السبت، 28 فبراير 2009

28 فبراير 2009 آخر فرصة ضاعت


آخر فرصة.. ضاعت!!


أمس الأول (الخميس).. في خطابه بمقرالمعسكرات بضاحية سوبا (10 كيلومترات جنوبي الخرطوم) أمام المؤتمرالعام السابع لحزب الأمة.. قال السيد الإمام الصادق المهدي.. في معرض سرده للأسباب التي تدعو لإستمرار سرمدية رئاسته للحزب (الإجتهاد الفكري.. والذي كان يعتمد على شخص..ولكن بالتدرج اتسعت المشاركة.. فقد كنتُ أكتب برنامج الحزب للمؤتمر العام إلا هذا العام..ورفعتُ يدي منه تماماً.. وفي العام 2003 رفعت يدي من جله إلا المقدمة..والعافية درجات..)..حسناً.. من سياق الخطاب فهمنا أن السيد الصادق على قناعة راسخة بأن دوره رئيساً للحزب لا يزال حتمياً لبقاء الحزب.. لكن المثير للدهشة أن يعلم الناس لأول مرة أن مجرد كتابة (برنامج الحزب) أمر بالكاد نجح الصادق المهدي في تدريب قيادات حزبه عليه!!.. بعد (45) عاما من رئاسته للحزب.. هل حزب الأمة بعمره الطويل وقياداته التاريخية كلها.. لم يجد فيهم سيد صادق من يكتب.. مجرد يكتب (برنامج الحزب).. وفي العام 2003 رفع الصادق يده عن (جُل) البرنامج.. ثم في هذا العام نجحت –أخيراً!!- قيادات حزبه في كتابة (برنامج الحزب!!)..هل يُعقل أن يكون هذا هو (حزب الأمة).. أول دفعة خريجين قادرة على كتابة (برنامج الحزب) تخرجوا في العام 2009..ألهذا الحد كان الحزب خالياً من الكفاءات المؤهلة للقيادة..سيدي الصادق المهدي..صدقني أقولها لك – والله العظيم - وبكل إخلاص.. هذه الكلمات منك تصلح لبيان (استقالة) وليس تمديد الرئاسة.. لأن بقاءك أكثر من أربعين عاماً في رئاسة.. لا تنجح في تأهيل قيادات خلف.. إلا في العام 2009.. هو حيثيات فشل لا يسمح بتمديد الرئاسة.. إذا أحتاج منك الحزب بعد (45) عاما من رئاستك له.. لمزيد من الرعاية.. فلا يعني ذلك فشل الحزب.. بل فشل الرعاية.. وهي أول موجبات التنازل عنها لجيل خلف..قواعد الديموقراطية الحقيقية تمنع التعويل على قيادة واحدة متفردة..مهما كانت قدرات هذه القيادة.. على مبدأ تداول السلطة والأجيال.. ورئيس الوزراء البريطاني الأشهر في التاريخ (تشرشل) فقد رئاسة الحكومة رغم نجومية شعبيته و انتصار بلده في الحرب العالمية الثانية.. ليس هناك في الديموقراطية زعيم أو قائد سرمدي..ويقول الصادق المهدي..أن من بين (45) عاماً قضاها في رئاسة الحزب.. (36) منها كان الحزب محلولاً.. وأنه بذلك لم يمارس المنصب إلا لـ(9) سنوات فقط.. أليس ذلك أيضاً دليلاً آخر على حتمية التنازل عن الرئاسة.. فليراجع الصادق تاريخ الـ(36) عاماً التي ضاعت من عمر حزبه.. من المسؤول عن ضياعها؟؟ ضعف الحكم الحزبي كان سبب سقوط الحكومات الحزبية.. و كان في كل مرة – تسقط - على قيادتها حزب الأمة..المؤتمر السابع.. كان آخر فرصة متاحة للسيد الصادق المهدي ليضرب المثل ويمارس القدوة الديموقراطية للإصلاح السياسي.. أضاعها بكامل اختياره..!!

الخميس، 26 فبراير 2009

26 فبراير 2009 سودان مابعد الجنائية


سودان.. ما بعد الجنائية..!!
حددت المحكمة الجنائية الدولية يوم الأربعاء القادم (4 مارس 2009) موعداً لإعلان قرارها بشأن مذكرة المدعي الدولي لويس لورينو أوكامبو.. وعملياً ليس هناك مفاجأة متوقعة في القرار.. لأن المحكمة وإن لم تعلنه رسمياً حتى اللحظة، لكنها اتخذت أكثر من طريقة للتمهيد له.. من بينها تكتيك (امتصاص الصدمة) باعلانه بالتقسيط.. بأسلوب (إعلان ثم نفي).. عن طريق صحيفة أمريكية (نيويورك تايمز) التي نشرت ما يؤكد أن القرار صدر بالموافقة على مذكرة طلب التوقيف.. ثم صدر بيان رسمي مقتصب من مقر المحكمة بلاهاي يكذيب نبأ النيويورك تايمز رسمياً.. وهي في مجملها عملية اعلان بـ(التقسيط) المريح.. لجس نبض ردود الأفعال..لا أحد يتوقع غير أن تعلن المحكمة تأييدها لمذكرة المدعي الدولي.. ورغم أن لا أحد بالضرورة يقطع يقيناً بما سيحدث بعد الإعلان الرسمي.. إلا أن الشعور العام أن إعلان قرار المحكمة مهما كان طعم القرار.. سيمهد لإنهاء الانتظار الطويل الذي تسبب في أضرار بالغة.. كونه جعل السودان يعيش حالة ترقب قلق.. تحبس الأنفاس والخطط.. ولن يكون في يد المحكمة أن تفعل أكثر من ذلك.. لأن الحكومة أوضحت موقفها بكل جلاء أنها لن تتعاون ولن تقبل باستدراج للتعاون مع المحكمة.. حالة الترقب والانتظار التي عاشها السودان أقلقت دنيا المال والأعمال.. فمؤشرات الاستثمار حساسة – جداً - لأية حالة ترقب غير معلومة النتائج.. وكثيرون أخلدوا أعمالهم لحالة تعطل شبه كامل في انتظار رؤية سودان ما بعد الجنائية الدولية..صحيح أن المعالجة الكاملة لمردودات القرار الدبلوماسية وتقاطعات العلاقات مع المجتمع الدولي هي في حضن التدابير الحكومية التي لم يكشف عنها بعد.. وتركتها الحكومة في سياق (لكل مقام.. مقال) لكن في المقابل.. فإن النظر ببصيرة وحكمة شاملة يجعل من السهل افتراض أن الحكومة لن تترك شيئاً يعكر صفو المسار الهادئ نحو عملية الانتخابات.. التي تسمح للحكومة – حسب توقعاتها – بتجديد تفويضها لثلاثة أعوام أخرى.. بصورة تفرغ تماما بعد ذلك أي تدابير جنائية دولية من مفعولها.. وتجعلها أمرا ثانويا في مسار غير مؤذ بالبلاد..أما مبادرات الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية للحصول على موقفة من مجلس الأمن بتجميد اجراءات الجنائية لعام .. فقد اصطدمت بعائق رئيسي هو فيتو ثلاث دول دائمة العضوية هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. ولم يعد في إمكان الأفارقة والعرب غير انتظار أمل وحيد يخفف القدر الكبير.. حل مشكلة دارفور بصورة تسمح للمجتمع الدولي بتفهم عملية تأجيل الاجراءات.

الأربعاء، 25 فبراير 2009

25 فبراير 2009 ارجعوا لهم أموالهم


ارجعوا لهم أموالهم ..!!


لا أعلم بأي حق أو مرجع قانوني.. استحلت الحكومة خصم يوم من مرتبات العاملين فيها لصالح (دعم مواطني غزة).. كلنا نتعاطف ونعيش أحاسيس الجسد الواحد إذا أصابه ألم في موضع تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. لكن السؤال هل من حق الحكومة خصم تبرعات من مرتبات العاملين لصالح أية جهة كانت دون استشارة أو أخذ الإذن من المتبرع..الحكومة هي في موقع (المخدم).. وصلب العلاقة بينها والعاملين.. لا تخرج من علاقة العمل التي تفرض على المستخدم أن يعمل لقاء أجر يدفعه المخدم.. لكن ليس من حق المخدم خصم أي مال كبيراً أو صغيراً من مرتب المستخدم دون موافقته.. إذن كيف تخصم الحكومة من العاملين فيها تحت بند (بناء على قرار مجلس وزراء الولاية..).. صحيح يجوز لمجلس الوزراء الموقر اتخاذ أي قرار في ما يلي سلطاته.. فيتبرع من حر مال الحكومة كيف يشاء.. لكن أن يتبرع من مال العاملين!!..حسناً.. فيضان العواطف النبيلة مع أهالي غزة.. وهم يتألمون تحت وطأة اللهيب الاسرائيلي أعيى مجلس وزراء ولاية الخرطوم أن يتبصر بخلل مثل هذا القرار.. لكن أليس في دوائر صنع القرار هذه مسار قانوني يدقق النظر في مثل هذه القرارات ويتيقن من سلامة قوامها القانوني أو الإجرائي أو حتى (الإنساني!) في مقام ثنائية (حكومة وأهالي)..صحيح العادة درجت أن الحكومة.. أية حكومة.. ولائية أو اتحادية يتلبسها جن اسمه (جِب).. وصيغة الجمع منه (جِبايات).. ولا تأخذها في (الجِب) لومة لائم.. لكن أليس في المدينة رجل رشيد يقول إن مثل هذا الإجراء يعصف تماماً بالغاية النبيلة التي من أجلها تجمع هذه الأموال.. كيف يأكل أهل غزة الشرفاء هذا المال من جيوب أهله.. أُخذ دون إذن أو تلمس رضاء المتبرع..طهر الغاية لا يبرر غرر الوسيلة.. وليس على أهل غزة حرج في ما وصلهم من مثل هذا المال.. لكن الذين اصدروا القرار ونفذوه.. ارتكبوا بكل قرش فيه ظلما بائناً لأجراء عملوا فاستحقوا الأجر.. لكنهم أكرهوا على تبرع لم يسأذنهم فيه أحد..كان من الممكن (تمرير) سجل للتوقيع للموافقين على التبرع.. بل ربما كان الأجدر أن يترك للمتبرع تقدير سعته من مال التبرع.. ولربما بتلك الطريقة دفع البعض أكثر مما افترضت الحكومة.. ولربما كان المجموع بهذه الطريقة الاختيارية بالرضاء.. أكثر مالاً من المال المأخوذ بهذا الشكل.. بالطريقة التي لجأت إليها ونفذها مجلس وزراء ولاية الخرطوم..سيدي والي الخرطوم.. اتقوا الله في ما فوضكم فيه من أمر العباد.. أرجعوا للناس أموالهم.. وأطلبوها منهم بعد ذلك بحر اختيارهم إن شاؤوا اعطوا.. او شاؤوا امتنعوا.. ولا إكراه في الصدقات.

الثلاثاء، 24 فبراير 2009

24 فبراير 2009 - لا يوجد مكان شاغر

لا يوجد مكان شاغر..!!

زيارتان سريعتان.. الشيخ حمد آل ثاني أمير دولة قطر.. الى الخرطوم.. والمشير الركن عمر البشير رئيس الجمهورية الى القاهرة.. في الزيارة الأولى اجتماع مختصر صغير في بيت الضيافة تخلله اتصال هاتفي ثنائي بالعقيد معمر القذافي زعيم الجماهيرية الليبية.. في الاجتماع الثاني بالقاهرة .. اكتفى الرئيسان بلقاء ثنائي مغلق.. خرجت بعده التصريحات التي تؤكد قناعة مصر بأن اجراءات المحكمة الدولية تهز استقرار وسلام السودان..
بقراءة سريعة.. تظهر القواسم المشتركة بين الزيارتين.. لنفترض أن الأولى في الخرطوم بعد حذف زمن المجاملات الرسمية بقى منها صافي أقل من نصف ساعة حوار مباشر بين القيادتين.. وفي الثانية بالقاهرة .. لقاء الرئيسين استغرق تقريبا نفس الزمن.. يصبح السؤال الطبيعي .. لماذا يركب الشيخ حمد طائرته لثمان ساعات (اربع ذهابا وأخرى ايابا) .. ويركب الرئيس البشير طائرته لخمس ساعات.. عدا زمن المطارات في الزيارتين.. ليتحدث الطرفان في الخرطوم ثم في القاهرة .. لأقل من نصف ساعة ؟؟
قد يطفر السؤال البديهي ألم يكن ممكنا استخدام الاتصال الهاتفي بين الطرفين في الحالتين لانجاز المهام التشاورية بينهم؟ خاصة وأن الزعيمين القطري والسوداني في الخرطوم استخدما الاتصال الهاتفي في الحوار مع الرئيس الليبي... فلماذا هنا هاتف مع ليبيا.. لكن اتصال مباشر بين قطر والسودان.. و طبعا كان ذلك ممكناً.. لكن مع ذلك اختار القادة الاتصال المباشر وجها لوجه لانجاز ماهو مطلوب.. لماذا ؟
بالحساب المنطقي .. يمكن افتراض أن ما قيل في الزيارة الأولى(الدوحة- بالخرطوم) لم يكن ليقال عبر أي أثير مهما كان مؤتمنا أو مأمناً أو آمنا..وكذلك ما قيل في الزيارة الثانية (الخرطوم –القاهرة).. أو ربما لسبب آخر أن الزيارتين لم يكن مقصودا منهما ما يدور من حديث بقدر التواصل المباشر وجها لوجه..
حسناً.. الشقيقة قطر على الخط المباشر في أزمة دارفور.. ونجحت في عبور الخطوة الأولى باتفاق الحكومة وحركة العدل والمساواة..وتبعه تبادل أسرى وسجناء.. وتبدو قطر في الطريق الصاعد لتحقيق نجاح – يضاف الى نجاح المصالحة اللبنانية – ولئن كان الوضع اللبناني مقبولا بعض الشيء إلا أن الملعب السوداني محاط بجيران شركاء أصيلين في اللعبة.. مصر وليبيا..
ومع ليبيا بالتحديد كانت هناك تجربة سابقة.. مصالحة سودانية – تشادية برعاية سعودية أغضبت ليبيا واعتبرتها تقليلا من شأن الدور الليبي.. وأفضت الي تبادل طرد دبلوماسيين..
عملياً.. يبدو أن تعقيد القضية السودانية ازداد تعقيدا.. والمتاح من الزمن (يادوبك) يكفي لربط آخر عقدة.. ليستحق الوضع لافتة مكتوب عليها (كامل العدد) .. ليس هناك مكان شاغر لأزمة جديدة ..

الاثنين، 23 فبراير 2009

صدور صحيفة جديدة .. ماهو الجديد المطلوب

رأيك مهم جداً ..
في رأيك .. إذا فكرنا في إصدار صحيفة جديدة.. ماهو الجديد الذي ترى أنه يجب أن يتحقق في الصحيفة لتكون فعلا (جديدة) بالمعني العملي .. وليس بالمعني المجازي..
في تقديري أن صحافتنا اليوم ..رغم كثرة عدد الصحف.. لم تلب مطالب أساسية ينشدها القاريء... فماهي في رأيك اهم المطالب التي تبحث عنها انت بالتحديد ولا تجدها في الصحافة السودانية ؟؟
من ناحية الشكل .. أو المضمون .. أو السياسات التحريرية .. أو مستوى الأداء .. أو ..أو .. مختلف أوجه العمل الصحفي.. ماهو المفقود فيه..
إذا رأيت أن اجابتك تحمل تفاصيل كثيرة ..فيمكنك ارسالها لي عن طريق بريدي الالكتروني Osman.Mirghani@yahoo.com أو حيثما ترى فالأمر لك ..

23 فبراير 2009 - عرضحال الوطن


عرضحال.. الوطن..!!


البروفسير محمد شاكر السراج.. اسم معروف في العمل العام... فقد كان نقيبا لأطباء السودان.. ثم ممثلا للسودان في منظمة الصحة العالمية.. وتولى منصب عميد كلية الطب بجامعة جوبا.. وتولى منصب وزير الصحة الاتحادي.. وعضوا في البرلمان.. وآخر منصب تولاه عميد كلية الصحة بالخرطوم..
خلال هذه السيرة المهنية الطويلة.. لم يكن مجرد "موظف دولة" محفوف ببروتوكولات الخدمة المدنية العتيقة.. بل كان "إنسان" بمعنى الكلمة الحرفي والمجازي.. محمول على أخلاقيات مهنية نادرة المثال.. يفني ذاته في سبيل وطنه ومواطنيه.. كان يتعفف حتى عن نثريات السفر التي تمنح لكل موظفي الدولة.. فعرف عنه أنه كان يرد للخزينة العامة ما يفيض عن حاجته خلال السفر.. كان يقضي مهامه الرسمية بأقل ما تيسر من نفقات ثم يرجع بقية النثريات الى الخزينة العامة على مفهوم أنها (أموال الشعب) التي لا يجب أن تنفق على أي مصالح شخصية خارج مصروفات المأمورية..
حتى قبل أسابيع قليلة كان شاكر السراج مرتبطا بالوظيفة العامة ويحاضر في طلابه.. وينهك جسده بالسهر في (تصحيح) أوراق الامتحانات المتراكبة على كثرتها وكثرة الطلاب..لكنه فجأة أصيب بمرض لم تستبن المعامل الطبية السودانية تفاصيله بدقة.. ولم يتوفر له العلاج بالسودان.. وهو الطبيب ووزير الصحة السابق..قدمت له إحدى الجهات الحكومية تذاكر سفر (بالدرجة السياحية!!).. للعلاج بمصر الشقيقة.. وتُركت بقية القائمة الصعبة التي لا تقبل إلا العملة الصعبة.. معلقة على حال صعب.. وأصعب منه إحساس الفجيعة في وطن يأخذ.. ويأخذ.. ويأخذ ويمعن في الأخذ.. ولا يعطي بعد ذلك إلا النكران والخذلان بجفون كأنها لا ترى في الرجال إلا (مناصب) فإذا فارقوها.. فارقهم الاهتمام والمخصصات والنثريات..
ما الذي جرى في هذه البلاد؟؟ هل صار يتيما من الحنان الرسمي.. الإنسان فيه قيد يفتح في سجل المواليد ويمضي في السيرة الذاتية حتى اللحظة التي يدرك فيها أنه كان مواطنا في وطن بلا مواطنة..إذا كان مثل شاكر السراج.. نقيب الأطباء.. ووزير الصحة.. عندما يكابد المرض وتعجز مؤسساتنا المحلية عن علاجه.. فتعجز همة الدولة عن علاجه بالخارج.. إذن من سيتعشم في ماذا؟؟ من سيكون قادرا على الإحساس بالانتماء الى وطن يأكل اللحم ويرمي العظم..
لا أستجدي أحدا بهذه السطور.. فمثل هذا الرجل ما مد يده لغيره طوال سيرته العملية الطويلة.. لكنى آسٍ على أجيال ستقتات من مثل هذه المشاهد والمواقف لتصنع منها (عرضحالا) طويلا ضد الوطن.. وحيثيات قرار عاجل بالبحث عن وطن بالتبني.. بـ(اللوتري) أو حتى بعبور الأسلاك الشائكة.. تحت زخات الرصاص.. إلى إسرائيل..أين سوداننا؟؟.. بل أين نحن؟؟

الأحد، 22 فبراير 2009

22 فبراير 2009 .. عاد الحبيب..!!


عاد الحبيب ..!!


(عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة أعوام على وجه التحديد، كنت خلالها أتعلم في أوروبا. تعلمت الكثير، وغاب عني الكثير، لكن تلك قصة أخرى).تلك هي مقدمة رواية "موسم الهجرة للشمال" .. المقدمة الشهيرة التي يكاد يحفظها عن ظهر قلب الكثيرون.. فيها أسلوب الخطاب (الإذاعي) الذي شب عليه الطيب صالح.. (عدت إلى أهلي ياسادتي..) .. لكن (غيبة طويلة) التي قاله الراوي عنها .. حدد عدد سنواتها بكل دقة بأنها (سبعة أعوام على وجه التحديد) .. تُرى كم غاب الطيب صالح عن بلده من السنين.. أضعاف أضعاف هذه السبعة التي عدها (غيبة طويلة)..
الطيب صالح.. لو كان من نسل أي بلد آخر .. ربما لما احتاج أن يبعد عن بلده سبعة أيام.. لأن البلاد التي (تموت من البرد حيتانها) أو حتى تلك التي (لا) تموت من البرد حيتانها.. تدرك أنه في كل حقبة من الزمان يظهر من بين أهليها عبقري.. وتدرك أن قيمة العبقري لبلده لا تتأكد إلا بنسبة بلده اليه .. فتجعل من ذلك همها .. أن تؤكد انتساب بنيها العباقرة إليها..لا يمكن لبلد ينتمي اليه – مثلاً – أحمد شوقي أن لا يظل فيه الا تحت وظأة ظرف قاهر.. ولا العقاد ولا طه حسين .. ولا أم كلثوم .. ولا .. ولا .. عشرات من الخالدين بإبداعهم.. لكن في المقابل.. هنا في السودان يكاد جيل كامل .. بل بضعة أجيال.. لا تعرف حتى مجرد من هو الطيب صالح..
عندما قابلته أول مرة في لندن عام 2000.. عدت إلى السودان فكتبت عنه مقالين طويلين .. ثم أجريت استبياناً مكتوباً على شرائح من الشباب.. خاصة في الجامعات.. وكان أهم سؤال فيه.. من هو الطيب صالح.. الغالبية الكاسحة فشلت تماماً في العثور عليه..
و ليست تلك مشكلة الطيب صالح.. فهو نجم ساطع حيثما ذهب.. لكنها بالتأكيد مشكلة وطن أن يتعامل مع الطيب صالح.. وكأنما في البلاد قبيلة كاملة مثله.. كتبوا وأبدعوا واشتهروا في الكون بكل لغاته..الأوطان تجتهد في إنجاب العباقرة.. فإذا جاد الزمان لها بواحد.. بالغت في الاحتفاء به.. أسبغت عليه الألقاب.. مصر سمت شوقي أمير الشعراء.. وحافظ إبراهيم شاعر النيل.. وطه حسين عميد الأدب العربي.. وأم كلثوم كوكب الشرق.. اهرامات تخلد بلد الأهرامات.. لكن أنظر حولك في سوداننا المثير للدهشة..عبقري مثل عبد الله الطيب.. انتقل الى الرفيق الأعلى ورجل المرور أمام جامعة الخرطوم ربما لا يعرفه.. وهو عالم لن يجود الزمان بمثله ربما لقرون.. الطيب صالح.. هبة الخيال والرواية .. وهو سوداني حتى النخاع مترع بتراثه وطعمه.. ربما تفاجأ كثيرون في العالم المتحضر بأنه سوداني.. وربما لم يكتشفوا ذلك الا حينما أزفت ساعة الغروب فولى الطيب صالح وجهه شطر السودان ليبقى خالداً تحت ترابه..
اللهم أرحم الطيب صالح وأسبغ عليه نعمة القبول والرضوان..

السبت، 21 فبراير 2009

21 فبراير 2009 - ظل الفيل

ظل الفيل ..!!
من الفتوى التي أثارت هذه الضجة الكبرى في موضوع زواج (الإيثار) .. ثم من تصريحات رسمية رئاسية لاحقة عن إهتمام الحكومة وتفكيرها في تشييد مساكن مخصصة للطلاب المتزوجين.. أفهم أن المقصود الغاية هو تعضيد مؤسسة الأسرة في المجتمع.. وتفكيك أي عوائق تعرقل مسارها..
إذن .. لنسأل بكل صراحة .. ماهي نسبة الذين تستهدفهم آلية (الإيثار) ..لحل مشكلة الزواج لديهم.. مضافاً إليهم شريحة (الطلاب المتزوجين) الذين تبحث الحكومة لهم عن إيواء.. ماهي نسبة هؤلاء الى مجموع الشباب المتعطل في طرقات الحياة الذي لا يقدر على الإقتراب من مؤسسة الزوجية ..لسبب بسيط .. هو أنه خارج دائرة العجلة الاقتصادية للمجتمع.. عاطل.. يتفرج في أيام مستقبله تذوب بين يديه مثل كوب الآيسكريم..
كم عدد الخريجيين الذين إكتمل إستثمار الأسرة فيهم .. وصاروا في مرحلة الإنتاج والإثمار.. لكنهم كالأشجار اليابسة يقفون بلا طائل في انتظار قطار يوشك أن يرحل من المحطة..
غالباً..يُفهم من ضجة (الإيثار) أن المقصود بها من فاتهم قطار الحظ في سنواته المناسبة.. فصاروا في محطات خارجية تحتاج إلى إستثناء في المعالجة..لكن المشكلة الكبرى أننا بهذه الحلول .. كأنما نتعمد تفويت القطار ..ثم نبحث بعد ذلك في الحلول الإستثنائية الجراحية المؤلمة ..
كم عدد الشباب العاطل المنهار؟. الذي بعد سنين لا يصح في علاجه إلا (الإيثار)؟. لماذا لا ننظر للمشكلة هنا في هذا الموضع قبل أن يتحولوا بمرور الزمن إلى غرف إنتظار الحلول الخارقة للعادة..
لماذا تنهك الحكومة نفسها بالبحث عن حل لبضع عشرات من الطلاب المتزوجين ( وهم غالباً ما تزوجوا إلا لأنهم قادرين ) بينما تهمل الحكومة مئات الآلاف من الشباب المتسكع الذي يبحث عن عمل يمنحه شمعة أمل في تكوين أسرة..
بكل أسف بعض سياسات الحكومة هي سبب مباشر في قفل أبواب الرزق الحلال.. الرسوم المتراكبة التي تحني ظهر الأعمال الحرة.. والرسوم الأكبر منها التي تعطل قطاع البناء والتشييد ..كلها تؤدي في النهاية لحجب عشرات الآلاف من فرص العمل.. التي ينتظرها هذا الشباب المظلوم..
عندما يصبح تشييد منزل متواضع حلماً دونه عشرات السنوات من الإغتراب ..أو للمحظوظين من (أولاد المصارين البيض).. لا تصبح المشكلة مجرد سنوات العمر التي تضيع بحثاً عن بيت.. بل المشكلة الحقيقية في عشرات الآلاف من الشباب يفقدون فرصة العمل الشريف في هذا القطاع الحيوي.. قطاع البناء..
عندما يعجز حتى الأغنياء عن بناء قصورهم.. لا تكون المشكلة في (سكن) الأغنياء.. بل في الفقراء الذين يعملون في تشييد قصور الأغنياء هذه .. لأنهم لن يجدوا فرص العمل..
بدلا من محاربة طواحين الهواء.. أليس الأجدر النظر في المشكلة الحقيقية وعلاجها.. إنقاذ مئات الآلاف من الشباب الخريجيين الذين لا يجدون عملاً يفتحون به مشاريع أسر جديدة..

