الثلاثاء، 31 مارس 2009

الفتاوي - 31 مارس 2009

الفتاوي ..!!

يجب فتح الباب واسعاً للتساؤل.. عن المعنى الفني للفتوى الدينية.. إذا كان الأمر – مثلاً – يختص بمسألة ذات خصوصية عملية أو فنية. أيهما يُفتي أستاذ الفقه الإسلامي أم الطبيب.. وإذا كانت مسألة هندسية.. أو مسألة سياسية.. أو مسألة إجتماعية.. أيهما يفتي استاذ الدراسات الإسلامية أم الدراسات الإجتماعية..
كتبتُ في أكثر من مناسبة على مدى سنوات أنبه لخطورة ما يقع فيه بعض علمائنا الأجلاء .. في المؤسسات ذات السمة الدينية.. حينما يتصدرون للفتوى في مسائل هي من صميم إختصاص غيرهم.. مسائل تستدعي معلومات ذات طبيعة خاصة لا ينبغي أن تقوم أركان الفتوى بدون النظر فيها.. وضربت أمثلة لهذه الفتاوي المثيرة..
العلماء الأجلاء يخرجون عن دائرة تفويض الفتوى حينما يقطعون الكلم في مسائل أخرى.. كما حدث قبل أيام.. ومثل هذا الوضع يهز مرجعية المؤسسة الدينية.. ويجعلها في ضمير المواطن (حبة.. عند اللزوم).. والأجدر أن يحيل العلماء الأجلاء المسائل ذات الطبيعة المتخصصة إلى جهات الإختصاص.. وحتى لو تطلب الأمر أن تكون الكلمة الأخيرة صادرة عن مجمع الفقه فليس قبل أن يستعين ويستصحب الرأي الرسمي للمؤسسات الأخرى المتصلة بالقضية مباشرة..
في ظني.. أن ترسيم الخطوط والحدود الفنية الدقيقة لما يمكن أن يندرج تحت مصطلح (فتوى) مهم للغاية.. حتى تتضح المعالم التي تميزها عن (الرأي).. فالفتوى أقرب إلى النص القضائي الذي يقرر في صفة المسألة.. بينما (الرأي) هو خيار راجح عند القائل به، لا يحمل صفة الإلزام أو (المرجع) لغيره ..
مثلاً.. هل يجوز لسفير دولة السودان في الخارج أن يحضر أو يشارك في مناسبات يحضرها سفير إسرائيل في تلك الدولة.. هنا لا يمكن أن يكون الرأي لدى مجمع الفقه، قبل أن يستفتي - هو الآخر - وزارة الخارجية في المفاهيم الدبلوماسية والبروتوكولية التي تنبني على مثل هذه المشاركات..حدود مجمع الفقه ستكون في النظر إلى تقاطعات هذه المفاهيم مع أية مفاهيم شرعية أخرى.. وليس في تقييم مدى أهمية أو جدوى هذه المفاهيم الدبلوماسية.. فتصبح الفتوى كما لو جاءت من وزارة الخارجية وليس مجمع الفقه الإسلامي..
وضع أشبه بدائرة (المراجعة) في تدرج الأحكام في القضاء السوداني .. فهي دائرة من خمسة قضاة تنظر فقط في مخالفة قرار المحكمة لأحكام الشريعة.. لكنها لا تعيد تقييم الوزن القانوني للقرار من أية زاوية أخرى..
التحديد الفني للفتوى يعضد من مرجعيتها لدى العامة.. حتى لا تهدر هيبة و مكانة العلم، حينما تطير الفتوى في الهواء.. يرمقها الناس بأعين ساخرة..






الاثنين، 30 مارس 2009

يجـ(وز).. يجـ(ب) -30 مارس 2009

يجـ(وز) .. يجـ(ب) ..!!

قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2004 – في تقديري – من أفضل القوانين.. ليست في مضمونه فحسب، بل حتى في سيرته الذاتية.إذ ظل قانون الصحافة والمطبوعات يتطور ويتعرض للتعديل منذ العام 1993 إلى أن وصل النسخة الرابعة منه في العام 2004.. وبالمنطق أي قانون يولد ثم يتطور مع الزمن فهو قانون رشيد .. ولكن ..!!
في مشروع قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2009 .. والذي أجازه مجلس الوزراء.. سارت الريح بعكس الإتجاه.. وتحول التطور إلى تأخر .. أنظر إلى هذه المادة من قانون (2004) .. ثم أنظر كيف تحورت – بذكاء – في مشروع قانون 2009 ..
تقول المادة (28) الفقرة (2) في قانون 2004 ( على كل موظف عام وكل شخص أو جهة ممن في حيازته معلومات عامة تتعلق بالدولة والمجتمع إتاحة تلك المعلومات للصحافيين مالم تكن قد سبق تصنيفها بموجب قانون على أنها معلومات لا يجوز نشرها)
هذه كانت أنضر أوجه قانون الصحافة .. تعطي الصحافة قوة السلطة في الحصول على المعلومات التي تتعلق بالدولة.. وهو وضع متقدم على غالبية الدول في منظومتنا العربية والأفريقية.. أنظر كيف تم قصف هذه المادة ودكها في مشروع القانون الجديد تقول المادة ( ) الفقرة ( ) من مشروع القانون للعام 2009 ..()
تحولت عبارة (على كل موظف عام) الحاسمة والصارمة إلى (يجوز) .. والفرق بينهما واضح كالشمس.. فكلمة (يجوز) تعني أن الموظف العام – على مزاجه – يمنح أو يمنع المعلومات العامة التي تتعلق بالدولة.. وانهارت تماماً قوة السلطة الرابعة في النظر للمعلومات العامة التي هي من أبسط مقومات الحكم الراشد.. الشفافية ..
المسألة تبدو سباحة عكس تيار التاريخ والحياة.. بدلا من تطوير المادة في قانون 2004 .. انكمشت وتلاشت في مشروع قانون 2009 ... وأذكر في ورشة العمل التي أقامها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان برئاسة د. عبد المنعم عثمان محمد طه .. تحدث مولانا المستشار ياسر بخاري عنه هذه المادة.. وقال أن من الحكمة تطويرها بحيث يفصح القانون عن (العقوبة) التي يجب أن تقوع على أي موظف عام يرفض الإمتثال لطلب المعلومات إذا تقدم به صحفي.. وكان مولانا ياسر يفترض أن ذلك هو المسار الذي يجب أن يتطور القانون في اتجاهه.. فإذا بالصدمة في مشروع القانون أنه بدلا عن التطور في إتجاه مزيد من الحكم الراشد.. أضعف حق الصحفي في الحصول على المعلومات العامة وجعله في حكم (يجوز) ..
على كل حال (نحن فيها) والقانون لم يعبر بوابة المجلس الوطني حتى الآن.. فالأمل في نواب البرلمان أن يعيدوا – على أقل تقدير- الوضع لحاله بحذف حرفين فقط من كلمة (يجوز) .. الحرفان هما (وز) .. وابدالها بحرف واحد هو الـ(ب) .. لتصبح الكلمة (يجب) ..!!
ويكملوا جميلهم – النواب – فيأخذوا بملاحظة مولانا ياسر بخاري.. ويضمنوا القانون عقوبة على الموظف الذي يرفض اتاحة المعلومات العامة للصحافة..


الأحد، 29 مارس 2009

تعجيل الانتخابات الرئاسية - 29 مارس 2009

تعجيل إنتخابات الرئاسة ..

نشرت صحيفة الرأي العام الغراء أمس أن مفوضية الإنتخابات تدرس طلباً لتعجيل الإنتخابات الرئاسية.. وقال البروفسير عبدالله أحمد عبدالله نائب رئيس المفوضية أن الطلب تقدمت به هيئة الأحزاب ..
وقبل عدة أيام قرأت تصريحاً للأستاذ محمد ابراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي يعترض على مبدأ التعجيل.. وافترض السيد نقد أن الطلب ربما وراءه ضمير مستتر تقديره (الوطني) ..
ولكن ربما يستحسن النظر للأمر من زاوية أخرى.. في كل الأحوال نصت اتفاقية السلام والدشتور الإنتقالي المستمد منها على إقامة الإنتخابات قبل يوم 9 يوليو 2009.. واذا افترضنا أن هيئة الأحزاب تقصد من التعجيل سحب الموعد الى تخوم شهر مايو أو يونيو.. ربما لا يبدو دقيقاً وصف الأمر بأنه (تعجيل).. فبنظر للفترة الطويلة من آخر انتخابات (حتى ولو تجاوزنا على عدم اعتراف غالبية الأحزاب بأن انتخابات عام 2001 كانت انتخابات..).. فإن فارق شهر أو شهرين لا يجدر أن يوصف بأنه تعجيل..
المشكلة هنا ليست في مبدأ التعجيل.. بل ربما كان التعجيل خيراً لتجنب التوغل في موسم الأمطار المعيق للحركة.. لكن المشكلة في أن استحقاقات الإنتخابات لا تزال في طي الغيب.. من الممكن أن تقام انتخابات رئاسية أو حتى برلمانية أيضا في شهر مايو أو يونيو .. لكن هل الإنتخابات هي مجرد طقوس فتح سجل الناخبين والطعون ثم الاقتراع فالفرز فالنتيجة..
الإنتخابات تتطلب استقامة الخط الذي يقف عليه جميع المتسابقين.. لا ميزة لأحد على الآخر.. ثم الإنطلاق في طقس هاديء سليم معافى نحو خط النهاية.. دون أن يعتمد متسابق على دفع الريح له.. حتى تاتي النتائج متسقة مع (إتجاهات) الناخبين لا (جهجهات) المنُتخبين..
إذا كانت هيئة الأحزاب ترى مصلحة البلاد في التعجيل بالإنتخابات الرئاسية..فلا بأس.. طالما أن الهيئة فطنة لمطلوبات هذا التعجيل.. فتمدد مطالبتها لكل الجهات لتطبيع الملعب وتهيئة الأجواء للمسابقة الإنتخابية..
أما اعتراض أحزاب المعارضة على التعجيل.. وبافتراض أن الإعتراض سببه خشيتها من أن لا تكون مستعدة للمنازلة الانتخابية اذا قررت الحكومة الأخذ بمبدأ (ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه..).. ففي تقديري أن هذه الأحزاب .. لن تكون مستعدة للانتخابات حتى ولو تأجلت لعشر أعوام أخرى.. فالجاهزية هنا ليست هبة الزمن المتاح.. بل الإرادة السياسية والقدرة على السير في الطريق المفضي لمنافسة حقيقية .. وأحزاب المعارضة – بكل أسى – طموحها أقل كثيراً من مطلوبات الإصلاح السياسي المؤهل للمسابقة الإنتخابية القادمة..
ليت مفوضية الأنتخابات تقرر المضي قدما في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أيضاً .. في أي وقت حتى ولو كان شهر أبريل.. فالمتبقي من الزمن كاف لمن استطاع اليه سبيلا..

السبت، 28 مارس 2009

كبري توتي - 28 مارس 2009

كبري توتي ..!!

المهندس عبد الوهاب عثمان وزير التخطيط العمراني بولاية الخرطوم..نشرت له بعض الصحف إعلاناً.. يشكر فيه منسوبي وزارته.. و ينبه الجماهير إلى أن الإنجازات التي تتوالى في الولاية..لم يكن لتكتمل لولا كتائب العاملين في وزارته..
ولفت نظري في احتفالات افتتاح كبرى توتي ..قبل أيام قلائل.. أن الصور التي حملتها أخبار الصحف في اليوم التالي .. لم يظهر فيها وزير التخطيط العمراني.. ولم يكن أصلا في واجهة الإحتفال.. بل اعتلى السيارة المكشوفة مع السيد رئيس الجمهورية معتمد محلية بحري.. وغاب صاحب الأنجاز نفسه..
هذا سلوك قويم من وزير التخطيط العمراني، ليس في استنكافه عن (تجيير) الإنجازات لنفسه وتغييب الآخرين فحسب..بل لتعلية قيم العمل على الروح الإحتفالية.. ففي كثير من العمل العام.. يلفت نظري استهداف الصيت ولو بأعمال وهمية لا قيمة لها.. والأمثلة كثيرة..
وليس المقصود أن لا يفرح المسؤلون بانجازهم.. وحصائد عرقهم وكدهم وتفانيهم.. لكني أقصد العمل الذي يؤسسس من أول يوم على أعلى (حنجرة) بأفرغ مضمون..
كبرى (جزية توتي) الذي أفتتح قبل أيام.. هو ثاني جسر في القارة الأفريقية من نوعه.. أي كبرى معلق طائر بين الضفتين بلا أرجل تغوص في ماء النهر.. وليست تلك وحدها أهميته.. بل لأنه أول اتصال مباشر بين هذه الجزيرة الساحرة والبر .. ومثل هذا الاتصال لا يعني مجرد سحب سيارت أهالي توتي من اكتظاظها أمام قاعة الصداقة ..والسماح لها بالمبيت داخل وأمام منازل أصحابها .. بل رفع القيمة التجارية للجزيرة كلها.. فهي الآن أحد أهم أحياء الخرطوم.. على مرمي حجر من القصر الرئاسي و جار (الحيطة بالحيطة) لمدينة (السنط) الجميلة التي يجري العمل فيها بين ذراعي النيلين في المقرن..
بمجرد قص شريط افتتاح كبري توتي تضاف أرقام صفرية لسعر المتر في جزيرة توتي.. وتصبح محط أنظار المستثمرين، خاصة الذين يحلمون بمشاريع سياحية باهرة ..
وفي تقديري .. أن قيمة هذا الكبرى لا يجب – في الوقت الراهن – أن تتمدد أبعد من ذلك.. بعبارة أخرى لا داعي اطلاقا لمشروع الكبرى الآخر الذي يربط توتي بمدينة بحري.. لسبب بسيط.. توتي جمالها في هدوئها وانعزالها.. فالذي يعبر اليها حتى بوجود الكبري الجديد هذا.. لن يقصد أكثر من الجزيرة.. لكن ربطها بكبري آخر مع بحري يحولها من جزيرة الى محطة عبور بين الخرطوم وبحري.. يضيف اليها حركة عابرة غير مرغوب فيها.. وربما يجتاحها الزحام غير الرشيد. زحام العابرين بين بحري والخرطوم في الغدو والرواح.. وهي حركة واكتظاظ يفسد تماما هدوء وانعزال توتي..
إذا كان المطلوب العبور بين الخرطوم وبحري فليشيد الكبرى الجديد في أي مكان آخر على النيل بين المدينتين.. على الأقل العابرين سيقفزون مباشرة بين الضفتين دون الحاجة للهبوط ثم الصعود من توتي..سيدي وزير التخطيط .. لا داعي للكبرى الآخر.. فإذا كان المقصود العبور بين الخرطوم وبحري فهناك أكثر من مكان آخر مناسب وأقصر طولا ..

الخميس، 26 مارس 2009

فن القطر قام - 26 مارس 2009

فن (القطر .. قام) ..!!

الأستاذ حمد الريح.. فنان كبير، ساهم في تجميل اللوحة الفنية السودانية لعدة عقود من الزمان.. وحافظ على صوته ورونقه مع تقادم الزمن.. ورغم أن حمد الريح مسنود بخزانة ذهبية من الروائع.. ( يا مريا) .. و(إلى مسافرة) .. وأخواتهما .. إلا أنه شحيح المساهمة في الأغنيات الوطنية.. من تلك التي تناسب الأعياد والملمات الوطنية..
قبل عدة أيام طرق سمعي صوته في أحدي الإذاعات يغني أغنية.. أفترضت أنها مصنفة في حيز (وطنية) ..لتستجيش العواطف وتلهب الحماس.. لكنني أحسست بحزن عميق ..بل إشفاق على تاريخه الفني الطويل.. وهو يكابد الصعود الوعر فوق صخور كلمات يبدو أنها صيغت على عجل.. ثم لحنت بأعجل من تأليف كلماتها.. لتحلق بالمناسبة التي من أجلها دبجت..
لا أدرى مستعجل حمد الريح للحاق بماذا.. فيهدر رونقه الفني العتيق بمثل هذا العمل.. ما الذي يجعل فناناً بمثل قامة حمد الريح.. في حاجة ماسة ليغني بأعجل ماتيسر.. المتاح الموجود بلا تحفظ او تبصر..
الراحل المقيم زميلنا الأستاذ حسن ساتي رحمه الله.. كتب في مايو الماضي بعد محاولة فشل محاولة غزو أمدرمان في 10 مايو 2008.. فلاحظ ساتي أن الإذاعة والتلفزيون.. مع هول المناسبة .. لما يجدا سوى الرجوع للكنوز القديمة..الذهب الذي لا يصدأ مع الزمن أو تغير العهود السياسية.. فاسترجعت هذه الأجهزة الإعلامية الأغاني الوطنية للأماجد مثل ..ابراهيم الكاشف وعثمان حسين وسيد خليفة.. و الثنائي الوطني اللذان ارتبطا تاريخيا في ذهن المستمعين بحقبة سلطة مايو.. ومع ذلك كانت أناشيدهما زاخرة بالوطنية .. مثل أغنية (أمة الأمجاد)..
كون الأغنية وطنية لا يعفيها من مستحقات الجمال.. جمال الكلمات وقوتها ورصانة الحن ورشاقته.. تماماً كما يفعل الفنان الأستاذ محمد وردي .. أغنياته الوطنية ولكل العهود لا تزال محفورة في وجدان الشعب السوداني .. حتى أغنية (من شعاراتنا مايو..وسم شارتنا مايو.. أنت يا مايو الخلاص ..إلى آخر كلمات الأغنية).. حتى الأغنيات التي مزجت لشحذ همم الجنود السودانيين في الحرب العالمية الثانية لا تزال بكامل أناقتها وحماسها .. (يجو عايدين..)
ما الذي يجعل فناناً في قامة حمد الريح يرضى بمثل هذه الإضافة الخصم من تاريخه.. هل يحتم الظرف المجاملة بأي شيء حتى ولو كان (لا) شيء..
الفن قيمة إبداعية جادة – جداً - والأغنية الوطنية السودانية ليست مجرد تطريب لحظي أو موسيقى مناسبات.. هي وجدان الشعب التي تصنع في داخله إحساس الوطن والإنتماء.. فإذا أهدرت قيمتها.. وصارت مجرد هتافات.. سيأتي يوم تمسح فيه من ذاكرة الأجيال الجديدة وجدانيات الوطن.. ويصبح الفن ..شعبان عبد الرحيم..!!

الأربعاء، 25 مارس 2009

الاعدام البطيء 25 مارس 2009

الإعدام.. البطيء..!!

في صمت، تحتدم أزمة كبرى .. ثلاثة من مراكز غسيل الكلى أغلقت أبوابها.. وفي الطريق أخرون.. والسبب.. تأخر – بل فشل- سداد مديونيات هذه المراكز على الدولة..
وليست مشكلة في أن لا تفي الدولة بمديونة مستحقة للقطاع الخاص في أي مرفق.. في حال أن يكون القطاع الخاص مقاول يشيد مباني .. مثلاً.. فكل ما سيفعله أن يتوقف عن العمل فتتوقف المباني لحين إشعار آخر.. لكن عندما تتوقف مراكز غسيل الكلى.. الذي يتوقف هو نبض الحياة عند كثير من الذين ابتلاهم الله بالفشل الكلوي..
مريض الفشل الكلوي, المسافة التي تحسم بقاءه على قيد الحياة..هي الخطوات التي يمشيها مرتين أو ثلاثة كل أسبوع لمركز غسيل الكلي .. حيث يجلس لساعات لغسل دمه من السموم .. فإذا فقد قدرة الحصول على فرصة غسيل الكلي في التوقيت المطلوب.. يصبح كمن صدر في حقه حكم بالإعدام..البطيء..!!
ولأن فرص الحصول على مقعد في مراكز غسيل الكلى الحكومية ضرب من المعجزات .. إذ أن عدد المرضى أكبر كثيراً من ماهو متاح لهم في المراكز العامة.. فإن توقف أي مركز خاص للغسيل ..يعني كارثة محتمة للمرضى الذين يفقدون فرصة الغسيل..
الحكومة قبل سنوات عدة أدركت خطورة الأمر فأصدرت قراراً بمجانية غسيل الكلى.. يتولى المركز القومي لأمراض الكلى توزيع المرضى على المتاح من الفرص في مراكز الغسيل الحكومية والخاصة أيضاً.. وفي نهاية كل شهر تدفع الحكومة لهذه المراكز تكاليف غسيلها لهؤلاء المرضى.. واستمر الحال هادئاً لعدة سنوات.. ثم بدأت مستحقات مراكز غسيل الكلى تتراكم في العام 2008.. حتى شلت تماماً قدرة المراكز على العمل.. فهي تستخدم مستلزمات طبية مكلفة.. ولا يمكن لأصحاب المراكز الإستمرار في تمويلها بلا عائد..
دخلت الحكومة في مفاوضات مع المراكز في الربع الأخير من العام الماضي وتوصلت إلى تسويات تؤجل بموجبها دفع الديون.. وتسددها على دفعات.. وألزمت الحكومة المراكز بتخفيض فاتورة غسيل الكلي للمريض من (200) إلى (150) جنيهاً.. بعد أن حسبت الحكومة الكلفة – من طرف واحد – وتوصلت إلى أن تكلفة الغسيل للمريض (144) جنيهاً.. وافترضت أن باقى الـ(6) جنيهاً هي صافي الربح للمركز عن كل (غسلة) ..
لكن حتى هذه التسوية – رغم إجحافها - لم تجد حظها من الواقع.. فتراكمت الديون على الحكومة ولم تف بدفع المستحقات الجديدة .. فضلاً عن جدولة المستحقات القديمة ..
ولأن أصحاب هذه المراكز لهم حدود قصوى تنهار بعدها قدرتهم على الإيفاء بتكاليف التشغيل.. فلم يعد ممكناً سوى التساقط.. واحداً تلو الآخر .. حتى الآن ثلاثة.. وثلاثة هذه تعني عملياً رقم يقترب من مائة مريض.. صاروا اليوم في فضاء بلا سقف..
الوضع يقترب من درجة الخطورة البالغة.. خطورة أن يصبح مرضى الكلي مشاريع كارثة كبرى.. عندما يصبح الحصول على غسيل .. امر يعتمد كلياً على جيب المريض.. وحسب الأرقام.. مهما كان المريض ثرياً.. ولو في ملكه مال قارون.. فإنه سيغسل جيبه قبل كليته..
الأمر يحتاج إلى نظرة حاسمة عاجلة لا تحتمل الإنتظار..

الاعدام البطيء -25 مارس 2009

الإعدام.. البطيء..!!

في صمت، تحتدم أزمة كبرى .. ثلاثة من مراكز غسيل الكلى أغلقت أبوابها.. وفي الطريق أخرون.. والسبب.. تأخر – بل فشل- سداد مديونيات هذه المراكز على الدولة..
وليست مشكلة في أن لا تفي الدولة بمديونة مستحقة للقطاع الخاص في أي مرفق.. في حال أن يكون القطاع الخاص مقاول يشيد مباني .. مثلاً.. فكل ما سيفعله أن يتوقف عن العمل فتتوقف المباني لحين إشعار آخر.. لكن عندما تتوقف مراكز غسيل الكلى.. الذي يتوقف هو نبض الحياة عند كثير من الذين ابتلاهم الله بالفشل الكلوي..
مريض الفشل الكلوي, المسافة التي تحسم بقاءه على قيد الحياة..هي الخطوات التي يمشيها مرتين أو ثلاثة كل أسبوع لمركز غسيل الكلي .. حيث يجلس لساعات لغسل دمه من السموم .. فإذا فقد قدرة الحصول على فرصة غسيل الكلي في التوقيت المطلوب.. يصبح كمن صدر في حقه حكم بالإعدام..البطيء..!!
ولأن فرص الحصول على مقعد في مراكز غسيل الكلى الحكومية ضرب من المعجزات .. إذ أن عدد المرضى أكبر كثيراً من ماهو متاح لهم في المراكز العامة.. فإن توقف أي مركز خاص للغسيل ..يعني كارثة محتمة للمرضى الذين يفقدون فرصة الغسيل..
الحكومة قبل سنوات عدة أدركت خطورة الأمر فأصدرت قراراً بمجانية غسيل الكلى.. يتولى المركز القومي لأمراض الكلى توزيع المرضى على المتاح من الفرص في مراكز الغسيل الحكومية والخاصة أيضاً.. وفي نهاية كل شهر تدفع الحكومة لهذه المراكز تكاليف غسيلها لهؤلاء المرضى.. واستمر الحال هادئاً لعدة سنوات.. ثم بدأت مستحقات مراكز غسيل الكلى تتراكم في العام 2008.. حتى شلت تماماً قدرة المراكز على العمل.. فهي تستخدم مستلزمات طبية مكلفة.. ولا يمكن لأصحاب المراكز الإستمرار في تمويلها بلا عائد..
دخلت الحكومة في مفاوضات مع المراكز في الربع الأخير من العام الماضي وتوصلت إلى تسويات تؤجل بموجبها دفع الديون.. وتسددها على دفعات.. وألزمت الحكومة المراكز بتخفيض فاتورة غسيل الكلي للمريض من (200) إلى (150) جنيهاً.. بعد أن حسبت الحكومة الكلفة – من طرف واحد – وتوصلت إلى أن تكلفة الغسيل للمريض (144) جنيهاً.. وافترضت أن باقى الـ(6) جنيهاً هي صافي الربح للمركز عن كل (غسلة) ..
لكن حتى هذه التسوية – رغم إجحافها - لم تجد حظها من الواقع.. فتراكمت الديون على الحكومة ولم تف بدفع المستحقات الجديدة .. فضلاً عن جدولة المستحقات القديمة ..
ولأن أصحاب هذه المراكز لهم حدود قصوى تنهار بعدها قدرتهم على الإيفاء بتكاليف التشغيل.. فلم يعد ممكناً سوى التساقط.. واحداً تلو الآخر .. حتى الآن ثلاثة.. وثلاثة هذه تعني عملياً رقم يقترب من مائة مريض.. صاروا اليوم في فضاء بلا سقف..
الوضع يقترب من درجة الخطورة البالغة.. خطورة أن يصبح مرضى الكلي مشاريع كارثة كبرى.. عندما يصبح الحصول على غسيل .. امر يعتمد كلياً على جيب المريض.. وحسب الأرقام.. مهما كان المريض ثرياً.. ولو في ملكه مال قارون.. فإنه سيغسل جيبه قبل كليته..
الأمر يحتاج إلى نظرة حاسمة عاجلة لا تحتمل الإنتظار..

الثلاثاء، 24 مارس 2009

مفاهيم - 24 مارس 2009

مفاهيم ..!!

الدكتور حسن الترابي في محاضرة قبل عدة سنوات.. كان يتحدث أمام جمهور من المهندسين في مختلف التخصصات.. فقال لهم ممازحاً.. بما معناه ( أنتم المهندسين مظلومون.. إذا تلاعبتم بمعايير البناء ستسقط العمارة ويرى الناس كلهم الخطأ.. اما المحامون فيلفون الحقيقة ويدورون بها كيف شاؤوا..).. والنقل هنا ليس حرفياً.. لاعتماده على الذاكرة.. وإن كنت أذكر جيداً كيف نطق بعبارة (يلفوا ويدوروا) حيث أشار بأصيع يده اليمني في حركة دائرة فيها بعض التمثيل المسرحي لإظهار المقصود بـ(اللف والدوران) ..
وحيث الترابي، بعد إفراغ الإشارات المباشرة للمهندسين والمحامين.. يؤكد السُنة التي يقوم عليها الكون كله.. فالوجود يعتمد على معايير طبيعية حتمية لا يمكن القفز فوقها أو تجاهلها.. ومعايير أخرى تقديرية قابلة ل(اللف والدوران) ..
وبالتشبيه الذي ساقه الترابي.. المهندس الذي يشيد العمارة أو الجسر أو الذي يصنع الطائرة .. ملزم بحقائق علمية لا يمكنه القفز فوقها.. وإلا واجه النتيجة الحتمية.. ولا يمكن لأي انسان أن يقفز بقوة دفعه الذاتية أكثر من عدة أمتار فوق سطح الأرض لأن هناك قوانين الجاذبية الأرضية التي لا تحتمل (اللف والدوران) عليها..
أما القيم التقديرية.. والتي اختار الترابي أن يضرب بها مثلاً المحاماة .. فقد أقر بها الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال (يفضي الي كل منكم بحجته فأقضي بها فمن قضيت له من حق أخيه فكأنما اقتطع له قطعة من النار..) بعبارة أن (اللف والدوران) قد يمنح صاحب اللسان ميزة على صاحب الحق..
ربما تتشوقون لمعرفة مناسبة كل هذا التنظير..سأقول لكم ..
من البديهي - جداً – أن نصل لنفس النتائج، مهما كانت كارثية.. طالما أن الحقائق على الأرض التي أنجبتها، تعمل وبهمة..
رجل يقود السيارة بسرعة هائلة.. أمامه منحنى خطر.. انحرف فيه دون استدراك سرعته .. النتيجة لا يمكن أن تكون تقديرية .. فهنا حسابات الطبيعة الحتمية تفرض النتيجة..إنقلاب السيارة.. ولا ينتظر أن تكون حجة السائق في أنه مسرع لإنقاذ مريض يحمله للمستشفى أو طالب للحقاق بزمن الإمتحان أو مسافر طائرته على وشك الإقلاع.. عوامل الطبيعة الحتمية هنا لا تتفرس في الأسباب والحجج..
تعويلاً على هذا الفهم.. عندما تواجه بأي مشكلة.. لا تتسرع بالتعامل المباشر مع نتائجها الماثلة أمامك.. فهي محض مخرجات لمدخلات هي الأوجب بالمعالجة..
وفهم المدخلات لا يجب ان يبنى على شكل المخرجات..بل على منهج التفكير الذي تأسست عليه المدخلات.. ومن هنا يبدأ الحل..
بعبارة أخرى.. المفاهيم التي تبنى عليها الأعمال هي دائماً الأولى بالنظر.. منها يبدأ الإصلاح ..
والله أعلم ..!!



الاثنين، 23 مارس 2009

هل يسافر الرئيس الى الدوحة 23 مارس 2009

هل يسافر الرئيس إلى الدوحة ؟

بحسن نية، اندفع كثيرون يطالبون السيد رئيس الجمهورية أن لا يسافر إلى الدوحة للمشاركة في الدورة العادية الـ(21) للقمة العربية، التي تنعقد في 30-31 مارس 2009 وتتزامن معها قمة أخرى عربية- أمريكية لاتينية.. وحيثيات هؤلاء هي الإشفاق على الوطن قبل الرئيس من مخاطر القرصنة الجوية التي يهدد بها لويس مورينو أوكامبو المدعي الدولي.
في تقديري، أن هؤلاء المشفقين وقعوا في الفخ الذي نصبه أوكامبو بإحكام.. فعندما هدد أوكامبو بإختطاف طائرة الرئيس كان يدرك أن هذا الوعيد عملياً هو ضرب من المحال.. لكن أوكامبو يهدف لزرع المخاطر والألغام في فضاءات الرئيس حتى لا يخرج من الحدود الدولية للسودان فيصبح كمن فقد الشرعية الدولية والإقليمية وتجرد تماماً من قابلية الإتصال الطبيعي على مستوى القمة مع نظرائه..
ولا سبيل للاعتداد بأن رؤوساء آخرين لا يخرجون من بلادهم ولا يمتهن ذلك شرعيتهم.. ففرق كبير بين أن يفعل ذلك رئيس بمحض اختياره وإرادته.. وبين أن يحبسه فرض الأمر الخارجي..
لنحسب الأمر بمنتهي التجرد.. عملية الإختطاف المتوهمة هذه.. عملياً لا يمكن أن تتم في مسار الطيران من الخرطوم إلى الدوحة إلا في منطقة واحدة محدودة للغاية.. هي المجال الدولي فوق البحر الأحمر.. بعد الخروج من الأجواء السودانية وقبل الدخول إلى المجال الجوي السعودي.. وهي مسافة زمنية لا تتعدى الـ(10) دقائق..
في هذه النقطة قد تعترض طائرة الرئيس طائرات حربية من أي نوع.. لكن هذه الطائرات الحربية لا تستطيع أكثر من الإقتراب من طائرة الرئيس والتحدث مع قائد الطائرة عبر موجة الإتصال الدولي للطيران المدني وتطلب منه التوجه إلى جهة حددها سلفاً الخاطفون.. وكل ما سيفعله قائد طائرة الرئيس أن يتجاهل تماماً الأمر ويستمر في طيرانه نحو المجال الجوي السعودي.. ليس أمام الطائرات الحربية فعل أي شيء آخر .. سوى الإنسحاب .. ليس في إمكان هذه الطائرات قطع الطريق أمام طائرة الرئيس ولا استهدافها بأي سلاح.. لأن المحكمة الجنائية أصدرت أمر توقيف وليس حكماً بالإعدام..
في أراضي الشقيقة دولة قطر، الرئيس في أمان كامل حتى بوجود قاعدة عسكرية أمريكية على مرمى حجر من مقر إقامة السيد الرئيس.. فأمريكا تدرك أن الإعتداء على رئيس دولة ضيف على الحكومة القطرية، هو إعتداء على دولة قطر في المقام الأول.. ولا يمكن لدولة قطر أن تقبل بوجود أجنبي يكسر (إشارة مرور) في أحد شوارع الدوحة فضلاً عن أن يكسر سيادتها وحرمة ضيوفها على أراضيها..
سيدي الرئيس، أعقلها وتوكل.. سافر إلى الدوحة في أمان الله وحرزه ..

الأحد، 22 مارس 2009

الغمتي - 22 مارس 2009

(الغُمتي)..!!

سوق الخرطوم للأوراق المالية، التي تعرف اصطلاحاً بـ(البورصة) .. هي أحد آليات الإقتصاد السوداني الحيوية..ميزان العمل التجاري الذي يحدد القيمة السوقية لأسهم الشركات العامة.. لكن هذه الآلية تعمل بكلمة سر حتمية، بغيرها تحتضر الفكرة التي من أجلها شرعت.. وتصبح مجرد قيمة مضافة لما أطلق عليه الأستاذ عبد الرحيم حمدي (الغُمتي)..!! كلمة السر هي (الشفافية)..
إدارة حركة الأسهم والتداول بأعلى معيار للحيدة والشفافية التي لا تترك المتاريس خلف الكواليس.. لكن ذلك المعني.. الشفافية.. لا يتحقق بالصدفة.. ولا يترك للنوايا الحسنة.. فهو ثمرة منظومة فيها هياكل تعمل بكل كفاءة حسب النظام الافتراضي.. سلطات مؤسسية أعلى تراقب سلطات مؤسسية أدني، فأدنى إلى آخر حلقة.. فإذا تُركت الأمور كلها في يد سلطان واحد.. يأمر وينهي ويزجر ويعاقب ويكدر من شاء حين يشاء.. تتحق أعلى معايير (الغُمتي!) وتصبح السوق أحد معاول هدم الإقتصاد السوداني..
ماهي المعايير التي تعمل وفقها سوق الأوراق المالية ؟
ماهي المرجعيات التي تدار بها؟ مرجعية القانون الأساسي؟ ماهي الجهة التي تراقبها ؟ وكيف تراقب ؟
لماذا تظل هذه المؤسسة الإقتصادية الحساسة تعمل وفق أعتى النظم اليدوية المتخلفة ؟؟ صالة يقف داخلها الوكلاء وسبورة يكتب عليها الأسعار أحدهم ..ثم يهرول في دائرة حول المكان .. فإذا تصادف وسقط أرضاً.. تحدث كارثة كالتي حدثت قبل عدة شهور لإحدى المؤسسات المالية الشهيرة وثار بسببها لغط وجدال كبير..
ما الذي يجعل كل بورصات الدنيا تعمل وفق نظم الكمبيوتر التي تضمن الشفافية والإستقلال عن التدخل اليدوي.. وأعلى معايير الشفافية.. بينما تعمل بورصتنا بكل هذه الصورة (المتحفية!) العتيقة.. لمصلحة من ؟ وضد من ؟
هل أسعار الأسهم التي تبرزها سوق الأوراق المالية حقيقية ؟ هل يمكن التأثير على حركة التعامل بحيث تمنح بعض الأسهم قوة (مفاجأة!) .. ترفع سعر الإغلاق .. خاصة عندما يكون هذا السعر مرتبطاً بمواسم حصاد الأرباح والنتائج.. نهاية العام مثلاً ( هل تذكرون ما كتبته هنا في يوم الخميس 27 ديسمبرعام 2006 ..)
نظرية الإقتصاد الحر التي عولت عليها الدولة في إدارة اقتصاد البلاد.. حجر الزاوية فيها أن يتمدد مفهوم (الحُر) الى كل مسارات الحركة الاقتصادية.. وكلمة (الحُر) هنا تعني ترك أرجوحة النشاط التجاري تتحرك وفق عوامل الجاذبية الطبيعية.. حركة (حُرة) من واقع معطيات السوق.. لكن إذا تأثرت هذه الحركة بأية موجهات أومؤثرات أخرى.. يصبح الإقتصاد منتفخا كعجز بيت أبي الطيب المتنبي (أن تحسب الشحم.. في من شحمه ورم..)..
سيدي د. عوض الجاز وزير المالية.. ليتك تزور سوق الأوراق المالية..!! ويا حبذا لو كانت في آخر يوم تداول في نهاية الشهر ..!!

السبت، 21 مارس 2009

امنيات اوباميه 21 مارس 2009

أمنيات أوبامية..!!

في استدارة تبدو حادة، أعلن باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، رغبته في تدشين مسار جديد لعلاقة بلاده بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقال أن الدبلوماسية طريق أسهل وأفضل من المواجهة.
وعلاقة أيران بأمريكا تقلبت بين نقيضين. كانت في عهد الشاه محمد رضا بهلوي في وضع تجاوز حد الصداقة والتحالف، إلى ما يشبه ارتباط التبعية. وعندما نجح الشعب الإيراني في خلع الشاه واسترداد الإمام آية الله الخميني من منفاه في باريس، تحولت العلاقة إلى مواجهة إزداد سعيرها مع الأيام لدرجة الصدام المباشر. وأحتجز الطلاب طاقم السفارة الأمريكية في طهران لحوالى (440) يوماً ولم يطلقوا سراحهم إلا بعد فشل الرئيس الأمريكي كارتر في الإنتخابات، بعد محاولته تحرير الرهائن بالقوة العسكرية، لكن الطائرات الأمريكية التي نجحت في التسلل إلى الأراضي الإيرانية، وهبطت في مهبط مهجور في الصحراء تمهيداً للإنقضاض على طهران، ثارت عليها فجأة عاصفة رملية فتصادمت طائرات الهيلوكبتر وقُتل عدد من الجنود وأُلغيت العملية التي لم تنتبه إليها إيران إلا بعد أن أذاع الرئيس كارتر بياناً أعلن فيه فشلها.
أوباما ربما تحرك نحو إيران مستهدياً بما طرحه في حملته الإنتخابية تحت شعار (التغيير).والتغيير في السياسة الأمريكية الخارجية تعني إستبدال منهج الصدام المباشر مع الشعوب الأخرى وخوض الحروب غير المبررة مثلما حدث في العراق. لكن المعضلة التي ربما تواجه أوباما تتمثل في عنصرين مفتاحيين، الأول داخلي في ايران، إذ أن السياسة الخارجية الإيرانية مبنية على افتراضات عقائدية لم تنجح حتى في تطبيع العلاقات مع دول رئيسية في الإقليم مثل السعودية ومصر والإمارات.. بل وصل التناقض إلى عربية واسلامية أخرى هي المغرب التي قطعت علاقاتها مع ايران على خلفية التصريحات الإيرانية التي نسبت مملكة البحرين إلى السيادة الايرانية.. فإذا لم تنجح الدبلوماسية الإيرانية في التعايش مع أهم دول إقليمها الإسلامي.. فكيف تنفح علاقاتها مع الدولة التي أطلقت عليها الأدبيات السياسية الايرانية مصطلح (الشيطان الأكبر).
ثاني عقبات تحقيق ما طالب به أوباما.. أن العلاقات بين واشنطون وطهران تمر حتماً عبر تل أبيب. فالمشروع النووي الإيراني مثار النزاع معها دولياً.. هو في الأصل قضية إسرائيل في المقام الأول.. التي تخشى أن تطوير من خلاله ايران قنبلة نووية تخل بتوزان الرعب في الشرق الأوسط. فإسرائيل التي تمتلك مخزوناً مقدراً من الأسلحة النووية، تدرك أن أي سلاح نووي إسلامي في الشرق الأوسط يلغي تماماً كل مشروعها النووي، فعملياً إذا كانت اسرائيل في حاجة لعشر قنابل نووية لضرب عشر مواقع عربية واسلامية في الشرق الأوسط تشكل تهديدا لأمنها، فإن نصف قنبلة نووية في يد أعدائها كاف تماماً لمسح اسرائيل من خارطة الوجود..
إذن – عملياً – لا يملك أوباما تغيير الأيدلوجية الدبلوماسية الايرانية التي تبحث عن (الشيطان الأكبر)، كما لا يستطيع التنازل عن هواجس اسرائيل من البرنامج النووي الايراني..

الجمعة، 20 مارس 2009

الشجاذ - 20 مارس 2009

الشحاذ..!!

الشحاذ.. إنسان قهره ظرفه فمزق فاتورة وجهه وأزاح الستار عن ستره.. فاستغنى عن كرامته و موقعه الإجتماعي بين الناس.. ومد يده أسفل يد المعطي.. ليعيش بماء وجهه المسكوب..
والفرق كبير – جداً- بين الشحاذ.. والفقير المعدم.. فالفقير قد يلتقط ما يجود به عليه الأكرمون.. مع الحفاظ على كامل كرامته وموقعه الإجتماعي .. وهو عين ما قصدته الآية الكريمة..(تحسبهم أغنياء من التعفف..) أي أن استنكافهم عن التضحية بماء الوجه يجعل الناظر اليهم يحسبهم من زمرة الأثرياء.. لكن (الشحاذ) يقبل الصفقة.. الكرامة في مقابل المال..
فهل كان شعب السودان كله (حتة واحدة) في يوم من الأيام.. شحاذاً.. يسكب ماء وجهه على قارعة الطريق من أجل الطعام أو العيش..؟؟
صحيح كان ولا يزال فقيراً.. يأكل نصف وجبة في اليوم.. ويطأ على جوع بطنه إن لم يجد ما يأكله..ويلبس الستر.. لكنه ما كان في يوم من الأيام في وضع (الشحاذ).. الذي يسأل الناس أعطوه أو منعوه ..
إذهب إلى أفقر بيت في أفقر قرية..وكن ضيفاً عليهم ..تأمل في بشاشة الإستقبال ورحابة صدر الإحساس بالضيف.. صحيح قد يقدم لك طعاما من الكسرة الجافة المعطونة في ماء ومنثور عليها بعض الملح..وصحيح قد يقدم لك كوب الماء في (علبة صلصة مستعملة).. لن تأكل طعاما فخيماً.. ولن تقدم لك فواكه او حلويات بعد الأكل.. لكن حاول أن تجرب حظك.. أدخل يدك في جيبك وأخرج منه ما يجود به من مال وحاول أن تقدمه لمضيفك الفقير!. حاول أن تمنحه الإحساس بأنك تدفع ثمن الكرم..ثم أنظر للنتيجة..
تطلع في الطرق المسفلتة القومية.. في لحظة الإفطار في شهر رمضان.. الآلاف من الأسر خرجت لتتناول إفطارها في الشارع العام.. لا للفرجة على بهجة منظر الغادين والرائحين.. بل لتجبر كل مار بالطريق على التوقف لمشاركتها الطعام.. لايهم نوع الطعام لكنه من صنع أيديهم وعلى مد حبال فقرهم.. هل مثل هذا الشعب يستحق صفة (شحاذ) ..!!
من يطلق على هذا الشعب صفة (شحاذ).. هل يعقل أن يكون رجل منهم .. عاش بينهم وعرفهم .. وحدق في أعينهم ..!! رضع من ثدي أمهاتهم .. و تربى في أحضانهم .. وشب بين أنفاسهم و لسعته حرارة صدورهم .. هل يعقل ؟؟
من أين جاء هذا الرجل ؟؟
أين وجد شعبنا ورأى فيه صفات (الشحاذ) ؟؟
هل ضل في قطر آخر ورأي شعبا آخر غير شعبنا وظنه هو ..
هل حلم في المنام بشعب آخر غير شعبنا واستيقظ وظن الحلم رؤيا..
هل نحن شعب يطلق علينا بالدارجي (شعب شحات..)
استغفر الله العظيم.. من أين جاء هذا الرجل ؟؟ هل من صلب شعب (شحات)..!!
إذن كيف نال جنسية شعبنا ..الذي علم الدنيا الكرم وعفة الحال (ولو كان بهم خصاصة..)

الثلاثاء، 17 مارس 2009

حبه عند اللزوم 17 مارس 2009

حبة .. عند اللزوم ..!!

قرار صائب .. سودنة العمل الطوعي .. فـ(ما حك جلدك مثل ظفرك).. لكن مثل هذا الأمر لا يتحقق بمحض قرار، بل حزمة سياسات ومطلوبات بدونها لا يمكن انتظار رجاء من العمل الوطني الا بقدر رنين إعلامه..
أول هذه المطلوبات.. تقويم مفهوم العمل الطوعي..إذ لا يزال العمل الطوعي في بلادنا إمتداداً غير رشيد للعمل الحكومي..بل في أحيان كثيرة هو مجرد هروب من القنوات الرسمية.. فتمارسه جهات بكامل عفوانها الرسمي.. والمفروض أنه عمل مجتمعي ..يستثير همة الأهالي في ممارسة حكمة بناء الذات.. تصغير للحكومة حتى تصبح مجرد هياكل وظيفية تنحصر مهامها في التنظيم والسيادة ومرجعيات التحكيم.. وتكبير للمجتمع. فالدولة القوية هي التي تحمكها حكومة صغيرة ومجتمع كبير..
وأول شروط تحويل العمل الطوعي إلى عمل مجتمعي قاعدي.. تصحيح مسار الضرائب لتسمح لمن يملك أن يتطوع بماله لمن لا يملك.. شريطة أن تخصم مثل هذه التبرعات من الضرائب المفروضة على المكلف.. وتصبح القاعدة العامة..(بيدك.. أو بيد الضرائب) .. إما أن تتبرع طائعاً مختاراً.. أو تدفع للضرائب.. وهي ذات القاعدة التي مكنت بعض المجتمعات الغربية في أوروبا وأمريكا من جعل المواطن مبادراً في تنشيط وتحفيز العمل الطوعي ودفع التبرعات بكل سخاء..
وثاني الشروط.. أن تتضمن موازنة الدولة قسطاً مقدراً من الإنفاق على مؤسسات العمل الطوعي.. و تبنى سياسات ولوائح تضمن تمرير مثل هذا التمويل لمؤسسات العمل الطوعي بلا تمييز.. حتى لا تصبح بعض المنظمات الطوعية الكبيرة.. حكومات صغيرة.. تعمل بنفس الترهل الديواني وتتصرف كأنها حكومة أخرى خارج دهاليز الحكومة..
وثالث الشروط .. إجبار منظمات العمل الطوعي الوطني كلها .. بنشر تفاصيل ميزانياتها .. مواردها كم ومن أين حصلت عليها.. ومصروفاتها أين وكيف أنفقتها.. حتى لا تصبح بعض المنظمات الطوعية كأنها جمعية أسرية خاصة محروسة من العين بحصانات الخصوصية..
ولأننا دولة غنية بالكوارث.. من فيضانات وسيول في مواسم الأمطار.. ومجاعات في مواسم الجفاف.. و مضاجع الموت في الحروب .. فحاجتنا لمثل هذه المنظمات الطوعية الوطنية عالية – جدا- ولا يجب أن ننتظر المقادير لتهدي إلينا أسباب الإهتمام بها واستثارة همتنا للإعتماد عليها.. فهي مكون أصيل من صميم تراث الإنسان السوداني الذي تعود على العمل الطوعي منذ عصور طويلة في مجتمعه الصغير والكبير.. ولا أحد ينسى (النفير) الذي يشيع في القرى لحشد الأيادي للقيام بعمل جماعي طوعي.. عيب – في نظر المجتمع – التخلف عنه ..
الطريق للاعتماد بجدية على المنظمات الطوعية الوطنية ليس بمثل السهولة التي ينظر بها كثيرون إليه.. لكنه طريق حتمي .. لا فكاك عنه .. فلنمض فيه بكل جدية .. بعيداً عن الموسمية ..!!

الاثنين، 16 مارس 2009

مولانا بابكر عوض الله 16 مارس 2009

مولانا بابكر عوض الله ..!!

من المساحات الصحفية المقدرة التي أحرص على مطالعتها.. صفحة صديقي الأستاذ عمر محمد الحسن (الكاهن) .. في الزميلة أخبار اليوم.. تحت عنوان (غير قابل للنفي) .. وهو إسم على مسمى.. فصديقي (الكاهن) دقيق – جداً- في ما ينشره تحت اسمه.. ويحرص على إنتقاء مصادره .. و عادة ينفرد بسبق صحفي رنان..
أمس في صفحته.. نقل مضمون حوار أجراه مع مولانا بابكر عوض الله.. أحد أهم الشخصيات العامة في تاريخنا الحديث.. ولم يلفت نظري موقف مولانا بابكر عوض الله من قضية المحكمة الجنائية الدولية.. فهو رئيس قضاء أسبق ويعلم جيداً معنى أن تطلب دولة أجنبية محاكمة رئيس البلاد وقائد الجيش.. لكن الذي أثار دهشتي المفارقة.. مع موقف الدكتور حسن الترابي ..
بابكر عوض الله الذي قدم إستقالته من رئاسة القضاء (في العام 1967) إحتجاجاً على رفض الحكومة لقرار المحكمة ببطلان حل الحزب الشيوعي.. ثم تولى بعد الإنقلاب اليساري في 25 مايو 1969 منصب رئيس الوزراء .. يقف الآن في صف الحكومة التي يقف ضدها من أسسها .. تباين الألوان مع المواقف يبدو مثيراً..وعملياً.. هذا الموقف يكسب مولانا بابكر عوض الله وطنياً وجماهيرياً بمقدار ما يخسر الترابي .. ويبرهن أن مولانا بابكر عوض الله في سابق مواقفه .. وخلال سيرته التي تولى فيها رئاسات السلطات الثلاثة.. التشريعية رئيساً لمجلس النواب في العام 1954.. ثم القضائية رئيساً للقضاء في العام 1964.. والتنفيذية رئيساً لمجلس الوزراء في 25 مايو 1969.. كان مبدئياً بعيداً عن هوى السياسة..
وحقيقة.. موقف الشعب السوداني الكاسح ضد المحكمة الجنائية الدولية يبين إلى أي مدى هذا الشعب مستنير وواع.. وقادر في لحظات الجد التي لا تحتمل التردد.. الفصل بين الوطن وأي أحزان أخرى..
قبل حوالي أسبوعين تشرفت بإدارة ندوة في دار القضاة.. كان ضيفاها مولانا بابكر عوض الله .. وخلف الله الرشيد.. كلاهما ترأسا القضاء .. وسرد بابكر عوض الله سيرته التعليمية والمهنية.. وتفضل بعض الحضور وجلهم من القضاة البارزين بذكر بعض مناقب الرجل خلال فترة عمله بالقضاء.. وكيف كان مجيداً ودقيقاً في عمله وترك سجلاً حافلاً من المرجعيات القانونية التي تزدان به المجلة القضائية..خلال تلك الندوة لفت نظري لدرجة الإبهار قوة ذاكرة مولانا بابكر عوض الله (وكفاً للعين يلزم تكرار "ما شاء الله" ثلاثاً) .. وكان طريفاً أثناء الندوة أن مولانا بدري بكري أحد منظمي الأسبوع الثقافي الذي كانت الندوة أحد برامجه.. عندما أشفق على مولانا بابكر عوض الله من البرد القارص خلال الندوة .. حمل لافتة عليها صورة قديمة كبيرة ووضعها على يسار المنصة لقفل تيار الهواء.. بالصدفة كانت الصورة في اللوحة لعدد من القضاة (غالبهم أجانب) في صورة تذكارية ألتقطت عام 1953.. فسألت مولانا بابكر عوض الله هل يتذكر من هم في الصورة.. لم يتردد لحظة نظر للصورة وطفق يذكر القضاة فرداً فرداً بالإسم.. بل وذكر بدقة مناسبة الصورة ومكان إلتقاطها..

الأحد، 15 مارس 2009

ضبط الوقت - 15 مارس 2009

ضبط الوقت ..!!

الوقت، أغلى الأصول القومية التي تملكها البلاد.. وأي وقت ضائع من عمر المواطن محسوب في مجموع العمر الضائع على مجموع الوطن.. مثلاً إذا كان المواطن الواحد يضيع زمناً قدره ثلاث ساعات لانجاز معاملة حكومية.. استخراج وثيقة ما من إدارة حكومية.. فإن الوقت الضائع على الوطن يساوى ثلاث ساعات مضروبة في عدد المواطنين الذي يتطلب ظرفهم استخراج هذه الوثيقة..
وبحساب بسيط وسهل – جدا- يمكن قياس مجموع الوقت القومي الثمين المهدر من الوطن في ثنايا الإجراءات الحكومية الروتينية..من استخراج بطاقة السجل المدني و رخصة قيادة السيارة و جواز السفر شهادة الميلاد .. إلى استخراج الشهادات الدراسية في مختلف المراحل ..من الشهادة الثانوية في وزارة التربية والتعليم الى الشهادات الجامعية في مختلف الجامعات..
كل دقيقة يمكن اختصارها وتوفيرها في زمن هذه الإجراءات تساوى مجموع السكان مضروبا في عدد أيام العام.. مليارات الساعات.. فكيف يمكن فعل ذلك..
الطريق مسفلت ومعبد نحو بناء دولة لا يضيع سكانها زمنهم هدراً.. بمنهج تفكير متفتح ينظر في اتجاهين.. الأول .. مراجعة جميع الإجراءات الروتينية البروقراطية المطلوبة لاستخراج الشهادات والمطلوبات الرسمية في مختلف المجالات.. واعادة تصحيحها بحيث لا تتطلب الا أقل الحتميات الإجراءائية.. مع التوسع في استخدام الكمبيوتر لانجاز المعاملات..
والثاني .. تبني هندسة مجتمعية تعيد تصحيح الساعة البيولوجية في جسم المواطن السودان... فنحن السودانيين لدينا فارق زمن Built-in في تفكيرنا ونخاعنا السلوكي.. فارق الزمن ناتج من وحدة القياس الطبيعية للزمن في عقولنا.. والتي تجعل إحساسنا بالوقت متثاقل ومطاط..
يفتقد الإنسان السوداني لحاسة (الدقيقة).. وفي أفضل الظروف عند الإنسان السوداني الملتزم بالزمن فإن أقرب وحدة زمن مستخدمة بجدية هي الساعة.. وللبرهان على لك لاحظ جيدا مواقيت التواعد الرسمي والشعبي.. يبدأ الاجتماع الساعة السابعة.. الثامنة .. العاشرة.. الخاسمة.. نادرا جدا أن يوضع زمن محسوب بنصف الساعة.. مثلا الساعة الثالثة والنصف.. ويكاد لا يوجد تقويم بالربع ساعة.. مثلا توقيت بداية اجتماع الساعة السابعة والربع.. ففي العرف أن أقرب وحدة زمن متحكم فيها هي الساعة..
ومثال آخر..لنأخذه من الإعلام.. لاحظوا فارق الأداء بين اذاعتنا الرسمية وحتى الخاصة السودانية المحلية مثا اذاعة أمدرمان الأم وبنتها اف ام 100.. واذاعة الخرطوم وغيرها.. وقارنوها مع أداء الاذاعات الخاصة شبه الأجنبية مثل مانجو اذاعة الرابعة.. رغم أن كل المذيعين في كل هذه الاذاعات سودانيون إلا أن ايقاع الاذاعات الاجنبية سريع للغاية.. يتحدث المذيع بسرعة وايقاع سريع لأن هذه الاذاعات الآتية من الخارج مضبوطة على زمن مختلف عن المحلي.. بينما الاذاعات المحلية يتحدث مذيعوها (على أقل من مهلهم) لأن عنصر الوقت هنا متوفر (على قفا من يشيل)..
لتصحيح الوقت القومي .. لابد من استحداث نظام وقت مبنى على عنصر أقل من الساعة.. مع تسريع ايقاع الإعلام العام.. فهو أهم أدوات التغيير في المجتمعات العصرية..

الجمعة، 13 مارس 2009

حبه عند اللزوم 17 مارس 2009

حبة .. عند اللزوم ..!!


قرار صائب .. سودنة العمل الطوعي .. فـ(ما حك جلدك مثل ظفرك).. لكن مثل هذا الأمر لا يتحقق بمحض قرار، بل حزمة سياسات ومطلوبات بدونها لا يمكن انتظار رجاء من العمل الوطني الا بقدر رنين إعلامه..
أول هذه المطلوبات.. تقويم مفهوم العمل الطوعي..إذ لا يزال العمل الطوعي في بلادنا إمتداداً غير رشيد للعمل الحكومي..بل في أحيان كثيرة هو مجرد هروب من القنوات الرسمية.. فتمارسه جهات بكامل عفوانها الرسمي.. والمفروض أنه عمل مجتمعي ..يستثير همة الأهالي في ممارسة حكمة بناء الذات.. تصغير للحكومة حتى تصبح مجرد هياكل وظيفية تنحصر مهامها في التنظيم والسيادة ومرجعيات التحكيم.. وتكبير للمجتمع. فالدولة القوية هي التي تحمكها حكومة صغيرة ومجتمع كبير..
وأول شروط تحويل العمل الطوعي إلى عمل مجتمعي قاعدي.. تصحيح مسار الضرائب لتسمح لمن يملك أن يتطوع بماله لمن لا يملك.. شريطة أن تخصم مثل هذه التبرعات من الضرائب المفروضة على المكلف.. وتصبح القاعدة العامة..(بيدك.. أو بيد الضرائب) .. إما أن تتبرع طائعاً مختاراً.. أو تدفع للضرائب.. وهي ذات القاعدة التي مكنت بعض المجتمعات الغربية في أوروبا وأمريكا من جعل المواطن مبادراً في تنشيط وتحفيز العمل الطوعي ودفع التبرعات بكل سخاء..
وثاني الشروط.. أن تتضمن موازنة الدولة قسطاً مقدراً من الإنفاق على مؤسسات العمل الطوعي.. و تبنى سياسات ولوائح تضمن تمرير مثل هذا التمويل لمؤسسات العمل الطوعي بلا تمييز.. حتى لا تصبح بعض المنظمات الطوعية الكبيرة.. حكومات صغيرة.. تعمل بنفس الترهل الديواني وتتصرف كأنها حكومة أخرى خارج دهاليز الحكومة..
وثالث الشروط .. إجبار منظمات العمل الطوعي الوطني كلها .. بنشر تفاصيل ميزانياتها .. مواردها كم ومن أين حصلت عليها.. ومصروفاتها أين وكيف أنفقتها.. حتى لا تصبح بعض المنظمات الطوعية كأنها جمعية أسرية خاصة محروسة من العين بحصانات الخصوصية..
ولأننا دولة غنية بالكوارث.. من فيضانات وسيول في مواسم الأمطار.. ومجاعات في مواسم الجفاف.. و مضاجع الموت في الحروب .. فحاجتنا لمثل هذه المنظمات الطوعية الوطنية عالية – جدا- ولا يجب أن ننتظر المقادير لتهدي إلينا أسباب الإهتمام بها واستثارة همتنا للإعتماد عليها.. فهي مكون أصيل من صميم تراث الإنسان السوداني الذي تعود على العمل الطوعي منذ عصور طويلة في مجتمعه الصغير والكبير.. ولا أحد ينسى (النفير) الذي يشيع في القرى لحشد الأيادي للقيام بعمل جماعي طوعي.. عيب – في نظر المجتمع – التخلف عنه ..
الطريق للاعتماد بجدية على المنظمات الطوعية الوطنية ليس بمثل السهولة التي ينظر بها كثيرون إليه.. لكنه طريق حتمي .. لا فكاك عنه .. فلنمض فيه بكل جدية .. بعيداً عن الموسمية ..!!

الثلاثاء، 10 مارس 2009

بكل أسف ..!!

رغم التأييد الشعبي لموقف الحكومة ضد المحكمة الجنائية.. إلا يبدو أن الحكومة فهمت أن الأمر شيكا على بياض لتأييد مطلق في كل اتجاه.. فازدادت الرقابة الأمنية على الصحف تشددا.. وبدا كما لو أن الحكومة افترضت أن التأييد .. هو تخويل بمزيد من التضييق..
وهكذا .. تنجح الحكومة دائما في الفشل..

الاثنين، 9 مارس 2009

9 مارس 2009 دستور محمد

دستور محمد ..

محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.. الرسول القائد الأمهر.. استخرج من أمة العرب الممزقة – آنئذ - أعظم قوة كونية في تاريخها.. بمعيار القوة المادية والأخلاقية.. أوحى له الله بسر العظمة.. الطاقة الكامنة في الإنسان التي تجعله مخلوقاً فوق المخلوقات.. فأطلقها كما تنطلق الطاقة من نواة الذرة..
عندما بعث الرسول الكريم إلى أعتى قوة عسكرية ومدنية في ذلك الزمان.. الدولة الفارسية.. قال موفده للملك رستم (جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام..)
دستور كامل مرسوم في ثلاث بنود فقط.. البند الأولى(نخرج الناس من عبادة العبادة .. إلى عبادة رب العباد).. البند الثاني ( من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة..) والبند الثالث (من جور الأديان إلى عدل الإسلام..)
البند الأول .. ليس العبادة النمطية.. ركوع وسجود إنسان أمام أخيه الإنسان.. هذا معنى سطحي للعبادة.. بل مجرد صورة بصرية لحالة تعبد أخرى أكثر عمقاً.. دخل عدي بن حاتم وكان نصرانياً على النبي عليه الصلاة والسلام، وسمعه يقرأ قول الله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله..) . قال: يا رسول الله ما اتخذناهم أرباباً، لم نسجد لهم، قال: (ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فأطعتموهم؟ قال: بلى، قال: فذلك عبادتكم إياهم).
الرسول الكريم حدد العبادة الفكرية.. أن يرهن الإنسان عقله لغيره.. للدرجة التي يصبح هذا الغير الآمر الناه فيحرم هذا ويحل هذا.. فيطاع ..(فذلك عبادتكم إياهم).. إلغاء الإرادة و تفويضها للآخر..
البند الثاني ( من ضيق الدنيا... إلى سعة الدنيا والآخرة..) ليس الضيق المكاني الجغرافي.. بل عسف الإرادة الإنسانية وكبتها في أغلال التسلط ( ولعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها.. ولكن أخلاق الرجال تضيق..).. صورة الضيق في مقابل السعة رسمتها الآية ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لايؤمنون)
البند الثالث .. (من جور الأديان.. إلى عدل الإسلام..).. ليس هناك دين جائر بالمعني المباشر.. لكن هناك إنسان يستخدم الدين إستخداماً جائراً.. يجعل من الدين سلطاناً منزوع الفكر والعقل.. يحبس الناس في نصوص وطقوس .. ويمنع التفكير والتدبر..(الكلمات الدالة على الفكر وردت في القرآن 1048 مرة) .. أما عدل الإسلام.. فهو ليس مجرد قوانين نصية أو باللفظ.. هو العدل القائم على غايات حددها الإسلام.. أولها الحرية .. ولو في الإعتقاد.. (لا إكراه في الدين.. ) .. والخلاف في مفهوم الحرية بين الإسلام والمواثيق الغربية.. أن الحرية في الإسلام فرض وواجب.. وفي مواثيق الغرب مجرد حق من حقوق الإنسان..وشتان..
سلام على من أشرقت بمولده الإنسانية كلها.. (ولد الهدى فالكائنات ضياء .. وفم الزمان تبسم وسناء..)

الأحد، 8 مارس 2009

08 مارس 2009 - لا شكر على واجب

العمود التالي حظر من النشر بواسطة الرقابة الأمنية
لا شكر .. على واجب..

حسناُ.. هذا يكفي.. ولننصرف إلى العمل فالوقت قطاع كالسيف خاصة لأمة ضجر منه التراخي والملل.. وبعد ان قدم الشعب كل ماعنده للحكومة.. ماهو يا تري الجميل الذي يجب على الحكومة أن ترد به التحية بمثلها..
سراً وجهرا.. صمتاً أو صياحاً.. لم يقصر الشعب .. رغم أن ضلوعه تكتوي بنار لظي.. من العيش الصعب وتراكم الهموم فوق الهموم.. ماذا يا ترى في خاطر الحكومة لترد به الجميل لهذا الشعب الجميل..
أنا الذي أسأل نيابة عن الشعب – بعد أن اختفت هذه الزاوية ليومين متتاليين- ما هو الممكن الوفاء به لشعب تعالى على حاله و جراحه و ضرب المثل في العزة والشموخ والتعالي على الهوان.. ماذا في يد الحكومة لتقدمه للشعب..
لا نريد قوانين تعدل.. بكل أسماء القوانين التي درجت الأحزاب على المطالبة بتعديلها.. ولا نريد من مجلسنا النيابي أن يجهد نفسه في تدبر القوانين أو اصلاحها.. (كده ..رضا) .. وعلى رأي أخواننا المصريين (نبوس يدنا وش وضهر) .. لا نريد من أحد أن يشقي حاله بتعديل قانون مهما كان القانون..ولا نريد استهلاك مفردات اللغة العربية من طائفة ( القوانين التي تعيق التحول الديموقراطي..) ..
نريد شيئا واحداً.. فقط لا غير.. سيادة القانون الماثل أمامنا.. بلا تعديل أو تبديل.. أسألكم بالله .. هل تأذي أحدكم من قانون.. أي قانون .. أنظروا جيدا.. ما الذي يؤذيكم حقيقة.. القانون .. أم غياب القانون .. أي قانون..
سأضرب لكم مثلا واحد مفحماُ.. قانون الصحافة والطبوعات.. اتحداكم جميعا .. أن يثبت لي أحدكم أنه أوذي بهذا القانون .. أقصد الأذي الجسيم طبعا .. ولي الكدمات والجروح الطفيفة ..القانون (ود ناس.. ود حلال) لأنه لا أحد يكتب في القانون ما يحسب عليه .. دائما في أى قانون توضع الأمنيات الطيبة .. لكن تبقى المصيبة دائما في الممارسة خلف الشباك.. من وراء ظهر القانون

الجمعة، 6 مارس 2009

6 مارس 2009 - لماذا .. ولماذا .. ولماذا

هذا العمود حجب بواسطة الرقابة الأمنية ..
لماذا .. ولماذا .. ولماذا ؟

بعض الأشياء لا يسعفني عقلي في فهمها.. مثلاً.. أمس الأول بقاعة الصداقة.. في المؤتمر الصحفي الذي تحدث في الأستاذ على عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية.. وهو رجل مفوه وخطيب بارع.. كما تقول ورقة الدعاية الإنتخابية لقائمة مرشحي الاتجاه الإسلامي لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1970.. التي أهداها لي قبل أيام قلائل أحد الأصدقاء من باب التوثيق..
لاحظت أن الصفوف الأولى في القاعة بالكامل أحتلها دستوريون رسميون.. وزراء ومساعدون ومستشارون في القصر.. بينما جلس الصحفيون في ما تبقى من مقاعد خلفهم.. لم أستطع فهم السبب في ذلك.. هل جاء هؤلاء الرسميون هنا للإستماع إلى السيد نائب الرئيس لمعرفة الموقف الرسمي ؟؟ الذي يفترض أنهم كانوا جزءاً من مطبخه وصنع قراره.. أما جاؤوا مثلهم والصحفيون لمعرفة موقف الحكومة؟. أم جاؤوا للفرجة على النائب وهو يخاطب الإعلام؟. أم جاؤوا لأنه ليس لديهم ما يشغلهم في مكان آخر؟.
المؤتمرات الصحفية عادة..هي لقاء بين مسؤول ورجال الإعلام لشرح موقف أو قضية ثم للرد على أسئلة الإعلام.. وليس المقصود رجال إعلام في ذاتهم بل لأنهم ممثلون للجمهور والرأي العام.. ولمخاطبة الشعب من خلالهم والإجابة على أسئلة الجمهور من ثنايا أسئلة الصحفيين.. فلماذا يشغل الوزراء والدستورون المقاعد في قاعات المؤتمرات الصحفية.. بل ويشكلون حاجزا بين المسؤول والصحفيين .. فهم يحتلون المقاعد الأمامية الأقرب للمنصة.. هل إلى هذا الحد هم محرومون من مقابلة المسؤول الكبير.. فيغتنمون مثل هذه السوانح – مثلهم والصحفيين – لمقابلة المسؤول الكبير..
ولماذا – طالما هم ليسو المعنيين بالمؤتمر الصحفي- وليس لديهم أسئلة.. بل ليس متاحاً لهم توجيه أسئلة أو مداخلات خلال المؤتمر الصحفي.. وطالما أنهم مصريون على الحضور بلا داع .. لماذا لا يجلسون في الخلف ليتيحوا للصحفيين فرصة الإقتراب أكثر من المنصة؟. لماذا يصرون على الجلوس في المقاعد الأمامية ؟.طالما أنهم فقط هنا للفرجة وليس للإستنارة أو التنوير أو حتى مجرد تقديم الأسئلة..
أذكر في إحدى المرات في مؤتمر صحفي مشابه .. تحدث فيه الأستاذ على عثمان في قاعة بمجلس الوزراء.. فشل الصحفيون في الحصول على مقاعد للجلوس من كثرة الوزراء الذين أكتظت بهم القاعة ..التي كانت تضيق في ما تبقى من مساحة فيها بكاميرات الفضائيات .. بل وأذكر أن أحد الوزراء ورغم ضيق المكان والتزاحم .. أصر على أداء صلاة الظهر أثناء الجلسة وداخل القاعة..
أم أن الموضوع أصله وفصله..تسجيل موقف بالحضور .. ليس أمام الكاميرات فحسب.. بل أمام المسؤول الكبير..
والله أعلم ..!!

الخميس، 5 مارس 2009

5 مارس 2009 الحكمة ضالت المؤمن

الحكمة ضالت المؤمن ..!!

أخيراً.. أصدرت الغرفة التمهيدية رقم واحد .. في المحكمة الجنائية الدولية قرارها بالموافقة على مذكرة المدعي الدولي.. لويس مورينو اوكامبو .. من بين (10) ادعاءات.. وافقت المحكمة التمهيدية على توجيه التهم في (7) منها.. مستبعدة الإدعاءات المتعلقة بالإبادة الجماعية.. وبذا يدخل السودان في مرحلة جديدة "لنج"..
حتى وقت متأخر من ليلة أمس.. تبين إلى حد كبير أن التداعيات الأمنية المتوجس منها لم تحدث..الحال (عادي جداً) .. مواطنون كثيرون خالطهم إحساس بالقلق لدرجة أن الشوارع كانت شبه خالية لحظة انعقاد المؤتمر الصحفي للمحكمة الجنائية.. وبعض الأعمال والمحلات والمدارس (أخذتها من قصيرها) وأغلقت أبوابها منذ النهار وقبل ساعات طويلة من المؤتمر الصحفي.. وبينما تابع عدد كبير من الناس بأعين فاغرة تطورات الأوضاع عبر شاشات الفضائيات والاذاعات..
كان الأمل أن يكون ذلك هو كل ما (في جراب الحاوي) .. وتنتهي التطورات بانتهاء مراسم المؤتمر الصحفي في لاهاي..وينتهي مسلسل (قتلوك.. ولا جوك جوك..) لكن التداعيات السياسية ستظل تتدحرج بشكل مستمر .. فعلى المستوى الدبلوماسي ..ليس واضحاً ما إذا كانت دول الإتحاد الأوروبي - راعية المحكمة الجنائية الدولية – ستتخذ إجراءات إنسحابية في تعاملها الدبلوماسي.. كأن تتحاشى التعامل المباشر مع الحكومة السودانية أو تتمادى لدرجة إستدعاء ممثليها في الخرطوم.. أو توقف اتصالاتها الثنائية في كافة المستويات..
ورغم أن مثل هذه الإجراءات الدبلوماسية لن تؤثر على السودان بصورة مباشرة.. أكثر من كونها تمثل حرجاً بروتوكولياً للطرفين.. إلا أن الخوف أن تتمدد هذه الإجراءات إلى التعاملات الإقتصادية.. خاصة في بعض المجالات الحساسة .. واقتصادنا الذي يعاني من إنخفاض أسعار النفط.. وتتأرجح موازنته من شهرها الأول.. ليس في حاجة إلى مزيد من الصدمات المحبطة..
ليس أمامنا إلا واحد من طريقين.. أن نستمر في التعامل مع الأزمات بنفس النهج.. المسيرات والتظاهرات.. والخطاب الإنشائي..تتغير الصدمات ويبقى رد الفعل هو نفسه بلا تغيير.. أو ننتبه إلى أن علاجاً شاملاً مطلوباً لمواجهة ليس هذه المشكلة وحدها بل حلحلة الآت منها أيضاً.
هذا الحل سهل جداً.. وصحي – جداً- يكتنز عافية.. أن ندرك ان الحل هنا بالداخل.. تصحيح البيئة السياسية بما قوى من نسيجها والترفق بالخطاب السياسي الداخلي حتى لا تحتقن النفوس بالتغابن السياسي..
والعبارات التي سردتها في السطور السابقة .. ليست من باب التنظير والتجريد المفتوح .. بل هي روشتة محددة يمكن تطويرها بعناصرها الدقيقة.. لكن بكل أسف لا تشتهي سماعها بعض الآذان .. وعلى هذا تنطوي الحكمة..التي هي ضالت المؤمن.. أني وجدها فهو أحق الناس بها ..

الثلاثاء، 3 مارس 2009

4 فبراير 2009 - القرار

هذا العمود منع من النشر بواسطة الرقابة الأمنية..
القرار ..!!

ها قد أتى موعد الوعيد اليوم.. يفتر ض أن تصدر الغرفة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية قرارها حول مذكرة المدعي الدولي لويس لورينو أوكامبو.. فإذا كان القرار ناقضاً لمذكرة المدعي الدولي ومسدلاً الستار على أي تحقيقات أخرى في القضية.. فسيتحول الأمر كله إلى الأرشيف السياسي ..وتصبح القصة كلها مجرد تجربة مريرة حافلة بالعبر.. أما إذا أيدت القاضيات الثلاثة أي من التهم العشرة الموجهة للسيد رئيس الجمهورية..ووافقن على إستصدار أمر الإستدعاء.. فذلك يعني عملياً أن سودان ما بعد الأربعاء الأولى في مارس لن يكون كسودان ما قبلها..
التداعيات العملية التي ستنشأ من قرار المحكمة ربما لن تمس الشارع السوداني بصورة مباشرة.. بعبارة أخرى، ليس متوقعاً عقوبات إقتصادية أو غيرها من جانب مجلس الأمن .. لكن بالضرورة الوضع الدبلوماسي للسودان سيتأثر كثيراً بصورة تضيق مساحة حركة علاقاتنا الخارجية.. ومثل هذا الوضع قد يمكن احتماله والتعامل معه وتجاوزه إذا كان محدود الأمد.. لكن في مثل حالة المحكمة الجنائية فالمتوقع إستمرار المواجهة لزمن غير معلوم..
ولا نريد هنا البكاء على اللبن المسكوب.. والحديث عن الفرص الضائعة التي أودت إلى تآكل و تقاصر الخيارات أمام السودان .. لكن المطلوب الآن هو نظرة عقلانية على مستويين.. المستوى الأول القاعدي عند الشعب.. وإدارك أن الظرف يتطلب الآن منتهى الحكمة في الحركة والسكون.. فالسودان دولة محفوفة بكثير من الإستراتيجيات الإقليمية والدولية التي تجعله في مسار التقاطعات الحرجة.. ولو انفرط الإستقرار في مركز البلاد، فلربما تتحرك التداعيات بعد ذلك بصورة غير محسوبة أو متوقعة .. فتؤدي إلى واقع لن يكون ممكناً تدارك أهواله.. والواقع المقصود هنا ليس المشهد العام الذي ربما يعبر الناس عن أسفهم له وهم يتسامرون به في مجالسهم الخاصة.. بل الواقع المباشر الذي يمس المواطن والأسرة في عقر دارهم..
أما المستوى الثاني .. فهو الفوقي لدى الحكومة.. من الحكمة أن لا تبدو الحكومة في مواجهة مع أي أحد في الداخل.. مهما كانت بعض التصريحات حادة.. فالحدث غالب مفرداته في الخارج.. والإشارة بأي أصبع تحذير للداخل يجعل الأمر مربكاً للغاية ويستفز مشاعر متناقضة.. وقد يخلق إلتهابات داخلية لم تكن في الحسبان..
هناك كبسولات عديدة قابلة لحل هذه المعضلة.. ولتجاوز أمواج الجنائية الدولية.. لكن المشكلة أن بصيرة الفعل السياسي عندنا لا تزال مكبلة بمنهج تفكير إنطوائي.. لا يتفاعل مع النصيحة ولو صدقت.. ويحبذ الإنفراد بالرأي ولو أودى إلى الجحيم..
مع ذلك.. ليت ولعل وعسى.. تأتي لحظة يدرك البعض فيها أن الوطن.. أكبر من دائرة الإستبصار المغلقة بإحكام..

3 فبراير 2009 - رعشة الكف الخضيب

رعشة الكف الخضيب..!!

تسري رعشة الكهرباء اليوم في جوف سد مروي.. ليبدأ الإنتاج الفعلي للمشروع الذي بدأ التفكير فيه منذ الأربعينات من القرن الما ضي.. المشروع يفترض في وضعه النهائي أن يعمل بـ(10) تروبينات.. سعة كل واحدة منها (125) ميقا وات.. ليكون الاجمالي (1250) ميقاوات.. وهو رقم بالنسبة للسودان يفوق ضعفي ماهو متوفر من الكهرباء الآن..
ولأن التوليد في مروي ..مائي.. وهو أرخص وأنظف مصادر الطاقة الكهربائية..فالذي ينتظره الشعب الصابر.. لم يعد مجرد انتاج مزيد من الكهرباء فحسب.. بل مزيد من تخفيض فاتورتها .. وفي تقديري أن ذلك هو الهدف الذي إذا لم تستطعه الحكومة.. سيظل الانجاز الكبير .. مشفوعاً بنصف الرضاء الجماهيري..
والأمر بيد الحكومة.. في السابق – قبل تدشين كهرباء مروي- كانت الكهرباء في حكم النادر المحكوم بعوامل المتاح الممكن.. لكن بعد افتتاح مروي يجب .. وأكرر يجب .. تغيير مفهوم تعرفة الكهرباء من منطق الاستهلاك .. الى منطق القيمة المضافة للانتاج.. بعبارة أخرى أن تدرك الحكومة أن قيمة الكهرباء بالنسبة اليها ليس هي كلفة انتاجها .. بل المتوقع والعائد منها بعد استهلاكها..
المصنع – مثلا – الذي يستخدم الكهرباء لانتاج سلعة معينة.. قيمة ما يستهلكه من كهرباء ليس في ما تحسبه عدادات الكهرباء.. بل في الإنتاج من السلعة الخارجة من المصنع.. مثل هذا المفهوم يساعد على ابقاء فاتروة الكهرباء في حدها الأدنى.. ويدفع بعجلة الانتاج الى معدلات قياسية.. إذ أن تخفيض الكهرباء يعني تخفيض كلفة التصنيع والزراعة.. ويعني مزيدا من الازدهار الصناعي والزراعي وتوفير فرص عمل وتسريع النشاط التجاري.. ومردود كل ذلك على الحكومة وفيرا.. مباشرة بما تحققه من ضرائب ورسوم.. وغير مباشر بامتصاص طاقات الشباب في المشاريع ومنشآت الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي..
لا يجب على الحكومة أن تفترض أن فرحة تدشين الكهرباء تتسع على مد الإحتفالات التي تستمر لعام .. هذا مفهوم بسيط.. احساس الشعب بالمشروع الضخم يجب ان يأتي عبر أسلاك الكهرباء وأرقام عدادت الدفع المقدم.. وهذه هو المفهوم الحقيق لـ_محاربة الفقر) الذي قالت الحكومة أنه يتحقق بتدشين سد مروي..
ليت السيد رئيس الجمهورية يعلن اليوم في خطابه بمناسبة افتتاح كهرباء سد مروي تخفيضا ملموسا في تعريفة الكهرباء.. حتى تسري الرعشة .. (رعشة الكف الخضيب) الى قلوب الجماهير الصابرة المنتظرة لمثل هذ البشارات.. وحتى لا تغني الجماهير في سرها .. (في الليلة ديك..)

الأحد، 1 مارس 2009

1 مارس 2009 -عادي جدا


عادي.. جداً..!!

الناس هنا في بلدي ينتظرون يوم الأربعاء 4 مارس على أفغر فم.. ليس لأنهم يعلمون أو يتوقعون شيئاً محدداً.. بل لأنهم (لا) يعلمون أو يتوقعون شيئاً محدداً.. فالخطاب السياسي الرسمي –بعلم أو بغيره – رسم صورة شائكة لما بعد قرار الجنائية الدولية.. وصار المجهول أكثر ترويعاً من المعلوم.. والأدهى في الأمر أن مصل هذه الصورة لا تصيبن عدوا أو بعيدا بشيء.. هي فقط تكدر المواطن العادي وتحرمه حتى من متعة شقاء المعيشة اليومي..نتج عن حالة الـ(لا) إدراك هذه بعض الهلع الذي أنجب أفضل بيئة لتفريخ الشائعات.. خاصة تلك الشائعات التي يستثمرها البعض للمصالح الذاتية الخاصة.. وما أكثرها.. ووصلت (الخلعة) بالبعض لدرجة التفكير في تخزين المواد الغذائية.. والبعض نسج صورا خرافية لحال ملبد بالاثارة .. وأوهم الناس أن السلامة في الهرب إلى الخارج..ولكني من موقعي هذا.. الذي يحمل القلم – أي قلم – مسؤولية تثبيت الخواطر المرتاعة.. أطرح سؤال موضوعياً قصيراً لا يحتمل الإجابة المغلفة بالأوهام.. ما هو المتوقع أن يحدث في هذا اليوم الموعود؟؟أحسبها بأي منطق أو ظن.. ستجد أن (لا) شيء هي أفضل وأقرب الإجابات.. لسبب بسيط.. هو ان محكمة لاهاي هذه لن تفعل أكثر من اصدار قرارها.. وينتهي العزاء بانتهاء مراسم المؤتمر الصحفي الذي يعلن فيه القرار.. فليس هناك إجراءات تأديبية أو ملاحقات تجعل التحسب والتوجس مقبولاً.. ولو كانت أصل المحكمة تفعل أكثر من ذلك.. لفعلته في المرة السابقة التي أصدرت فيها ذات القرار تجاه اثنين من المطلوبين في السودان.. ومضت السنوات ولم يحدث شيء..من الأفضل أن نمارس حياتنا الطبيعية بكل سلاسة.. لأن الشائعات التي تطلق في الهواء الطلق لا تصيبن بالضرر في النهاية إلا غمار الناس الذين ترتبك حياتهم بكل مرارة كلما تعكرت الأجواء السياسية في السودان.. وأفضل طريقة لهزيمة هذه الشائعات المرعبة هو ضخ أكبر قدر من الطمأنينة وإفراغ الظنون والمحاذير من مفعولها الخطير.. اذهب الى عملك.. أو بيتك بكل طمانينة.. في تلك -الأربعاء وبداية شهر- الموعودة.. فلن يحدث شيء.. ولو حدث شيء فهو من فعل الإمعان في التوجس والترقب.. صحيح قد تستقبل الشوارع مظاهرات ومسيرات.. لكنها لن تقترب من محاذير السلامة العامة.. وشهدت العاصمة كثيرا منها ولم يحدث ما يعكر صفو الحياة الطبيعية.. ثم إني أسألكم بكل صراحة.. مم تخشون أكثر مما أنتم فيه..اطمئنوا.. ومارسوا حياتكم القاسية بكل ضجر.. لكن بلا ذعر.