القديمة ..
ولأن أصحاب هذه المراكز لهم حدود قصوى تنهار بعدها قدرتهم على الإيفاء بتكاليف التشغيل.. فلم يعد ممكناً سوى التساقط.. واحداً تلو الآخر .. حتى الآن ثلاثة.. وثلاثة هذه تعني عملياً رقم يقترب من مائة مريض.. صاروا اليوم في فضاء بلا سقف..
الوضع يقترب من درجة الخطورة البالغة.. خطورة أن يصبح مرضى الكلي مشاريع كارثة كبرى.. عندما يصبح الحصول على غسيل .. امر يعتمد كلياً على جيب المريض.. وحسب الأرقام.. مهما كان المريض ثرياً.. ولو في ملكه مال قارون.. فإنه سيغسل جيبه قبل كليته..
الأمر يحتاج إلى نظرة حاسمة عاجلة لا تحتمل الإنتظار..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق