الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

30 سبتمبر 2008 - حالة تمدد .!!

حالة تمدد ..!!

مع إشراقة طقوس العيد.. ينكمش المجتمع السوداني ويتمدد في طرفين متوازين.. يتمدد في سعة التسامح الاجتماعي وأفق التلاقي والتصافي النفسي.. داخل الأسرة وخارجها.. وينكمش في إحساسه بالوطن.. وإلفة الإنتماء إليه..
هذه الحالة – تزامن الإنكماش مع التمدد - ينتج عنها انفصام في الشخصية الوطنية السودانية.. فيبدو الإنسان السوداني منفتحاً ولوفاً منسجماً في آن.. وكاسحاً في غضبه متضجراً منفعلاً سريع الإشتعال في ذات الآن..
يحتضن السوداني جاره في حرارة.. ويصافح كل من يقابله يوم العيد بإلفة مطرزة بالكلمات الطيبات التي تدعو للمحبة والسلام.. لكن ذات هذا الإنسان مفعم في دواخله بحالة تنافر طاغية لكثير من مفردات الإنتماء الوطني .. مثلاً.. متضجر من حاله التي يعيشها تحت كنف أى سلطة.. من سلطة الحي إلى سلطة المحلية إلى سلطة الولاية إلى سلطة الحكومة الإتحادية.. ويزفر من أنفاسه ما يؤكد دائماً أنه تحت كل هذه السلطات بـ"وضع اليد".. يد الأقوى في يد الأضعف.. وأن ليس للضعيف إلا الخضوع أو التمرد.. وأن العلاقة مع "الوطن" علاقة اضطرار.. قدر محتوم الهرب منه أمل وطموح.. إلى أي مكان ولو كانت "إسرائيل"..
لماذا لا نطور حالة إنسان سوداني منسجم في مساريه.. الخاص والعام.. قادر على الإحساس بحالة كونه "سوداني" مرتبط بوطن وبلد بنفس عنفوان إحساسه بالعائلة والأسرة وربما القبيلة..؟؟
ذلك أمر يتطلب خطاب وطني جديد.. يدرك كيف يصنع الإنسجام النفسي للمواطن في وطنه.. خطاب ليس كله بمفردات شفهية مبثوثة في الهواء الطلق.. بل غالبه بسلوك ومنهج تفكير حصيف..
وحتى لا يبدو الأمر في نظر القاريء "تنظير" وأفكار ليس لها ساقين تمشي بها في الحياة.. سأضرب مثلا واحداً عملياً..!!
الخدمة المدنية .. هي في المفهوم الأشمل.. علاقة رأسية بين المواطن والدولة.. سواء كان المواطن موظفاً في سلكها أو كان متعاملاً مع خدماتها.. هذه الخدمة تحتاج لإعادة صياغة في مسارين.. الأول في هياكلها ومضمونها يحررها تماماً من حالة "تابع بمتبوع" .. عبد بسيد.. إلى حالة تفاعل مشتركة محكومة بمرجعية قانونية محايدة تتكافيء تحتها القوى الإدارية.. والثاني .. قيمة المواطن في نظر الخدمة المدنية.. أنه المالك المخدم لا المملوك الخادم..
"تحرير الخدمة المدنية" .. وتحييدها من مؤثرات سطوة السلطة..هو أول بند في الخطاب العام لإصلاح الذات الوطنية في ضمير المواطن..والتحرير ليس مجرد شكليات بروتكولية أو أُطر لائحية باردة.. هو منهج تفكير يفترض أن الإنسان قيمة حضارية ..أشبه بالمفاعل النووي.. يحتاج إلى أجهزة طرد مركزية لتخصيب وجدانه لتنطق منه الطاقة الـ(لا) محدودة ..
بدلاً من سودان جديد.. مطلوب إنسان سوداني جديد..!!

29 سبتمبر 2008 - ليسوا (جوكية) ..!!

ليسوا .. (جوكية)..!!

نشرت الصحف في الأسابيع الماضية خبراً عن القاء القبض على بعض رجال الأعمال .. طائفة من الذين أٌعسروا في رد تمويلات البنوك.. واستخدمت الصحف مصطلح (الجوكيه) للإشارة اليهم.. وهو تعميم مخل – جداً – إذ أن المصطلح يعني (المحتال) الذي يستخدم التجارة والأعمال غطاء للنصب والإحتيال..
وليس عصياً إدراك أن رجال الأعمال الذي طالتهم اجراءات البنك المركزي ليسوا جميعاً سواء.. فهم كانوا يمارسون أعمالاً ونشاطات مختلفة.. لم يربط بينها سوى تعثرها.. وإن كان هناك من تستر وراء التجارة وأولغ في أموال البنوك.. فلا يمكن تعميم القضية ووضعها تحت طائلة الإحتيال بصفة مجملة..بعض هؤلاء التجار وربما يكون غالبهم.. كانوا جادين في أعمالهم ومارسوا نشاطاً معروفاً ومكشوفاً على الملأ.. لكنهم جراء سياسات رسمية أو تقاعس الحكومة عن سداد مستحقاتهم ربما اُضيروا وتنكبت بهم السبل.. وليس كل التجارة فوز وأرباح .. ورأينا كيف انهارت الشركات العملاقة والبنوك في أمريكا.. فلم تقصفها الحكومة بل مارست أكبر ماراثون انقاذ اقتصادي في التاريخ ورصدت (700) مليار دولار من أموال دافعي الضرائب.. ليس لانقاذ أفراد وشركات بالمعني الضيق بل لأن الاقتصاد منظومة متكاملة اذا انهار جزء منها تداعي له باقي الجسد بالتهاوي والانهيار.. وكل رجل أعمال – أيا كان – لا يمثل نفسه وأسرته .. بل مئات وربما آلاف الأسر التي تعمل في منظومة أعماله وتقات رزقها من ماكينة حركته الاقتصادية..
أدرك أن البنك المركزي حفيظ على أموال المودعين الذين ليس لهم قدرة على التدخل في يومات عمل البنوك.. وهي امانة في عنق المركزي.. لكن القضية هنا أوسع كثيرا من أن تقصر على رجال الأعمال وحدهم..ولا يجب ان تظهر في بساطة مشهد (بطل ضد الخونة) كما في الأفلام.. فيلقي البطل القبض على الخونة ويزج بهم خلف القضبان .. فالأموال التي أخذت من البنوك لم تدفع تحت تهديد السلاح.. بل مارست الخروج الرسمي العلني تحت كنف النظام المصرفي .. وأى مخالفات في العملية لا يمكن تصور ان تكون حصيلة عمائل طرف واحد.. هو رجال الأعمال .. فهي أضلاع تشمل ادارات وموظفي البنوك.. ثم البنك المركزي نفسه.. فالدولة بسياساتها وبيئة العمل فيها..
الأجدر أن تعامل هذه القضية بصورة كل نفس بما كسبت رهينة.. فالذي راهن على غفلة البنوك ورتع في اموال موديعها بنية الجاه والثراء السريع .. سهل – جدا - اكتشافه والتعامل معه على قدر جريرته.. لكن الذي عمل واجتهد ومارس أعمالا حقيقية بائنة للعيان.. وسكب فيها كل خبرته وعرقه وفكره وجهده.. فهذا أولى أن تترفق الدولة به وتبحث عن علاج يقيل عثرته ويرجعه مرة أخرى الى أعماله ..
وليت الزملاء في الصحافة ..لا يتعجلون التقاط المصطلحات وتعميمها.. ففي ذلك ضرر بليغ ليس على رجال الأعمال وحدهم واسرهم ..بل على أعمالهم نفسها التي يرتبط بها آلاف من الأسر السودانية..

الاثنين، 29 سبتمبر 2008

قضية خطيرة جداً ..!!


قضية خطيرة ..جداًَ..!!


استطلاع الرأى الذي أجريته خلال الأسبوع الماضي يكشف عن أزمة حقيقية.. كان السؤال :
هل توافق على اجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس ؟
وجاءت نتيجة الاستطلاع كالتالي :
عدد الذين شاركوا في الاستطلاع (169)..
· الذين قالوا (لا أوافق ) – عددهم 83) ) بنسبة (49%)
· الذين قالوا (أوافق) - عددهم (86) بنسبة (50%)
وهذه النسبة تكاد تتطابق مع نتيجة استطلاع أجرته صحيفة (السوداني) بسؤال قريب الشبه بسؤال الاستطلاع في المدونة..
ورغم أن الشريحة المستطلعة هنا ليست (عشوائية علمية) بالصورة المتعارف عليها في استطلاعات الرأى.. إلا أن الاستطلاع يكشف عن أمر خطير للغاية.. لا يمكن التعامل معه بالعواطف بل يحتاج الى معالجة حصيفة..
هذا الاستطلاع يكشف أن نصف الشعب السوداني ربما يوافق على الاجراءات الجنائية ضد رئيسه وقائد قواته المسلحة.. وهو أمر في تقديري مؤسف ويعكس خطأ كبيراً في فهم هذه القضية..
لكن علاجه ليس بكبت الحديث عن هذه الحقيقة المؤلمة بل بالبحث في منهج التعامل معها بصورة تصحح الفهم الوطني لمثل هذه القضايا المصيرية..
الخطاب السياسي الرسمي ربما هو المسئول عن مثل هذه النتيجة.. أن يصبح نصف الشعب في اتفاق مع تفويض جهة أجنبية لمحاكمة رئيسه وقائد جيشه.. بكل ما يمثل ذلك من معنى خطير واهدار كامل لكرامة وطن وشعب هو الأولى بأن يحاسب رئيسه وحكومته.. وفعلها أكثر من مرة في الماضي..
أين الخلل بالضبط ؟؟ سأقول لكم ذلك في المقال القادم باذن الله..

الأحد، 28 سبتمبر 2008

28 سبتمبر 2008 - نجوم .. وغيوم ..!!

نجوم .. وغيوم ..!!

بعد خمسين عاماً.. من الآن.. أى في تخوم (2060).. عندما يصبح كل هذا الذي نعيشه الأى في كنف التاريخ.. ومحاضرات يدرسها الطلاب في الجامعات ودروساُ لتلاميذ التعليم العام.. ترى من يذكره تاريخنا ويظل جذوة مضيئة رغم انطفاء العمر والأيام..
في تقديري.. لن يذكر التاريخ من أيامنا هذه سوى رجلين.. الدكتور حسن الترابي.. والسيد الإمام الصادق المهدي.. لماذا ؟ سأقول لكم..
مفردات الأحداث التي نعيشها في حاضرنا تنقسم الى اثنتين..الأولى أحداث يصنعها الرجال.. ورجال تصنعهم الأحداث.. والثانية رجال يصنعون الحاضر ويرسمون خيوط المستقبل..
ولتقريب الفكرة.. لنأخذ بعض الشخصبات المعروفة التي أسهمت في التاريخ الإنساني العربي.. الزعيم جمال عبد الناصر – الرئيس أنور السادات.. الشيخ حسن البنا.. مثلاً
جمال عبد الناصر رجل صنع الأحداث.. بتاريخ مكتظ بالتجارب والنوازل الجسام امتد من الخمسينات حتى مثل هذا اليوم (29 سبتمبر) في العام 1970.. وطويت صفحته وظل صدى رنين ذكراه قوياً بعد رحيله لعدة سنوات ثم شيئاً فشيئاً ينحسر عنه الضياء إلى أن أصبح في الحاضر مجرد إسم محطة لمترو الأنفاق في القاهرة..
وكذلك الرئيس أنور السادات.. هو رجل صنعته الأحداث.. إذ جاء خليفة لجمال وأنجز نصراً عسكرياً مستحقاً عن جدارة ثم طُويت صفحته في ساحة العرض العسكري برصاص جنوده..فامتد صدى ذكراه بضع شهور بعده ثم أشرق على مصر عهد جديد.. وتحول السادات إلى إسم لمحطة مترو الأنفاق وضريح من معالم القاهرة في موقع العرض العسكري الكارثة..
لكن الشيخ حسن البنا.. الذي لم يدخل قصر الرئاسة ولا حتى نال شرف أن يكون وزيراً أو وكيل وزارة أسس فكرة.. مجرد فكرة.. لجماعة تعتمد على مرجعية إسلامية في نشاطها السياسي.. ولم يؤلف سوى كتب قليلة بعضها كتيبات صغيرة الحجم (المأثورات) .. لكنه أنضج رؤية وفكرة.. ارتجت لها أركان العالم الإسلامي حتى صارت اليوم (شركة قابضة) ضخمة لها مختلف الفروع والأشكال والمدارس.. من مدرسة الإعتدال الهاديء كما هو في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى مدرسة اسامة بن لادن الشاهرة للسيف في كل الدنيا.. كلها خرجت من جرة الشيخ حسن البنا.. فطوى التاريخ صفحات الزعماء الذين دانت لهم الرقاب.. بينما ظل حسن البنا في كل مكان وزمان يمتد عبر البلاد والحقب..ولن يموت.. طالما الفكرة حية..
هنا في السودان.. حسن الترابي ليس مجرد رئيس حزب أو جماعة بل صاحب امتياز فكرة اخترق بها تاريخ السودان.. وليس متاحاً انسحاب دوره حتى ولو انسحب هو عن الحياة (بعد عمر طويل بالصالحات).. وكذلك الصادق المهدي.. أثرى الحياة السودانية بفكره أكثر من حكمه وحزبه.. فهو باقي على مدى اشعاع هذا الفكر..
وكل ماهو غير ذلك.. رجال صنعتهم الأحداث أو أحداث صنعها الرجال.. تمضي وتنطفيء بمجرد زوال الملك .. أو الجسد ..!!

السبت، 27 سبتمبر 2008

27 سبتمبر 2008 - سودنة الحل


سودنة الحل ..!!

الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ألقى مساء أمس الأول خطاب السودان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة إنعقادها رقم (63).. وحاول في خطابه أن يفك عن عنق السودان الحبال التي خلقتها إجراءات محكمة الجنايات الدولية..وقبل وبعد الخطاب يباشر لقاءات متواترة مع كبار الشخصيات التي وفدت إلى الأمم المتحدة.. في نشاط متواصل لذات الهدف..
وكما سبق ورددت هنا كثيراً.. أن خطاب الحكومة الخارجي يغفل عن حقيقة مهمة وحتمية هي أن المجتمع الدولي لا يتحرك ضد السودان بآليات مصنوعة في الخارج.. كل الفرضيات التي بنيت عليها قرارات مجلس الأمن ضد السودان.. حتى قبل حرب دارفور.. ظلت تتخذ من الأوضاع الداخلية حيثيات اتهام متواصل.. وكان الاولى أن تهتم وتركز الحكومة في السودان على ازالة مثل هذه الحيثيات..
وقلتُ لكم قبل عدة سنوات في هذا العمود.. أن أحد أكبر أخطاء الحكومة أن تعتبر ملف حقوق الانسان هو من صميم واجبات وزارة الخارجية .. تصارعه في جنيف ونيويورك.. وتخوض فيه جولات مع سيما سمر وغيرها.. بينما الأولى أن يكون الملف في كنف وزارة الداخلية .. مسألة داخلية محضة تعالج في الداخل لا الخارج..
ومن حسن الحظ.. أن قضايا السودان الداخلية ليست مستعصية.. كلها في اليد ويمكن التعامل معها وتفكيكها بكل يسر وسهولة .. فقط اذا توفرت الارادة السياسية الصادقة التي تدرك الأهداف الكلية لبناء وادارة الوطن.. ولا تستغرق في حالة التلاشي في الذات.. وافتراض حالة ( فلا هطلت على ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلاد) .. لكن بكل أسف هذا السهل الميسور يبدو أحياناً في نظر الحكومة بينه بحور..
وفي خطاب السيد نائب الرئيس في الجمعية العامة.. قال الأستاذ علي عثمان (كما أن تحرك المدعي العام يهدف أيضاً للتأثير سلباً على الإنتخابات المقررة عام 2009 والتى تدخل البلاد بمقتضاها مرحلة جديدة من السلام والتحول الديموقراطي)
وفي هذه العبارة اشارة وتلميح إلى أن استمرار المحكمة الجنائية الدولية في تدابيرها ربما يؤدي إلى التأثير على الإنتخابات في العام القادم.. ولا أعلم هل يقصد السيد نائب الرئيس إلغاء الإنتخابات كلياً.. أم تأجيلها أم التشويش فقط على أجوائها وتوتيرها بصورة تجعل الإنتخابات نفسها بدلاً من أن تكون واحدة من أدوات الحل.. تصبح مشكلة جديدة وتفتح باباً إلى متاهة وطنية جديدة..
ليت الحكومة لا تضيع أكثر مما أضاعت من الوقت.. في محاولات الخروج من الأزمة.. فالطريق واضحٌ جداً.. وسهلٌ جداً.. لكنه هنا في الخرطوم .. وليس في نيويورك أو أي عاصمة أجنبية أخرى.. أعرف وأدرك .. أن عباقرة الحكومة يحتكرون الحكمة وليس من سبيل لافهامهم النصح.. لكن سيستبينوا النصح ضحى الغد .. وأليس الصبح بقريب..!!

الخميس، 25 سبتمبر 2008

25 سبتمبر 2008 - أستاذ الرصانة الصحفية ..


أستاذ الرصانة الصحفية ..!!

الأستاذ محمد الحسن أحمد.. صاحب "الأضواء".. و أحد رواد الصحافة السودانية.. من مدرسة الموضوعية والكلمة الرصينة.. إشتهر بتحليلاته السياسية البصيرة.. ولم يُعهد في قلمه أبداً الكلمة الوعرة أو جفاف العبارة..
خلال سنوات العهد الحزبي الأخير وكان رئيساً لتحرير صحيفة الأضواء.. يعمل معه جنباً إلى جنب أستاذي الراحل محمد سعيد معروف.. كان القراء ينتظرون مقاله الراتب لينظروا من ثناياه إلى المشهد السياسي و حال الوطن. وكان محمد الحسن أحمد في موقع وسط.. يسمح له أن ينظر بلا تلوين لمجمل المشهد فيقدم صورة حقيقية للوضع الراهن..وعندما جاءت الإنقاذ في فجر 30 يونيو 1989.. حاول أن يواصل نشاطه الصحفي وكتاباته الرصينة.. لكن تلك الأيام لم تكن تحتمل الموضوعية والكلمة المنطلقة بلا قيود.. أحس بأن الوضع قد يحتمله يوماً، ثلاثة.. ربما اسبوعاً.. أسبوعين لكن بكل يقين ليس أكثر من ذلك.. فحمل كل مايملك .. وخرج من السودان في آخر رمق من آخر فرصة متاحة..
هاجر إلى لندن وأقام فيها.. وأدرك أن مابينه ووطنه ليس بحوراً وفيافي ..بل فضاء مستحيل الاختراق.. منفيٌ عن وطنه يستعصم بالغربة رغم طعهما المر وخنجر أنيابها المغروس بين الضلوع..عاد قبل سنوات قليلة.. عودة اعتراضية قصيرة.. وأصبح يزور وطنه كلما سنحت فرصة الزيارة.. ثم رجع في المرة الأخيرة إلى لندن.. ولم يكن في إمكانه أن يعاود الزيارة بعد أن تكالب عليه المرض فأقعده.. حتى أخيراً صباح أمس اختاره الله إلى جواره راضياً مرضياً..
رغم أنه كان واضح المعالم في أفكاره ومقالاته التي يكتبها بكل رجاحة ضمير.. الا أنه كان رجلاً بلا أعداء.. لأنه كاتب (يلعب على الكرة ولا يلعب على جسم الخصم أبدأ).. Objective not subjective .. كان سهلاً أن تغضب كتاباته من تغضب.. لكن لم يكن أبداً ممكنا أن نخلق حالة (لا) احترام.. فهو محترم في كل كلمة وفكرة يكتبها مهما كانت صادمة أو ناقدة.. تلك مدرسة أشهد الله أنها كان مُعلماً فيها.
كنتُ أحرص في كل زيارة إلى لندن أن أزوره أو أضعف الإيمان أن اتصل به هاتفياً.. وكان دائماً يستلهم روح الأستاذ فيبدي ملاحظاته على ما أكتب.. بأسلوبه الرقيق الصافي.. وكنت أحس نحوه بحبٍ كبيرٍ.. لأنه يتحدث ويكتب بصدق .. نادر ..تمنيتُ أن لو أقام في وطنه يغذي ويرفل أجيال الصحافة بخبرته .. صحيح ما كان ممكناً تغيير التأريخ.. لكن ألم يك ممكناً أن تتحمل بلادنا القلم الصادق.. فلا تركله إلى المنافي ..!! فعندما يضطر من هو في حصافة محمد الحسن أحمد أن يهجر وطنه خائفاً يترقب.. ألا يحق للوطن كله أن يبكيه بكل ألم وحسرة وحرقة وألم .. عندما يعود إليه بالروح وحدها تحلق بعيداً عن الجسد..!!
اللهم أرحم محمد الحسن أحمد.. لا بقدر ما قدم لبلده كما يردد كثير من الناس .. بل بقدر رحمتك التي وسعت كل شيء..بالله عليكم أقرؤا الفاتحة على روحه الطاهرة المكرمة..

24 سبتمبر 2008 - قارئة الفنجان


قارئة الفنجان


يا شعب الله المحتار.. أأيقاظ أميةٌ أم نيام .. أليس فيكم رجل رشيد .. أليس لديكم قارئة فنجان .. تقرأ الحظ كما قرأه شاعرنا نزار قباني في رائعته الشهيرة التي غناها عبد الحليم حافظعلى كل حال.. (ستذكرون قولي..) ..وتستبينوا النصح ضحى الغد ..يقول نزار قباني :
جَلَسَت والخوفُ بعينيها تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
قالت: يا ولدي.. لا تَحزَن فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب
يا ولدي، قد ماتَ شهيداً من ماتَ على دينِ المحبوب
فنجانك دنيا مرعبةٌ وحياتُكَ أسفارٌ وحروب..
ستُحِبُّ كثيراً يا ولدي.. وتموتُ كثيراً يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض.. وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
بحياتك يا ولدي امرأةٌ عيناها، سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى و ورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ.. وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ.. من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها.. من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها.. يا ولدي.. مفقودٌ.. مفقود
بصَّرتُ.. ونجَّمت كثيراً لكنّي.. لم أقرأ أبداً فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي.. أحزاناً تشبهُ أحزانك مقدُورُكَ..
أن تمشي أبداً في الحُبِّ ..
على حدِّ الخنجر وتَظلَّ وحيداً كالأصداف وتظلَّ حزيناً كالصفصاف
مقدوركَ أن تمضي أبداً..
في بحرِ الحُبِّ بغيرِ قُلوع وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ... وترجعُ كالملكِ المخلوع..

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2008

23 سبتمبر 2008 - النار في دارك شبت !!

النار في دارك شبت !!
ذكرت لكم قبل يومين أنه بحمد الله كتاب "حديث المدينة" الجزء الاول في طريقه الى المكتبات باذن الله بعد عيد الفطر.. وخطر في بالي فكرة ربما تجد القبول لديكم.. لماذا لا نجعل الفكرة تثمر أكثر فنجعل ريع بيع الكتاب لعمل يرتد مرة أخرى لصانعيه.. القراء.. والمجتمع بأكمله.. نجعل ما يدفعه قاريء الكتاب تبرعا خالصا لوجه الله يذهب الى بعض الأعمال الخيرية التي نتفق عليها..أتوقع أن تكون الفكرة جاذبة ( على وزن الوحدة الجاذبة) .. فإذا كان الأمر كذلك .. فأسمحوا لي بمزيد من التفصيل..من وحي حديث المدينة .. بالتحديد قبل حوالى خمس سنوات .. في عمود عن حادثة طالبة جامعية .. زكان عنوانه (النار في دارك شبت) يتحدث عن قصة طالبة وضعت مولودا في حمام داخلية البنات تفتقت فكرة تأسيس منظمة خيرية.. وفعلا بتوفيق الله تأسست (منظمة الرأى العام الخيرية).. ونجحت في تمديد هبات المحسنين الى محتاجين في مختلف المجالات لا سبيل لحصرها أمامكم اليوم..ورغم أن منظمة الرأى العام الخيرية التي ولدت من رحم قضية تتعلق بالأمن الاجتماعي لمجتمعنا السوداني..الاانها انتشرت في مختلف المجالات بعد ذلك حسب حاجة المجتمع والمعوزين ودعونا نستهدف لحملة التبرعات هذه القضية الاصل التي تأسست عليعا منظمة الرأي العام الخيرية ولنختار بالتحديد قضية الاطفال مجهولي الابوين اللقطاء الذين تعج بهم دار المايقوما .سأتكفل شخصيا بنفقات طباعة الكتاب ليذهب مباشرة كل مايدفعه القراء لشراء الكتاب الى هؤلاء الأطفال الذين خرجو الى العالم فاقدين لصلة الرحم (مقطوعين من شجره) ولن نحدد قيمة لثمن النسخة من شاء ان يدفع فيها جنيها ومن شاء فاليدفع مليون فهي اسهم شراكة في الخير ينال صاحبها بقدر مايقدم لنفسه من بذل وعطاء.الأخ عوض الكريم المدير التنفيذي لمؤسسة الرأي العام الخيرية سيتولى تنسيق كل شيئ بما في ذلك ارسال كشف حساب بما يجمع من اموال ثم أوجه صرفها ويرسل ذلك لغالبية المتبرعين وهو على كل حال يسعد باستفساراتكم وتوجيهاتكم واقتراحاتكم .لايهم كثيرا قيمة المبلغ الذي يدفعه المتبرع مهما كان صغيرا فان تراكمه مع مايجود به الاخرين يصبح عظيما قادر على تغيير الواقع .. الواقع الذي لايمكن تغييره الا بأيدينا نحن فاالأمن الاجتماعي قيمة لاغنى لأحد منا عنها والنار التي تندلع في اخلاق المجتمع لاتفرق بين طالح وصالح فكل قرش ندفعه يدفع عنا الأذى يحمينا ويسترنا ويغطي عوراتنا . رقم هاتف الأخ عوض الكريم المدير التنفيذي لمؤسسة الرأي العام الخيرية 0912122134.مارأيكم في الفكره.. الموافقون يقولون نعم .. النتيجة اجماع كامل .. ونشكركم مقدما.

الاثنين، 22 سبتمبر 2008

22 سبتمبر 2008 - (دين العرب) ..!!

دين العرب..!!

في عموده المقروء بصحيفة السوداني .. كتب الأستاذ قير تور يروي كواليس مابعد اشهاره الاسلام.. وردود الفعل من حوله في نطاق الٍأسرة والعائلة ثم الأصدقاء فالدائرة الأكبر.. ولفت نظري في سرده رد فعل أحد اصدقائه الذي اتصل به هاتفيا وسأله عن حقيقة اسلامه فلما أكد له "قير" النبأ.. رد عليه صديقه (يعني دخلت في دين العرب) ..!!
رواية "قير" اعادت إلى ذاكرتي مقال كتبه الدكتور لام أكول وزير الخارجية السابق.. ونشرته صحيفة الأهرام المصرية.. يقول لام أكول أنه ليس للجنوب مشكلة مع الإسلام.. لكن الإسلام يستخدم ذريعة لفرض "الثقافة العربية" بديلا للثقافة المحلية الأفريقية..
يخطيء الكثيرون في ربطهم بين الاسلام والعروبة.. للدرجة التي يفترض فيها البعض أن أول مايجب أن يفعله من يدخل الاسلام أن يغير اسمه العجمي الى عربي.. فإذا أسلم أوروبي اسمه جون.. طالبوه بتغيير اسمه الى محمد أو على أو غير ذلك.. فينشأ أحساس باطني أن العروبة تفرض نفسها ثقافة سائدة بديلة لكل ثقافات الشعوب الأخرى.. بينما جوهر الاسلام رسالة أممية لكل الناس بمختلف ألوانه وألسنتهم وأعراقهم وأكد على ذلك أكثر من آية وحديث نبوي شريف..
ولمست ذلك بنفسي في زيارتي العام الماضي إلى بريطانيا بدعوة من وزارة الخارجية البريطانية للتعرف على المشهد الاسلامي في بريطانيا .. في مقابلاتنا الكثيرة مع المجتمعات المسلمة في بريطانيا لفت نظري أن غالبية المسلمين من الأصول الآسيوية والشرق أوسطية نقلوا معهم ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وحاولوا ان يجعلوها جزءاً لا يتجزأ من حرم الدين نفسه.. وفي أكثر من لقاء كنت أقول لهم أن الاسلام لن يستوى عوده في أوروبا الا بعد أن يندفع به جيل (أوروبي) صميم .. لم ير في حياته باكستان ولا الهند ولا الشرق الأوسط.. سواء كان هذا الجيل من المتحولين الى الاسلام من الأصول الأوربية الصرفة .. أو من الأجيال اللاحقة من الجاليات العربية والاسيوية .. الأجيال التي تُولد وتتربى وتنشأ في بريطانيا وتكتسب تجاربها وخيالها وتفكيرها من البيئة هناك.. وليس من بنات أفكار الواقع العربي والاسلامي في شرقنا..
وفي السودان.. يجب الإقرار أن أحد أهم عوامل الشقاق بين الشمال والجنوب .. أن الشمال يطلي اسلامه بالعروبة.. ويسوق الثقافة العربية في ثياب الدين.. بصورة أقرب الى سياسة (خذه كله أو أتركه كله) .. فيجعل الشعوب التي ترتبط بثقافات أخرى في حد فاصل بين أن تأخذ الإسلام بكامل عنفوان ثقافتها .. او تفشل في التخلص من ثقافاتها. . فتفشل في الدخول الى الإسلام..
من الحكمة أن نجرد الإسلام من كونه (دين العرب) على حد قول صديق الاستاذ "قيرتور".. فالإسلام رسالة سماوية أممية لا تشترط لساناً ولا اسماً عربياً.. والنبي صلى الله عليه وسلم سانده ودعمه سلمان الفارسي وبلال الحبشي.. بل وطلب المسلمون اللجوء السياسي عن الملك النجاشي ملك الحبشة.. هرباً من اضطهاد العرب في قريش لهم ..

السبت، 20 سبتمبر 2008

20 سبتمبر 2008 - منو العو(اسر).. Al Awad Airways


منو العوض(اير)..Awad airways!!

بالله عليكم ألتمس منكم بعض العون .. مساعدتي لفهم قضية أعياني تفسيرها.. مساء أمس الجمعة.. كنت في مطار الخرطوم لوداع مسافرين معتمرين الى مكة.. على الخطوط الجوية السودانية.. وهو ليس اختيارهم بل الأمر الواقع الذي ليس عليهم تجنبه..
الطريقة التي تباشر بها "السودانية" إجراءات الركاب في (كاونتر) المغادرة ..لم أر مثلها حتى في الميناء البري في حافلات السفر.. وليس ذلك مفاجأة.. لكن الذي أدهشني لدرجة الإبهار.. أن السودانية تتحدث عن (تذاكر سفر إلكترونية)..وقبل أيام جاءني في مكتبي صديق مغترب .. طبيب في المدينة المنورة.. شاء حظه العاثر أن يفشل في العثور على حجر بالخطوط السعودية التي يحمل تذاكرها.. فلجأ اضطراراً إلى "السودانية".. فأعطوه تذكرة ليس عليها أي بيانات.. وعندما ثار وألح أن يكتب عليها الحجز الذي منحوه له شفاهة.. كتبت الموظفة على ظهر التذكرة بقلم الحبر عبارة (الحضور إلى المطار في الساعة..) وفشلت في اثبات الحجز بمرجع أو رقم رحلة او أى معلومة أخرى.. واكتشف صديقي الطبيب سر الأمر عندما ذهب إلى المطار ورجع .. ثم ذهب .. ورجع.. ولم يسافر إلا في المحاولة الثالثة ..بعد ثلاثة أيام..
الذي أفهمه أن تواجه "السودانية" تعقيدات الإستثمار في طائرات حديثة.. وأن ينام ركابها في صالات المطارات في انتظارها ليال وليال.. وأن تحترق لها طائرة "ايربص" في مدرج مطار الخرطوم.. فيقول تقرير الشركة المصنعة للطائرة أنها كانت تعاني من أعطال فنية.. وأن يتضح أن الإستثمار الأجنبي فيها لم يغير من حالها شيئاً.. لكن الذي لا أفهمه مطلقاً أن تصبح مجرد عملية الحجز واصدار تذاكر السفر ثم إدخال الركاب إلى الطائرة معضلة.. تتعامل معها الشركة في العام 2008 بكفاءة أقل كثيراً مما كانت تفعل نفس الشركة في الخمسينات .. في طائرات "الداكوتا" ..
لماذا تقهر بلادنا سنن الطبيعة فتبدو كما لو تسير عكس حركة التاريخ .. بالدارجي السوداني (خلف) .. وبالدارجي الخليجي (رويس) ..
"سودانير" حالة إثبات شاخصة لمبدأ.. أن ما بُني على باطل فهو باطل.. والإستثمار الذي اخترق من بدايته كل فروض الشفافية والنظم .. لم يكن ليلد إلا مثل هذا الإنهيار المريع في كل شيء.. حتى في مجرد إجراءات الحجز والتذاكر وإدخال المسافرين إلى الطائرة..
في تقديري أن لو كان للمجلس الوطني ذرة واحدة من حرص على أداء الأمانة التي في عنقه بالوجه الذي يقبله الله والوطن.. أن يفتح ملف هذه الخطوط لا ليراجع بل ليحاسب على كل ما جرى من (طق طق) الى السلام عليكم .. لكني أدرك أن رجائي هذا..كباسط كفيه الى الماء .. طالما أن المواعين الرسمية والمرجعية فشلت حتى في شرح قضية المتعافي – الكودة .. في موقف مواصلات وليس في شركة طيران ..!!

الخميس، 18 سبتمبر 2008

19 سبتمبر 2008 - استقيلوا يرحمكم الله ..!!

استقيلوا يرحمكم الله ..!!

لا زالت أحزابنا السياسية تقدم عرضاً مستمراً يثبت (فهمها!!) للديموقراطية.. آخر هذه العروض ما يجري بثه على مسرح (الإتحادي الديموقراطي) جناح مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ..ذكرت أخبار الأمس.. أن الحزب كون لجنة للتحقيق مع القيادي الأستاذ على السيد.. على خلفية تصريحات منسوبة له نشرتها الغراء (الرأى العام) .. ثم تصريحات أخرى منه أيضاً نشرتها الزميلة (آخر لحظة) فيها نكهة اعتذار بل انكار للتصريحات الأولى..
الأستاذ على السيد في التصريحات الأولى- للرأى العام – مارس أضعف الإيمان من حرية التعبير.. وقال رأيه في قيادة حزبه.. ومهما كان حديثه صريحاً ومباشراً وغاضباً وناقداً، لكنه في النهاية (رأي) وليس موقفاً.. وفي أى اطار ديموقراطي .. في أى وطن ديموقراطي .. مثل هذه التصريحات (عادي جدا) ولا تجرح خاطر نملة.. بل هي جزء من حميمية العلاقات التنظيمية.. وتعبر عن مرونة وسعة الصدر السياسي داخل أسوار الحزب فضلاً عن خارجه..
لكن الحزب – الجريح – الذي تتسلل قياداته كل يوم .. وتبحث عن ملاذ آمن في المؤتمر الوطني .. وعبر عن حالها بكل صدق كاركاتير فنانا الرائع على الدويد في صحيفة السوداني إذ رسم دار الاتحادي الديموقراطي وأمامها حارس يقول للناس .. انه ينتظر عودة مولانا ليدله على موقع دار حزب المؤتمر الوطني..
هذا الحزب الذي يفترض أنه سلالة الديموقراطية والحريات.. لم يطق تصريحات أحد قياداته وهب مزمجرا مشهرا سيف التحقيق.. فبالله أيهما أولى بالتحقيق..الاستاذ على السيد الذي ما فعل أكثر من التعبير جهرا عن حالة ما أنجبها الا السر .. أم مولانا السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الذي هجر وطنه ويقيم في المنافي تحت طائلة أن قرار عودته (شخصي) يملكه هو وحده..!! هذا هذر ..!!
أيهما الأولى بلجنة تحقيق ..!!
المشهد الذي يغرق في شبر مائه حزب الاتحادي الديموقراطي حالياً .. هو صورة طبق الأصل لواقع تكابده بقية الأحزاب كل على قدر عزيمته.. وبعضها ينتظر وما بدلوا تبديلا.. والسبب أنها ليست أحزاباً بالمعني الحقيقى .. وليست ديموقراطية وإن حمل اسمها الكلمة.. فهي مكونات (خاصة!) من ممتلكات وأصول العائلة أو الطائفة.. تدار على أضيق ما تحتمله أقدار الأسرة أو الزعامة.. بينما تدور هياكلها في فلك انصرافي صوري لا يصنع قرارها ولا مقاديرها..
مولانا السيد محمد عثمان الميرغني – وبكل الإحترام – لا يدمر حزبه فحسب.. بل يحرم السودان كله من مجهود حزب يفترض أن يكون في طليعة التحول الديموقراطي .. وليس أمامه الا خياران.. نفض الأعذار والعودة الى وطنه لمواجهة تحدي المنافسة السياسية والانتخابية.. أو الاستقالة وترك الحزب ينطلق بعيدا عن قيوده التي يكبله بها ..
ويا مولانا ..يكفي هذا .. استقيلوا يرحمكم الله ..

18 سبتمبر 2008 - أشك .. ويعذبني شكي..!!


أشك.. ويعذبني شكي ..!!

في خطاب أمس الأول قال الشيخ حسن نصر الله – زعيم حزب الله في لبنان – أن إسرائيل (صارت في حكم العادي).. بعد حرب يوليو/تموز 2006.. (اسرائيل عادية..) بمفهوم الدولة التي كشفت الحرب ضعفها و (نفختها) الكاذبة.. وانهارت اسطورة الجيش الذي لا يقهر..ورغم أن الشيخ نصر الله يملك البرهان القاطع من توابع تلك الحرب واطاحتها برموز القيادة العسكرية في إسرائيل واعترافهم السافر بأنهم هُزموا.. ثم صفقة تبادل الأسرى التي استرجع بها حزب الله غالبية الأحياء والأموات أيضاً من أبطال المقاومة العربية.. إلا أن نصر الله يخطيء في الحساب..!!
الفارق بين العرب وإسرائيل.. والذي حقق لها التفوق علينا واجتياح كرامتنا.. ليس في قوتها العسكرية.. بل في الإنسان والنظام..في إسرائيل رئيس وزراء يمكن استدعاؤه بالشرطة والتحقيق معه في إتهامات ..هي عندنا في عالمنا العربي مجرد (لعب صغار) ثم يضطر رئيس الوزراء للإستقالة لأنه قبل تبرعات مجموعها لا يتعدى (70) ألف دولار تلقاها على مدى عشر سنوات.. وقبل كل هذا في اسرائيل زعامات تأتي بالانتخاب وتذهب بالانتخاب مهما كان وزنها وانجازها.. فهل في شرقنا العربي بما في ذلك حزب الله صاحب النصر العسكري في حرب تموز.. هل فيها مثل هذا النظام..!!بعبارة أخرى .. الشيخ نصر الله نفسه.. البطل الأسطورة الذي أطاح بأولمرت.. هل يتحمل نظامه السياسي كلمة نقد واحدة .. لم أقل كلمة تطالبه – مثلاً – بالاستقالة أو تطالب بمحاسبته أو حتى مجرد مساءلته عن أي عملٍ ..يستطيع شباب حزب الله الوقوف أمام الدبابات الاسرائيلية .. لكن هل يستطيع أحدهم أن يقف في وجه الزعيم ليقول له كلمة نقد واحدة .. هنا الفرق الذي يجعل إسرائيل دولة حتى ولو هُزم جيشها لكنها تحتل أراضينا وتدوس على جباه رجالنا في غزة والضفة وتقتل نساءنا وأطفالنا وتحاصر كل فلسطين ولا تستطيع الدول العربية المجاورة حتى مجرد فتح المعابر لانقاذ ورفع الحصار عن المقهورين..
الفرق في الإنسان.. في اسرائيل انسان موفور الحقوق والحريات.. والقانون هو الخط الذي لا تخرقه الحصانات ولا الجاه ولا الزعامة مهما سمقت.. لكن في شرقنا العربي .. بما فيها حزب الله نفسه.. مجرد الحديث عن القيادة جريمة نكراء تطيح بمن يقارفها.. رغم أن المثال الناصع في التأريخ الاسلامي ..دولة الخلافة الراشدة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب اذ وصلت درجة الديموقراطية والحريات في عهده.. ان يصعد للمنبر ليخطب في الناس فيخاطبه أحدهم (لا سمع ولا طاعة حتى تخبرنا من أين لك هذا..) ولا يقصد بالطبع قصر منيف..بل جلباب الخليفة.. رئيس الدولة .. رعية تحاسب حاكمها حتى في ملبسه.. وتعترض عليه على روؤس الأشهاد فلا تلقي القبض عليهم الأجهزة الرسمية وتحاكمهم تحت طائلة (إهانة رموز الدولة..)
هل يستطيع الشيخ نصر الله هزيمة اسرائيل في هذا الميدان ؟؟ بل هل يستطيع كل العرب إشهار حالة حرية في مثل هذا النموذج الاسلامي الأصيل..أشك!! ( ويعذبني شكي ..) على قول الشاعر..

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

قصيدة مهداة من شاعرنا .. سيد احمد الحاردلو ..!!




شاعرنا الرقيق المستبد بجمال الكلمة.. الحاردلو .. أرسل لي هذه الرسالة الرقيقة ومعها هذه القصيدة.. البصيرة..!!



فكذبوا نبوءتي .. يا أهل بيزنطة


يا كل أبناءِ الوطنْ
من النساءِ والاطفالِ والرجالْ
في كل لحظة من الجنوبِ ..
أو سانحة من الشمالْ
فلنفكر مرةً
ماذا يقول القادمونْ -
في الزمن الآتي -
وكيف فينا سوف ينظرونْ
وكيف عنا سوف يكتبونْ
فلنفكر مرةً
ان نحن أخطأنا
لي سبب من الاسبابْ
وان تجاهلنا حقائق العصرِ ...
وحكمنا علينا الظفرَ والانيابْ
وإنْ رمينا وطناً مُسالماً ...
للقهر والجنون والحرابْ
ماذا يكونُ حُكمُهم فينا
إنْ عاث في سوداننا... الخرابْ!
* * *
يا ليتكم لو تعلمونْ
يا كل أبناءِ الوطنْ
ياليتكم لو تعلمونْ
ماذا يُحاكُ للسودانِ
للحديقةِ الغناءِ
للمزرعةِ التي تُثمرُ في الصيفِ
وفي الشتاءْ
ياليتكم .. لو تعلمونْ
ماذا يُرادُ للرجالِ والاطفالِ والنساءْ
ماذا يُرادُ للنيلِ
وللسهلِ
وللغابةِ .. والصحراءْ
ماذا يُرادُ للطيرِ
وللأحجارِ
والجبالِ .. والسماءْ
ماذا يُرادُ للمعابدِ التي نؤُمُها
كنا من الجنوبِ
أو كنا من الشمال
كنا من الشروقْ
أو كنا من الغروبْ
سيانَ ما نكونُ
فالمطلوبُ رأسُ هذا الوطنِ الذي
ينداحُ في الدنيا
كما المحالْ
ويقهرُ القاهرَ والسفاحَ والدجالْ
ويفتدي الغالينَ والآتينَ
من أطفالْ
سيانَ ما نكون
فالمطلوبُ أنْ يموت في وجداننا ...
وأنْ يُهان في سوداننا .... الجمالْ
* * *

يا كل أبناءِ الوطنْ
يا أيها الجميعُ
في جميع أصقاعِ وأوجاعِ الوطن
اني أصيحُ
أنّ شيئًا ما .. يَمدُ ظلّه على الوطنْ
وأن شيئا ما يُعدُ في مطابخِ
الكبارِ والصغارِ .. للوطنْ
وأنني أرى فيما أرى
وحشاً من النارِ
وفي كفيه .. سيفٌ وكفنْ
فكذبوا نُبوءتي
يا أيها الرجالُ والأطفالُ والنساءْ
فانني أرى الاشجارَ تمشي نحوكمْ
وأنكم مُحاصرون في ذواتكمْ
وأن شيئاً مثل ظلّ الموتِ
مد ظله من حولِكم
فكذبوا نبوءتي
يا أهل بيزنطه .. لانكمْ
تُجادلون بعضَكم
ويستبيحُ الطامعون دارَكم

***

فكذبوا نُبوءتي
يا أهل بيزنطه ...
وكذبوا الأنباءْ

فالوطن الآتي
قصيدةٌ
تبحثُ عن شُعراءْ

والوطنُ الأتي
وصيةٌ
تبحثُ عن أبناءْ

والوطن الأتي
هو السلامُ
والعطاءُ ... والفداءْ

والوطنُ الآتي
هُم الآتونَ
والوافونَ .. من أبناءْ

فكذبوا نُبوءتي
يا أهل بيزنطه
وكذبوا الأنباءْ!



الخرطوم – 1987 -

16 سبتمبر 2008 حسابات الوطني..!!


حسابات الوطني..!!
في سياق خطاب احتفائي بالقادمين الجدد إلى حزب المؤتمر الوطني.. من الحزب الاتحادي الديموقراطي.. قال السيد فائز عباس نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم.. إن حزبه سيكتسح الانتخابات القادمة وأن الخرطوم ستكون جزيرة (خالصة!!) لمرشحي المؤتمر الوطني..!! وحسب تصريحات فائز.. أن لحزب المؤتمر الوطني مائة دار في ولاية الخرطوم وحدها.. وبدهي، بحساب ايجار هذه الدور وحدها تظهر القوة المادية المحرِّكة للحزب..لا أحد يملك براهين قاطعة على حظ أي حزب في الانتخابات القادمة.. ويحق لحزب المؤتمر الوطني أن يُمني نفسه باكتساح ساحق حسب تقديراته وحساباته.. لكن ألا يجوز هنا أن نسأل بكل عفوية..!!طالما أن حزب المؤتمر الوطني يثق في حظه الجماهيري إلى هذه الدرجة.. ويكاد يضع النتيجة (في جيبه).. لماذا يفسد على نفسه هذا التفويض الشعبي بالتعطيل المفروض على العمل السياسي في ولاية الخرطوم حالياً..بعبارة أخرى.. طالما أن الانتخابات تمنح من يفوز تفويضاً شعبياً للحكم لفترة قادمة.. وتأكيد استحقاق شرعية دستورية.. فلماذا التشويش على هذا الفوز (المتوقع)؟.. الأجدر بحزب المؤتمر الوطني لينال تمديد الحكم بتفويض نظيف لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن يترك الفضاء مفتوحاً للعمل السياسي الحر بلا أدنى تقييد.. حتى لا يرفع حزب آخر عقيرته بالشكوى من (نزاهة!) الانتخابات وغياب المساواة والعدل في فرص العمل السياسي.. فيفسد على الوطني الفوز..إذا تحققت أمنية المؤتمر الوطني باكتساح الانتخابات القادمة.. والحال على ماهو عليه.. فسيكون السودان موعوداً بنموذج كينيا.. وزيمبامبوي.. اتهامات بالتلاعب في الانتخابات وتعطيل المنافسة.. ربما تؤدي لمزيد من الصرعات السياسية التي شبع السودان منها حتى النخاع..من الحكمة، طالما أن المؤتمر الوطني مستيقن من قوته الشعبية.. وراض بالقسمة والنصيب الانتخابي.. أن يترك العملية السياسية تأخذ مجراها الطبيعي بلا عوائق.. ويكون المؤتمر الوطني أول الكاسبين عندما لا تتوفر مسوغات اتهام ضد نزاهة الانتخابات وطقوسها والأجواء المحيطة بها..بلا شك حزب المؤتمر الوطني هو أقوى الأحزاب في الميدان السياسي حالياً... بحساب القوة المالية والتنظيمية أيضاً.. وتتوفر له ميزات أخرى أهمها جاذبية السلطة.. لكن هل ذلك كل ما هو مطلوب للفوز في الانتخابات؟؟ هل يضع الناخب بطاقته التصويتية في صندوق الاقتراع بعد قراءة كشف حساب أموال الحزب أو عدد دوره أو سجلات كوادره التنظيمية؟؟المؤتمر الوطني حظه في الفوز يتناسب عكسياً مع عدد الناخبين.. بعبارة أخرى كلما زاد عدد الناخبين.. قلت فرص فوز الوطني.. فالناخب إذ يخرج من منزله ويعبر شارع الأسفلت ليضع بطاقته في الصندوق.. لا يفعل ذلك إلا بدافعين.. إما لإرتباطه القوى بحزب معين.. أو لاحتجاجه القوى على حزب آخر.. فإذا افترضنا أن كل عضوية المؤتمر الوطني كبرت أو صغرت يحرّكهم الدافع الأول.. فإن الباقي من الكتلة الانتخابية بالتأكيد يحركهم الدافع الثاني..

الاثنين، 15 سبتمبر 2008

15 سبتمبر 2008 - نحن هنا !!


نحن هنا ..!!!

الأستاذ على عثمان محمد طه .. نائب رئيس الجمهورية سيقود وفد السودان لإجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.. ويصحب علي عثمان وفد كبير يضم د. غازي صلاح الدين مستشار الرئيس.. والأستاذ عبد الباسط سبدرات وزير العدل.. والأستاذ السماني الوسيلة وزير الدولة بالخارجية .. ود. مطرف صديق وكيل وزارة الخارجية.. وطبعاً من حق صديقنا الأستاذ الصحفي عمر أحمد الحسن .. أن نثبت له السبق الصحفي – كالمعتاد – في هذا الخبر..وليس صعباً قرأة مغزى قيادة علي عثمان لمثل هذا الوفد.. فإجتماعات الجمعية العامة موسم سنوي يزدحم بوجهاء العالم من زعماء وصانعي القرار الدولي.. وربما تهدف الحكومة لوضع ثقلها كله باستخدام (رأس الحربة) علي عثمان لإحداث اختراق في قضية المحكمة الجنائية الدولية واخراج السودان من المأزق الكبير في حال إستمرار الإجراءات القضائية بحق قيادة الدولة..خاصة وأن المبادرات والتحركات الاقليمية العربية والأفريقية تنفخ كلها في أشرعة الحكومة..ماهي فرص نجاح الوفد الرفيع في تغيير مسار السيناريو الدولي حول السودان..؟؟ هنا تبدو القضية مثيرة وجديرة بالنظر..!!في تقديري أن أحد أهم أخطاء الحكومة والذي لا زالت تثابر عليه بعناد.. أنها تفترض أن مشكلة السودان (خارجية!!) .. تتطلب البحث عن تسوية مع المجتمع الدولي في مختلف المواقع.. مرات في جنيف.. مع اللجنة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.. ومرات في نيويورك حيث مجلس الأمن..وأضعف الإيمان في أديس أبابا منزل الاتحاد الأفريقي أو القاهرة محط الجامعة العربية.. دائرة كبيرة تقع بأكملها خارج السودان ..لكن لاشيء هنا بالداخل. بينما أقصى ما تطمح اليه الحكومة في (الداخل!) مسيرات تأييد.. وصور تلفزيونية لزعامات سياسية تجتمع في الملمات لتعلن تأييدها أو شجبها.. ويظل الحال السياسي على المستوى العملي الميداني على ماهو عليه ..والمثير للدهشة.. أن المجتمع الدولي يفهم المسألة على النقيض تماماً.. يسترق النظر إلى عوراتنا الوطنية بالداخل.. ومنها ينسج إتهاماته للحكومة وادانته التي تستوجب أن يذهب نائب الرئيس الى نيويورك ليدحضها أو يخفف منها..الحكومة السودانية تفترض أن الرضاء الدولي هو هبة الحوار المباشر مع القوى الدولية في نيويورك أو غيرها.. وتنسى تماماً أن المجتمع الدولى يؤسس – أصلاً- حيثيات موقفه ضد الحكومة السودانية من الحال الوطني بالداخل.. ومآسي الاحتراب والتطاحن الوطني.. فتتركه الحكومة على ما هو عليه وتعول على زرابة اللسان و(طق الحنك) في المحافل الدولية عله يحل المشكلة المزمنة.الأمر لا تحله وفود رفيعة المستوى الى الأمم المتحدة. بل تحله نوايا وارادة حكومة تهبط إلى الشعب في الداخل.. فالمشكلة هنا وليست في نيويورك.. ولحسن الحظ ليس المطلوب معجزة لحل المشكلة.. بل مجرد أفعال حقيقية تستوعب قضايا الوطن.. وتستلهم القرار الوطني من الإرادة الشعبية ..ألم يحن بعد الوقت لتتفاوض الحكومة مع الشعب.. وتجبر بخاطره.. قبل خاطر مجلس الأمن.!!

الأحد، 14 سبتمبر 2008

14 سبتمبر 2008 - الظالمون


الظالمون ..!!

لا أفهم كيف تنزع الحكومة أراضي بعض المواطنين دون أن تبذل لهم التعويض العادل وتحظى بكامل رضائهم وخاطرهم..قصص تكاد تكون متشابهة (Copy and Paste) في مختلف الولايات.. الجزيرة – كسلا - النيل الأبيض وغيرها.. يصدر قرار من الولاية بنزع أراضي يملكها مواطن.. ثم يدخل المواطن في مسلسل من الجري واللهث وراء المسئولين بحثاً عن حقه في التعويض لكن.. هيهات..!!يبدو محيراً – جداً - الأمر.. فالقانون واضح وقديم.. لا يجوز نزع اراضي مواطن الا لتقديرات حتمية للصالح العام.. بشرط أن ينال حقه فوراً من التعويض (العادل)..الذي لا يبخسه حقه.. لكن القصص التي تنهمل عليً في الغالب أصحابها أُضيروا من نزع أراضيهم بلا تعويض.. سلطات نافذة تعتلي رقابهم وتأخذ أراضيهم عنوة واقتدراً.. بلا أدنى ارتباط بالقانون أو مراعاة للسبل الشرعية التي نص عليها..ويتعرض المواطن الى ما يشبه الخديعة.. مجرد وعود تتناثر في الهواء.. وبعضهم يظل لأكثر من عشر سنوات يتسول مكاتب المسئولين لإنصافه دون جدوى..الأمر – وبصراحة كاملة - لا يخرج من إحتمالين.. أما أن الحكومة تحسد مواطنيها في تعويضاتهم وتستكثرها عليهم.. أو أن حالة "فساد" مزمنة تمسك بتلابيب هذه القضايا.. "فساد" مؤسسي يسمح للموظفين أن يمتلكوا مصائر المواطنين أصحاب الأراضي فيمارسوا عليهم الضغوط الظالمة ربما لاجبارهم على تقديم تنازلات أو ألاعيب أخرى..وحيث أن هذه المظالم تجري على روؤس الأشهاد وتكاد تكون عملاً منتظماً دوؤباً فلا يعقل أن يفترض أحد أن أجهزة الدولة غافلة عنها.. ويصبح السؤال المحير ..ولم التستر والصمت عليها..عندما تكون الدولة هي الخارق للقانون .. ويخالط ضمير المواطن إحساس كبير أنه ما اختلت الدولة بالمواطن الا كان الشيطان ثالثهما.. فإن ذلك يزعزع مرجعية الدولة في نفس المواطن.. ويجعلها مجرد حالة خضوع مشوبة بنزعات التمرد أو التلاعب او الغش كلما وجد المواطن الى ذلك سبيلا للهروب من الحكومة..وبدلا من أن تصبح الحكومة في ضمير الموطن تلك المرجعية التي يستند اليها في نيل حقوقه .. تصبح هي عدو مستتر يخوض معها حرباً غير معلنة .. عدو ما من مداجاته بد- على قول شاعرنا المتنبي:ومن نكد الدنيا على الحر.. أن يرى عدوا ما من ماجاته بد..الأجدر أن تنتبه الحكومة إلى أن ظلمها للناس بأخذ أراضيهم بلا تعويض .. ليس كبيرة يؤجل عقابها الى الآخرة.. هي مهلكة عاجلة تنتظر من يرتكبها في الدنيا.. والمسؤول الذي يستعصم بمنصبه ونفوذه لظلم الناس .. سيأتي يوم قريب يرتد عليه عليه هذا الظلم .. ويتذوق حسرة الألم عندما تنال منه قدرة مسؤول أكبر منه.. والمبدأ الخالد .. كما تدين تدان ..احذروا ظلم الناس بنزع اراضيهم بلا تعويض..

صنع في السودان .. وطن ضجرت منه المآسي

(صُنع في السودان) ..
وطن ضجرت منه المآسي..!!
(2)




قضية دارفور صنعة بأيدي سودانية مائة المائة.. من أول رصاصة فيها الى آخر يومياتها التي أوصلتها الى منضدة محكمة الجنايات الدولية.. بكل الدمار وفيضانات الدم والتشريد والفضائع التي تحملها.. ورغم ثقل فواتيرها الآن الا أنها كانت معضلة سهلة المفردات يمكن التعامل ومعالجتها بكل يسر..
البداية ..!!
في خضم الصراع الذي اشتعل بين جناحي حزب المؤتمر الوطني .. ثم نتج عنه انسلاخ مجموعة الدكتور حسن الترابي تحت راية حزب جديد هو المؤتمر الشعبي.. بدأت تصفية حسابات ضارية..واشتعل صراع مرير كان في طريقه ليصبح صداماً دموياً في شوارع الخرطوم نفسها.. لولا – حسب ما كتب البروفسير مصطفي ادريس في مذكرته قبل عدة شهور – لولا أن الطرفين كانا يتبادلان الاختراق ويعلمان جيدا مداخل الطرف الآخر .. ومع ذلك سالت دماء في النيل الابيض والخرطوم وطالت موجات من الاعتقال العنيف عضوية المؤتمر الشعبي لم تستثن حتى زعيمه الترابي.. ثم أحبطت الحكومة عملاً انقلابياً اتهمت به الشعبي ولم يكن معروفاً حجمه..وكشف عن مخازن سلاح في عدة أماكن من ولاية الخرطوم.. كان من بينها قريتي (الخليلة)..
هنا ..في خضم الصراع .. قفزت دارفور الى الواجهة.. الحكومة في البداية وصفة الأعمال العسكرية المضادة بأنها (عصابات نهب مسلح) ..واستسهلت حلها بالبندقية.. حتى صُدم الرأى العام السوداني بحادثة اجتياح مدينة الفاشر ودك الطائرات الحربية وهي جاثمة على أرض المطار بل وأسر ضباط كبير من القوات المسلحة برتبة لواء.. ولأول مرة أدرك الرأى العام السوداني أن الأمر لم يكن فعلاً (عصابات نهب مسلح)..
وبعيداً عن يوميات الصراع وتاريخه الأجدر أن نرصد ماوراء العقل الباطن للصراع.. منهج التفكير الذي أداره..
في الحال بدأت الخرطوم ممارسة التعتيم الإعلامي على ما يجري في دارفور.. وصدرت أوامر صارمة للصحف أن لا (خبر أو تعليق أو مادة رأي) حول مايجري في دارفور.. ومورست رقابة قبلية دقيقة منعت تماماً أى صوت غير الصوت القارع لطبول الحرب...
كان واضحاً أن المشيئة التي تدير ملف دارفور ..وصلت مرحلة الأنفراد الكامل بالأمر وأنها قررت استلهام رأيها وحده وقفل الباب تماماً أمام أى بصيرة.. ومن هنا بدأ الرتق يزداد اتساعاً.. وتحولت حرب العصابات المحدودة بعملياتها الخاطفة الى حرب مفتوحة تماماً.. نسخة منقحة ومزيدة لحرب الجنوب التي كانت لتوها صمت زئير مدافعها..
وأصبح مايدور وفي دارفور مادة لكل صحف العالم الا السودان.. وبدأ الإعلام الدولي ينهمر على دارفور.. مئات من وكالات الأنباء ومراسلي الصحف الدولية يحجون إلى السودان..ويدبجون التقارير والتحقيقات.. والإعلام في الخرطوم مكتوم تماماً أنفاسه.. فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. التي يديرها عقل واحد قرر أنه الأول والأخير في تصريفها..
وفجأة يسمع الناس في الخرطوم لأول مرة بمصطلح (جنجويد) وعجزت بعض الألسن حتى عن نطقه لغرابة تركيب حروفه المدججة بـ(الجن).. لكن المصطلح اكتسب شرعية دولية.. ودخل الى القواميس وأضيف الى الأدب السياسي الدولي وبدأ يتطبع في ألسنة الناس.. وحاز السودان على الملكية الفكرية للمصطلح..
واكتشف الناس في الخرطوم – وأيضا فجأة – أن حرب( عصابات النهب المسلح) التي تحولت إلى (تمرد) انتقلت إلى مرحلة ثالثة جديدة .. تلمع فيها أسماء القبائل وترسم خطا أحمر بين فريقين أطلق على أحدهما (القبائل العربية) وعلى الآخر (القبائل الأفريقية).. اتضح أن الحرب تحولت إلى (أهلية) بكمل ما تحمل الكلمة من معاني..
ولم يتغير الوضع في الخرطوم.. يمسك بلجام فرس الحرب ..عقل واحد.. يكتم تماما أى أنفاس أخرى.. أو رأي ناصح أو حتى مشفق.. وبدا كما لو أن القيادة السياسية تفضل حربا يعقبها استسلام أكثر من سلام يجر تسوية سياسية..
وازداد اهتمام العالم .. كولن باول وزير خارجية أمريكا السابق وصفها بأنها أسوأ كارثة بشرية في كوكب الأرض.. وزار السودان.. وجاءت من بعده كونداليزا ايس أكثر من مرة..و أصبح فرضاً دولياً على كل زعيم سياسي في كل دول العالم أن يثبت أمام شعبه أنه زار دارفور..ولأول مرة في تاريخ السودان تتقاطر الوفود الرفيعة.. عشرات من وزراء الخارجية من كل الدول الكبرى..أمريكا – بريطانيا – فرنسا – ألمانيا وغيرها..
وانتظم حتى تلاميذ المدارس الصغار في العالم أجمع في حملة تبرعات بمصروفاتهم اليومية لصالح أطفال دارفور.. وتقاطرت المنظمات الدولية.. وأصحبت دارفور أشهر من السودان.. بل وصار اسم (دارفور) معلماً دولياً يوضح أين تقع دولة اسمها السودان..
كل ذلك .. والخرطوم مكتومة الأنفاس يمنع تماماً نشر خبر أو تعليق أو رأى حول ما يجري في دارفور..
واكتشف الناس في الخرطوم أنهم ليسوا بعيدين عن الحرب عندما كشفت أوراق امتحان الشهادة السودانية.. بفعل التمرد في مدينة جبل الطينة في أقصى غرب دارفور.. وأعيدت الامتحانات في غمار احساس شعبي كبير أن المأساة اتخمت بالكوارث..
ألهاكم التكاثر.. حتى زرتم المقابر..!!
وبدأ مجلس الأمن يتحرك بسلسلة قرارات .. بدأت بالقرار 1547 في11 يونيو 2004 [ حول إنشاء بعثة الأمم المتحدة ا لمتقدمة في السودان (UNAMIS) ]
وتلاحقت حتى اليوم.. وظلت الخرطوم دائما تتحدث عن مؤامرة دولية.. واستهداف.. وأن دارفور آمنة لا تستحق كل هذا الاهتمام الدولي.. ثم بدأت مغالطات في حجم الكارثة.. الاعلام الدولي يتحدث عن (300) ألف قتيل وأكثر.. وترد عليه الحكومة السودانية بأن القتلي (عشرة آلاف) فقط لا غير.. وتحاجج الحكومة أن لو كان الرقم كما قال الاعلام الدولي فأين المقابر؟ ولم تجب على السؤال المضاد .. وأين مقابر الـ(10) آلاف..؟؟



ثم بدأ المنحي الخطر – دولياً- في مارس عام 2005 عندما صدر قرار مجلس الأمن رقم 1593 القاضي بتحويل ملف دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية في (لاهاي) للقصاص من الذين ساهموا في الكوارث الإنسانية في الحرب..وتحدثت الأخبار عن قائمة الـ(51) من الذين طالهم الاتهام بذلك..
رغم أن القرار كان صافرة انذار رنانة تصم الأذان.. الا أن الحكومة قابلتها بمزيد من الإمعان في (تهوين) الموقف.. أحد مستشاري محكمة الجنايات الدولية زار السودان بعد القرار وعقد مؤتمراً صحافياً داخل مقر الأمم المتحدة السابق في حي (جاردن سيتي) بالخرطوم.. سألته كيف المخرج من هذه القضية.. رد أن الأمر سهل للغاية.. ايقاف الشحن السياسي – وكانت مظاهرات الخرطوم تملأ الشوارع ضد الامم المتحدة – والتفرغ للمواجهة القانونية.. وقال أن أى تحقيق جنائي واجراءات عدلية داخل السودان توقف تماما الحراك الدولي الجنائي.. باعتبار أن العدالة الدولية مكملة للعدالة القومية..و ليست بديلا لها..والقاعدة القانونية تحتم تحريم محاكمة المتهم في نفس الجريمة مرتين..
لكن المنهج الحكومي في التعاطي مع القضية استمر في مسلكه.. بل وازداد حساسية نحو أى نقد أو مراجعة..
وطفرت مسألة إرسال قوات أجنبية لحماية المدنيين في دارفور.. قوات أفريقية من الإتحاد الأفريقي .. اعترضت الحكومة في البداية ثم رخضت.. ثم بعد فترة أصر المجتمع الدولي على إرسال قوات دولية.. لكن الحكومة واجهتها بسيول من القسم المغلظ أن لا يدخلنها جندي أجنبي واحد (الحكومة افترضت أن الأفريقي ليس أجنبياً).. لكن الحكومة عادت ووافقت على القوات الأممية.. ووصل قسم منها الى دارفور..
أواصل في الحلقة الثالثة ...باذن الله ..




السبت، 13 سبتمبر 2008

13 سبتمبر 2008- (أن نتحدث..!!)

(أن نتحدث..!!)

في حفل الأفطار الرمضاني الذي أقامته جماعة أنصار السنة المحمدية أمس الأول.. الأستاذ على عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية قال (إن من أشد الإيلام أن نتحدث عن دولة الشرع وتجسيد معاني الإسلام ويكون مآلنا إلى هذا الإحتراب يضرب بعضنا رقاب بعض ونحن الذين تجمعنا كلمة التوحيد..)..
حسناً.. هذا إقرار مطلوب وبإلحاح منذ فترة طويلة.. فطريق الإصلاح يبدأ من هنا .. من الإعتراف بالخطأ ثم النظر في أسبابه فتقويمه.. والأستاذ على عثمان هنا كان دقيقاً للغاية .. في عبارة (أن نتحدث..) التي وردت في السياق.. فذلك إعتراف بأن (دولة الشرع وتجسيد معاني الإسلام ..) ظلت صامدة في خانة (أن نتحدث!!) تعاني من فاقة الفعل التابع للقول.. ولو نظر السيد نائب الرئيس بالتحديد لقضية دافور نفسها .. المثال الأعظم على خطل المنهج .. لوجدها مترعة حتى النخاع بالقول المشفوع بالقول.. مع غياب الإرادة والفعل الجاد..
وصف نائب الرئيس الحال بأنه (..ويكون مآلنا إلى هذا الإحتراب يضرب بعضنا رقاب بعض ونحن الذين تجمعنا كلمة التوحيد..) فعلاً المشهد برهان ساطع على خطأ كبير في منهج التفكير.. فإذا كانت حرب الجنوب محمولة على شعارات وبواعث الدين عصب قوامها.. لكن دارفور حرب يحترب فيها المسلمون وتسيل دماؤهم بأيديهم.. رغم أنف كلمة (التوحيد) التي أشار إليها نائب الرئيس..
مقالة نائب الرئيس هذه تعبر عن رشيد وحصافة تفكير.. إلا أن أخشى ما أخشاه أن تكون مشهداً في ذات ما عناه السيد النائب .. حلقة في مسلسل (أن نتحدث..) التي استخدمها النائب في فاتحة الجملة..فنظل في حالة (نتحدث..) و (نتحدث..) بينما أهالي دارفور في المعسكرات وتنمو أجيال من اليافعين تحمل بطاقة عائلية عنوانها معسكر (كلما) أو(أبوشوك) .. أو غيرهما.. ونحن (نتحدث..) في مناسبات الافطار على موائد شهية..!!
ماهو الفعل الموجب للخروج من حالة (الإحتراب يضرب بعضنا رقاب بعض..)؟؟ بالتأكيد لا يمكن افتراض أن ذات المنهج الذي أنجب الحرب قادر على أن يلد منها السلام..و(لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ...). وتغيير النفس محكوم ببنود واضحة سافرة معلومة تماما للجميع.. أولها الإقرار بفشل المنهج وخطأه.. المنهج الذي أخفق أن يعتبر السودان ملة واحدة.. وأن الحكمة ضالة المؤمن لا يحتكرنها أحد..
على كل حال لا فائدة من البكاء على الأطلال طالما أن الدموع لا تبني مهدوما.. الأوجب أن نصلح الحال بأعجل ماتيسر.. فنتخلص من مقام (أن نتحدث.. عن دولة الشرع وتجسيد معاني الإسلام..) ونتحول الى (أن نعمل ..) ويقيني أن (العمل!!) لبناء (دولة الشرع وتجسيد معاني الإسلام).. لا يمكن أن يتم بدون (الإنسان) .. من هنا نبدأ.. من (الإنسان) أولا .. وثانيا ..وعاشرا .. هل ذلك كثير على (إنسان) السودان ؟؟

12 سبتمبر 2008 - (اتغيرت ..أنت خلاص.!!)


(اتغيرت ..أنت خلاص.)..!!!

أحياناً.. في رمضان.. عندما التقي ببعض شباب هذا الزمن.. أباغتهم بسؤال عفوي (صائم أم فاطر؟؟).. الإجابة تأتيني بسرعة الضوء.. نظرة من نوع (حارق– خارق).. وعلى الوجه علامات (الشجب والتنديد).. وغالباً مع هزة في الكتفين تعني (لا تعليق..)لكني.. استدرك الموقف بسرعة وأشرح سبب سؤالي المشروع.. أقول لهم.. في زمننا.. عندما كنا طلاباً في الثانوي.. كان مثل هذا السؤال شائعا –جداً -.. بل غالباً هو من مترادفات فاتحة الحديث عند أول اللقاء.. وفي الغالب الإجابة (فاطر..).. أما إذا ضُبط متلبساً في حالة صائم.. فأغلب الظن أنه سينال رتبة (مولانا).. ويقترن به اللقب في كل مكان..لم يكن الإلتزام بالعبادات الدينية شائعاً.. خاصة الصلاة.. ويبدو في حكم الشاز أن يصلي شاب أمام زملائه.. كان الإلتزام بالعبادات في نظر الشباب درجة من التخلف والإرتباط بتقاليد قديمة..وأبعد من ذلك.. كانت المحلات التي تبيع الخمر في كل مكان.. لا أنسى (بار الشعلة) في بحري الذي لا بد أن نمر عليه غدواً ورواحاً في طريقنا إلى مدرسة بحري الثانوية.. إذ يقع على الشارع الرئيسي.. وكان زواره عياناً بياناً يجلسون فيه والأبواب مشرعة على مصراعيها..وكان –عادياً جداً – أن ترى السكارى في الطرقات يترنحون.. وأسهل كلمة ينطق بها متشاجران في الشارع هي (سب الدين).. أما أزياء النساء فتلك قصة أخرى.. وأحياء كاملة مخصصة لتجارة الجنس.. وعندما صدر قرار بحظرها أقمن مظاهرة شهيرة في أكبر شوارع الخرطوم..لكن الزمن تغير.. والناس أيضاً.. في مرة كنت أقف في الطابق الثاني في مؤسسة تعليمية عامة.. وحان وقت صلاة المغرب.. خرج الطلاب والطالبات الشباب من قاعات المحاضرات.. لفت نظري أنهم –تقريباً– كلهم ذهبوا في اتجاه المصلى لأداء فريضة صلاة المغرب..الشاب الذي لا يصلي –الآن– هو الشاذ الغريب.. لكن أشذ منه من لا يصوم رمضان.. خاصة في أوساط البنات.. حتى ولو لم يظهر ذلك على الشكل الخارجي والملبس..وما يثيره البعض أحياناً من تدني المناسيب الأخلاقية في هذا الجيل لا يبدو صحيحاً.. وربما الذي أعطى هذا الإحساس هو (العدد).. ففي الماضي كان كل طلاب التعليم العالي أقل من عشرة آلاف طالب.. هم بالضبط –الآن- عدد الطلاب في كلية واحدة.. من الخمسين جامعة حكومية وخاصة.. وبالمنطق مسلك (1%)في الماضي كان يعني بضع عشرات.. لكن نفس النسبة الآن تعني مئات الألوف..مجتمعنا بخير.. أطمئنوا.. رغم حادثة طبيب الامتياز في مدنى الأخيرة..!!

الخميس، 11 سبتمبر 2008

11 ستمبر 2008 - وساطة قطر ..!!

وساطة قطر ..!!

أعلنت الجامعة العربية عن مبادرة عربية لحل معضلة دارفور..تستضيفها وترعاها دولة قطر الشقيقة..مترسمة خطا المشكلة اللبنانية التي نجحت قطر في حلها وجر لبنان من تخوم الحرب الى فضاء الإستقرار.. دولة قطر مؤهلة – جداً- لمثل هذه الوساطة رغم ضياع وقت كبير كانت فيه المعطيات أفضل كثيراً.. والمسافات أقرب.. وعلاوةً على خبرة قطر وأميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بمثل هذه الوساطات.. تتوفر لدولة قطر آليات إتصال – مباشرة وغير مباشرة - مع جميع الأطراف تسمح لخاطرها الدبلوماسي أن ُيشكل ضغطاً يعجل التسوية السياسية..دولة قطر تملك علاقات دولية قوية بما يكفي لاقناع الدول الكبرى اللاعبة في ميدان دارفور لتساهم في الحل.. خاصة فرنسا التي تستضيف أحد أبرز قادة دارفور الأستاذ عبدالواحد محمد نور.. ثم هي دولة لصيقة بالشأن السوداني وسبق أن رعت وساطة بين السودان وإرتريا.. وتوغلت أكثر في الشأن السوداني عندما زار الخرطوم الشيخ حمد بن جاسم وزير الخارجية القطري آنئذٍ ورئيس الوزراء حالياً للوساطة بين معسكري القصر والمنشية.. وظل في الخرطوم في جولاتٍ مكوكيةٍ بين الطرفين.لكن لنطرح السؤال الأهم.. على أي أسس يجب أن تقوم مثل هذه المساعي لحل قضية دارفور..من الحكمة أن تدرك الشقيقة قطر .. أن لدارفور قضيتان منفصلتان عن بعضهما تماماً..رغم مايشاع عن إتصالهما.. الأولى قضية شعب دارفور.. والثانية قضية الحركات المسلحة في دارفور..قضية الحركات.. تحتاج لمن يقرأ لها (آية الكرسي).. فهي معلقة تماماً على ذمة (الكراسي) المتاحة في القصر ومجلس الوزراء والبرلمان والولايات والسلطة الانتقالية لدارفور.. لا يمكن إفتراض أن زعيم ثار وفار وقتل ودمر وشرد الأهالي ليقبل في نهاية الأمر بحل مشكلة (شعب دارفور) وتركه هو ينهي حياة النضال بالتمتع في إبتسامة أهالى دارفور وقد نالوا حقوقهم.. كلٌ زعيم يدعي أن أول حقوق أهل دارفور أن يُفسح له (كرسي) ليمثلهم خير تمثيل.. والحمدلله.. يجب أن تطمئن قيادة قطر أن لدينا قصر جمهوري يسع الجميع ولدينا مترادفات مناصب لهم جميعاً.. مساعدون ومستشارون.. وكبراء المساعدين.. وأكبر من كبراء المساعدين بمختلف المقاسات حتى لا تشكو حركة من شح تمثيلها في القصر..المهم أن يضع الجميع السلاح ويخوضوا معركة الجهاد المدني .. في الخرطوم أو الفاشر و نيالا والجنينة..أما قضية أهل دارفور.. مفرداتها واضحة وسهلة وبسيطة..(الأمن- الإستقرار- التنمية) ..الأولى صارت أممية بموافقة الجميع.. ويجري حالياً تنفيذها.. الثانية سياسية تهدأ بعد هجرة الحركات الى الخرطوم وإقامتها في القصر وضواحيه.. والثالثة تحتاج الى مال.. ودولة قطر أقدر على إقناع المجتمع الدولي والعربي والإسلامي أن لا يبخلوا بمالهم على تنمية دارفور.. دارفور التي ما بخلت بكساء الكعبة كل عام عندما كان خليج العرب صحراء .. وصحراء دارفور خليجاً..من مال..

الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

(صنع في السودان) .. وطن ضجرت منه المآسي



(صُنع في السودان) ..
وطن ضجرت منه المآسي..!!


رغم حساسية القضية التي أطرحها عليكم اليوم.. ولكني أدرك أنها بغير الجراحة العاجلة الصريحة تبقى فخ وبئر عميق تنحدر نحوه خطى الوطن بصمت بليد.. و رغم ضيقي بالمقدمات في مثل هذه المواضيع لكنها هنا ضرورة لا غني عنها..
من خبرتي في الكتابات الصحفية المصحوبة بزوابع رعدية حكومية عنيفة جارحة لفت نظري .. أن قوة وعنف رد الفعل الحكومي دائماً يتناسب طردياً مع كون القضية المثارة تمس الأفراد لا المؤسسات أو الوطن.. بعبارة أخرى عندما يدرك أحد المتنفيذين أن الرأى أو المقال يهز موقفه الشخصي داخل مؤسسات الحكم ..يهرع سريعا الى الخندق.. ويصوب نيرانه ويزود عن نفسه .. لا الوطن.. لاحظت ذلك في عشرات المرات التي تعرضت فيها الى الاعتقال أو الحراسات أو البلاغات في النيابات المختلفة.. دائما لكل مقال رد فعل ..يتوقف تماما على قدرة المعني بالأمر في استخدام نفوذه لحماية موقعه وكرسي السلطة تحته..
آخر برهان ساطع على ذلك.. الإعتقال الذي تعرضت له في قضية وزير العدل السابق..استمدت القضية عنفها وقوة نيرانها من كون الوزير شخصياً - وليس الوطن أو حتى الحكومة – هو المتأثر بها..هذا مجرد مثال .. لكن في يدي عشرات القضايا مثلها.. دائماً رد الفعل على قدر إحساس (الموظف) في أى مستوى حكومي بأن المقال يؤثر على الكرسي الذي يجلس عليه..
ومن هنا تأتي كل مصائب الوضع الراهن الذي خلقته اجراءات مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو..!! عندما تصبح مصالح الأفراد فوق مصالح الوطن.. سأجرد أمامكم الحساب بكل صراحة..
سيوبرماركت المواقف ..!!
منذ أعلن مدعي محكمة الجنايات الدولية عن مذكرة طلب توجيه الاتهام للرئيس عمر البشير.. انفتح سوق كبير .. مكتظ بـ(سيوبرماركتات) تبيع المواقف.. ووكالات سفر للترويج ( والترويح أيضا).. و بلغ زحام الباعة فيه أن صار لا صوت يعلو فوق صوت المناداة على بضائعهم..
شوارع الخرطوم فاضت بالمسيرات التي يخرج فيها موظفو الحكومة.. بعضهم خوفا من دفاتر حضور (Attendance) المسيرة .. والإعلام يضخ رسالة لا يهم أن تقنع المتلقى فقط المطلوب أن تُقنع (المُلقِي) .. وأصبح واضحاً أن مزيد من الفداحة الوطنية يستأسد بالرأي والمشورة والالهام.. وأن حصيلة الكوارث السابقة لم تقنع أصحاب الرأى الأول والأخير.. أن الحكمة ضالة المؤمن.. أنى وجدها فهو أحق بها ولو جاءت من فم الرأى الآخر..
وكالات السفر والسياحة..!!
إعادة انتاج الأزمة بل والكارثة بنفس السيناريو مع سبق الاصرار والترصد.. فمحرقة دارفور التي بلغت عامها الخامس كانت سلالة الرأي الأول والأخير الذي لا يجب أن تدانيه نصيحة أو رأي آخر.. وحى مقدس، من تشكك فيه خان.. وتفتقت عبقرية الإمعان في الخطأ.. عن معركة غريبة ومدهشة.. افترضت أن العدو هو رجل أرجنتيني اسمه "لوريس مورينو أوكامبو.." وجعلته بطلاً من حيث لا يحتسب..بالهالة الإعلامية النباحة التي هاجت ضده.. وكانت تلك بداية الإخفاق في تلمس طريق الخروج من النفق..
وتقاطرت الوفود الرسمية من مختلف المستويات صوب بلدان العالم المختلفة .. كل وفد مصحوب بكاميرا تلفزيونية .. تنقل الخبر الكبير رأساً الى شاشة التلفزيون السوداني.. فيظهر رئيس دولة أفريقية أو عربية يستقبل المبعوث وخلفه طابور من المرافقين جاؤوا بنفس الطائؤة.. ثم ابتسامات و (هزهزة) رؤوس.. ثم مصافحات..وتنتهي برئيس الوفد الحكومي يواجه الكاميرا ليتحدث إلى المشاهدين عن نجاح الوفد في (تفهيم!) الرئيس الأفريقي صفاقة المؤامرة الأمريكية..
وفود السفر لم تكن بالغباء الذي تظن فيه أنها ستغير أو (تشرح) قضية التبست على الدول الآخرى.. لكنهم في ذات الوقت يدركون أن (ظروف السوق).. تتطلب ذلك..
سوق المواقف..!!

وفي سياق آخر.. أدار البعض معركة أخرى أضرت بالرئيس البشير كثيراً..حاصروه وجعلوها قضية (شخصية!).. تبدأ من (حوش بانقا) حيث الأسرة والمنشأ.. وتحيط الرئيس بهالة مصطنعة من (التعازي!) والمواساة..
ثم افترض آخرون أن الأمر في حاجة لصورة جماهيرية تلفزيونية من موقع الحدث..دارفور.. فخططوا لزيارة الرئيس إلى مدن دارفور الثلاث ، الفاشر – نيالا – الجنينة.. و ظهر الرئيس على الشاشات وحوله الجماهير.. ثم ظهر في نفس الخبر وهو في (قاعة اجتماعات!!) يتحدث إلى (مندوبي) النازحين بالمعسكرات .. ويقول لهم الرئيس (أتمنى أن أتمكن من زيارتكم في المعسكرات في المرة القادمة ..) .. ولم ينتبه أصحاب (السيوبرماركت) إلى هذه المشاهد التي تهدم تماما الفكرة..!! عندما تزور المعسكرات كونداليزا رايس وزير الخارجية الامريكية..وكل المسئولين الأجانب.. ولا يستطيع الرئيس السوداني دحول معسكرات النازحين..

وآخرون ظنوا أن القضية تدحضها مشاريع التنمية.. فهرعوا يرتبون حملة (مشاريع) .. فسافر الرئيس إلى ولاية النيل الأزرق لتدشين مشروع تعلية خزان الروصيرص.. رغم أن المشروع أصلا بدأ قبل أكثر من عشر سنوات ثم توقف.. وسافر الرئيس الى جوبا ليشهد توقيع عقود في مرحلة ابتدائية لانشاء حزمة سدود.. وكل ذلك في سياق (مكافحة أوكامبوا).. الأزمة..!!
وقبل كل هذا حديث رنان عن الاجماع الوطني ودعوة للأحزاب في بيت الضيافة.. كان أهم ضيوفها التلفزيون الذي نقل تصريحات الحاضرين فرداً فرداً يمجدون الدعوة.. وكل ذلك في سياق..الازمة ..!!

منوعات .. أوكامبو!!

ثم التمس وزير العدل مشورة أهل الخبرة بالقانون.. جمعهم في الوزارة فالتقطت المناسبة اذاعة أمدرمان.. وبثت على شرفها برنامج (منوعات!!).. تصريح فأغنية وطنية.. وانهمر الحاضرون في تلاوة محاضر التأييد والشعارات وكأني بهم افترضوا أن الاجتماع هو امتداد لمسيرات التأييد والشجب والإدانة.. كل ذلك في سياق ..الأزمة..
بينما كثير من العقلاء .. التزموا الصمت الاجباري.. فحين يصبح الكلام (معروضات اتهام) اذا لم يتفق مع المعروض في (السوق!).. لا يملك الرشيد سوى كبح عقله.. قفله بالضبة والمفتاح وايداعه خزانة أمينة ..لحين اشعار آخر.. حتى لا يفقده..

وفي الضفة الأخرى من النهر كانت تجري مشاهد أكثر استنزافا للضمير.. الدكتور حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي.. يدلي بافادات لقناة الجزيرة الفضائية..تقرأ في الاتجاهين .. من اليمين الى الشمال.. ومن الشمال الى اليمين.. والعاقل يدرك من خلف السطور أنه لا يؤيد فحسب، بل يبارك اجراءات الجنائية الدولية..
وأخرون في المعارضة سرا أو علانية ..وغبائن التاريخ تركب فوق ضميرهم وتحكم ادارة عقولهم.. استشعروا روح (وكفى الله المؤمنين القتال).. واعتبروا أن القضية صارت (قضية الجنائية الدولية).. تخوض نيابة عنهم وعثاء المعارضة.. وربما ينتظرون على أحر من الجمر قرار القاضيات الثلاثة ..
وبين براثن كل هذه الرواية المتخمة بالفجائع.. شعب يسترق النظر إلى خشبة المسرح.. ليرى من يفعل ماذا ولماذا .. الغائب الحاضر الذي على رأسه تقام هذه الـ(وليمة على أعشاب البحر!) ..
تفكيك القضية ..!!

الأمر سهل لنبدأ بتفكيك عناصر القضية.. قضية المحكمة الجنائية الدولية ..دارفور عنصر رئيسي فيها.. وإدارة الصراع عنصر ثان.. والثالث والأهم هو منهج إدارة الأزمة كلها..
ولنختر البداية من النهاية.. اتهام رئيس الجمهورية.. اولا لا يمكن لعاقل راشد أن يقبل بمحاكمة رئيس دولته أمام محكمة أجنبية.. ولو كان الأجنبي هذا ابني عمي في أقرب دولة مجاورة.. ولا يمكن لبشر ينتمي الى وطن أن يقبل لجهة أخرى أن تقتاد (قائد الجيش) للمحاكمة أمام أجنبي.. إلا اذا كان الأمر وثيقة استسلام يوقعها وطن مهزوم منكسر مع جيش وطن منتصر..
مهما كانت الغايات وطهرت النوايا.. فلا أصدق أن ضمير مواطن سوداني لا يستحي من مجرد فكرة تسليم رأس الدولة وقائد الجيش الى أجنبي ليحاكمه..
حسنا ..سيقول البعض العدالة في مأساة دارفور.. والقصاص .. ومترادفات مماثلة.. لا أحد يعترض على المبدأ لكن كل ذلك يجب أن يكون داخل السودان وبيد السودانيين..
الشعب الذي يقبل تسليم رئيسه وقائد جيشه (مهما كانت الغبائن!!) الى أجنبي.. شعب يشهر افلاسه الوطني ويعلن فض رجولته أمام العالم.. ويصبح بلا وجه أو كرامة..
نعارض البشير.. نهتف في الشارع ضده.. يسجننا.. يضربنا بشرطة العمليات.. نقاوم .. نعلن العصيان المدني.. ونحرق الشارع حتى يسقط ويقدم الى المحكمة وينقلها تلفزيون السودان..كل ذلك مقبول.. وحدث في التاريخ السوداني الحديث.. لكن لا أحد عاقل راشد يقبل بسيناريو أن يقوم أجنبي نيابة عن شعب ووطن بالقبض على رئيسه وقائد جيشه ليقدمه الى المحكمة هناك في بلد آخر.. كل مواطن سوداني يجب أن يقول بكل قوة (على جثتي..!!)..
ومع ذلك .. الطريق الى الهاوية لم يكن مجرد تصاريف قدر عاثر.. صنعناه بأيدينا صناعة.. من اول رصاصة أطلقت في حرب دارفور الى اليوم.. المأساة مكتوب في جبينها (صنع في السودان)..!!
أتابع معكم في الحلقة التالية..باذن الله










10 سبتمبر 2008 - التأجيل ..!!


التأجيل..!!

ليست مطمئنة.. زيارة رئيس الاتحاد الأفريقي للسودان ..رغم التصريحات التي صدرت بعد الزيارة.. فكلمة (العدالة..) التي ذكرها الرئيس التنزاني ورئيس الاتحاد الأفريقي ..لم يُقصد منها المعني المطلق التقليدي .. بل الاجراءات التي اتخذتها محكمة الجنايات الدولية بالتحديد.. وهناك قضية أخطر..
رئيس الاتحاد الأفريقي أكد على المطالبة بتأجيل اجراءات طلب المدعي الدولي بتوقيف السيد رئيس الجمهورية..لمدة عام عن طرق مجلس الأمن وفقا للمادة (16) من قانون المحكمة.. وهي مادة تسمح بتأجيل الاجراءات لمدة عام قابلة للتجديد اذا رأى مجلس الأمن أن اجراءات المحكمة قد ينجم عنها ضرر أكبر ..وقد ترى الحكومة السودانية في التأجيل فرصة مزيد من الوقت للبحث عن خيارات.. أو لانتظار مفاجآت لم تخطر على بال أحد.. أو ربما لحل قضية دارفور الأصل ..لكن في تقديري أن مجرد القبول بمبدأ التأجيل .. يجذب توابع كثيرة ومثيرة..
التأجيل يعني عملياً المحافظة على الوضع كماهو عليه.. وضع الإتهام الجنائي الأممي.. في وقت سيتعرض فيه السودان لمتغيرات سياسية كاسحة خلال العام القادم ..حيث تجري الإنتخابات العامة على خمس مستويات.. رئاسة الجمهورية –البرلمان بشعبتيه وانتخابات حكام الولايات.. ومجالسها التشريعية.. فمن العسير افتراض سريان هذه التطورات الدستورية بصفة عادية بينما رئيس الجمهورية نفسه في وضع الإنتظار لحين انجلاء قضية الجنائية الدولية.. بالتأكيد سيكون الإتهام سيفا مصلتا يجعل حسابات جميع من في الملعب السياسي في وضع الاحتمالات.. ويبقى قيام الانتخابات نفسها أمر فيه نظر ..
ثم أن التأجيل في حد ذاته يصبح فاتورة دفع مقدم.. ففي سياق تلميحات أطراف دولية مهمة.. ووعود وترغيب وترهيب.. سينتتهز الفرصة بعض الدوليين ويدفع بالحكومة الى تنازلات اقليمية ودولية ربما تكون في غير صالح الوطن.. و أثق في أن ذاكرة القاريء لا تزال تحفظ مواقف كثيرة خلال العقود الأخيرة .. استخدمت فيها انشوطة الوعود الدولية لانتزاع حقوق وطنية تاريخية حساسة..
وفي سياق ربما اختاره بعض أقطاب الحكومة نقلت بعض الصحف أمس تصريحات للاستاذ عبد الباسط سبدرات وزير العدل .. ألمح فيها الا أن المضي قدما في اجراءات الجنائية الدولية يعني الاقتراب أكثر من خط الصفر.. الذي يتلاشى فيه الوطن ويصبح صومالا بنسخة منقحة ومزيدة.. ولو كان الأمر اجتهاداً من وزير العدل.. فله أجر المجتهد اذا أخطأ.. لكن المصيبة أن يكون ذلك فعلا هو اخر ما تفتقت عنه خيارات (لجنة الأزمة) .. هنا بالتحديد ترابط الأزمة ..
مثل هذا التلويح بسيناريو (اليوم الآخر).. سيكون خطأ فادحا ثلاثي الأبعاد.. بُعُد داخلي في تهئية المسرح لحدث قد تملك جهة القدرة على الضفط على زناده..لكن بالضرورة لا يملك أحد ضماناً لانهائه .. وبُعُد اقليمي وثالث دولي.. يدرك الجميع الى أى اتجاه يسيران..


الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

9 سبتمبر 2008 - دعوة خاصة مني ..!!


دعوة خاصة مني ..!!

أكون ممتناً لك إذا قبلت دعوتي الخاصة هذه .. لزيارتي في مدونتي الخاصة.. صحبة مفتوحة في فضاء مفتوح.. وتسمح لي بكل احترام وتقدير أن أزيد حظي من ردود القراء وتفاعلهم ..
أجمل ما في الكتابة الصحفية .. القاريء.. لكنه أيضاً..أصعب مافيها.. أجمل, لأن أثير التواصل الفكري معه مترف بالحيوية والرصانة.. وأصعب، لأن القاريء السوداني ذكي ولماح ومتابع وقادر على قراءة ما بين السطور..
وحق لنا بعد حوالى (12) عاماً من الكتابة الراتبة والاتصال اليومي مع القراء..وشراكة الرأى ومسئولية العمل العام .. أن نفتح نافذة اتصال أوسع..كانت الفكرة في خاطري منذ فترة وقيض الله لها أن تتحقق الآن..إتصال – اضافي- أثيري عبر شبكة الانترنت في مايعرف بـ(المدونة الالكترونية).. وهي موقع يسمح بالحوار وتبادل الرأى والتعليق..
عنوان مدونتي في الانترنت هو :
http://hadithalmadina.blogspot.com
وعلاوة على موقع صحيفة السوداني في الانترنت .. تجدون في مدونتي هذه الإصدارة اليومية لعمود حديث المدينة .. لكن في مساحة تسمح لكم بالتعليق الذي يطالعه معنا بقية القراء وزوار الموقع.. ليصبح حديثاً مشاع الملكية ..إذ تكتبه المدينة وتقرأه في آن واحد.. حوار مفتوح على أوسع الأبواب.. لا يحده إلا حدود الإحترام والمسئولية..
والعمود الصحفي – عادة – يعتمد على رحيق الاتصال والتلقى المباشر من الجمهور.. فهو ليس رسالة موجهة في اتجاه واحد.. من كاتب الى قاريء.. بل حركة إتصال دائرية.. في إتجاهين، تسمح بسريان الفكرة والرأى في ذهاب واياب بلا أدنى حرج..
كما تسمح (المدونة) بتواصل جانبي خارج قضية العمود المنشور في اليوم المحدد..و إمكانية الحصول على ارشيف العمود ..وربما خدمات أخرى اذا اتسع لها المكان .. ولكن لأن المدونة في بدايتها فلربما تشاطروني سعة الصدر على بعض هفواتها أو قصور تصميمها..سنة الحياة النمو من صِغَرٍ إلى أكبر.. ومن حسن الى أحسن..
(المدونات) في الإنترنت صارت عالماً قائماً بذاته .. مفتوح على مصراعيه.. وأصبح (التدوين) فرعاً جديداً في الإعلام.. على غرار الراديو والتلفزيون والصحف.. بميزة سهولة الحصول على الأثير المفتوح .. وسرعة التواصل عبره.. وصار (المدونون) نسيجا جديداً من حملة الرأى ..
على كل حال ادخلوها بسلام آمنيين في العنوان الموضح وكلي آذان صاغية لما ترونه .. ولمزيد من الفائدة والنشر..استأذنكم في وضع عنوان موقع المدونة في شبكة الانترنت - بصورة راتبة - في ديباجة العمود..

الاثنين، 8 سبتمبر 2008

8 سبتمبر 2008 - الزمن..بدل الضائع ..!! -

الزمن..بدل الضائع ..!!

من المتوقع أن يصدر قضاة محكمة الجنايات الدولية قراراهم في قضية توقيف السيد رئيس الجمهورية..بعد عيد الفطر المبارك..في حواشي منتصف شهر أكتوبر.. وهو القرار الذي لن يكون سودان مابعده .. كسودان ما قبله.. على حد قول الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر .. إذ قال لن يكون عالم مابعد 11 سبتمبر كعالم ما قبل 11 سبتمبر..
وطالما نحن على بعد حوالى شهر من هذا الحدث المتوقع.. فماهي خطط البلاد للتعامل مع الوضع في الحالتين.. حالة تأييد مذكرة المدعي الدولي.. أو حالة قرار برفض التأييد..
لنبدأ بالأخير رغم كونه الأضعف احتمالا.. في حالة صدور قرار برفض الاتهام..فماهي خارطة الطريق للتعامل مع الأمر..لا أقصد أمر المحكمة بل أمر القضية الأصل..دارفور.. هل تتقاعس وتيرة الاجراءات التي اتخذها وزير العدل.. بافتراض أن الموضوع (شِدَة.. وزالت..).. وهل تخمد الأنفاس التي استشعرت خطورة القضية الأصل التي حلها ليس حلا لمشكلة أهالى دارفور وحدهم ..بل عموم أهالي السودان أجمع.. وكيف يمكن الاستفادة من قرار هيئة المحكمة الابتدائية برفض الاتهام في تعطيل العامل الخارجي وتعجيل المفاوضات والتسوية السلمية السياسية.. وتجنب مزيد من الاتهامات في مستويات أخرى..
أما في حالة تأييد اتهام المدعي الدولي والمضي قدما في اصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الجمهورية.. فماهو السيناريو الذي يجب أن يبدأ من الـ D-Day .. إلى أين سيتجه السودان حينها ؟ ماهي الخيارات المتاحة ؟؟ هل تعلن الحكومة إجراءات (اليوم الآخر) ؟..(اليوم الآخر إسم فيلم أمريكي نال الأوسكار.. يتحدث عن عالم ما بعد حرب عالمية رابعة..)
بعبارة مختصرة .. ماهو المطلوب فعله في الحالتين.. ولمدة مائة يوم لاحقة للقرار.. ؟؟ ومن يفعل ذلك ؟؟
رسميا هناك لجنة أطلقت الحكومة عليها (لجنة إدارة الأزمة) ويرأسها الفريق سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية.. وتضم في عضويتها جهابذة السياسة والجهاز التنفيذي.. لكن لجنة الأزمة هي نفسها صارت أزمة.. تتنازعها التصريحات..وأحد اعضائها – مني أركو مناوي - لا زال مستعصما بحرده في دارفور.. وبقية أعضائها يدركون بالضرورة أن هناك لجنة أخرى في الظل..هي التي تعول عليها الحكومة في ادارة الأزمة..
المتاح حالياً .. حديث مبهم عن مبادرة (أهل السودان).. لكن المبادرة تمتطي ظهر سلحفاة عرجاء.. ولم يظهر في الأفق أنها جاءت لتستوعب الوضع برمته في الحالتين اللتين اشرت لهما في بداية العمود.. على كل حال.. من الأجدر ان ندرك أننا نلعب في الزمن بدل الضائع..وربما اهتمام الناس بمشكلة الهلال مع الاتحاد كان أكبر ..ولا أتصور وطنا ينام أهله ملء جفونهم وهم يحدقون في هاوية .. كالتي انهارت على سكان جبل المقطم في القاهرة قبل يومين..