الخميس، 19 فبراير 2009

19 فبراير 2009 - خفة دم ..!!


خفة دم..!!


نقلت صحف الأمس تصريحات للأستاذ محمد الحسن الأمين.. نائب رئيس المجلس الوطني.. وهو رجل قانوني.. قوله عن المحكمة الجنائية الدولية (القضاة ثلاثة نساوين.. لن نسمح لهم بتحديد مصير الأمة..).. حسب ما ورد في صحيفة الأحداث..وليس مدهشاً هنا الاتجاه الجديد الذي يريد القانوني محمد الحسن الأمين أن يقود اليه الأمة.. في هذه القضية.. بل افتراضه أنه كفى بهذه المحكمة بؤساً أن قضاتها (نساوين).. فتتحول تصريحاته الى صاروخ كروز موجه بالكمبيوتر إلى شارع الجمهورية قريباً من جامعة الخرطوم.. مقر الاتحاد العام للمرأة.. ثلاث صفعات في وجه المرأة السودانية في أقل من عشرة أيام.. وسأترك لكم تقدير الاثنتين الأخريين.. ولو قال محمد الحسن الأمين هذه التصريحات في جلسة أنس في مناسبة اجتماعية ربما عدها الناس (خفة دم).. تستحق بعض الابتسام.. على سياق المهموس به جهراً في مجتمعات الدردشة الرجالية.. لكنه رجل قانوني يحوز على منصب رفيع تحت قبة البرلمان.. حيث يفترض أنه يمثل الشعب السوداني.. ويطلق عليهم في البلاد المتحضرة صانعو القانون Law makers .. فهل على مثل هذا الفهم تدار صناعة التشريعات في بلادنا؟اعلم أنه سوق وموسم يتبارى فيه الجميع لسكب العبارات التي تؤكد الولاء.. لكن أليس جديراً بهذا الوطن كليمات عقل ورشد يقمن صلبه.. ألا يستحق هذا الشعب المستنير الذي تعلم عندما كانت الدول حوله في ظلام.. وابتعث معلميه للدول الأخرى.. وخبراؤه في كل مجال هم الذين أسسوا الدول الأخرى.. ألا يستحق هذا الشعب مستوى خطاب أفضل من هذا..يساورني شعور أن بعض الكبار فينا.. يفترضون أن هذا الشعب قطيع من البسطاء الذين تستهويهم العبارات الخادشة للحياء السياسي.. فيطلقون الكلم على عواهنه.. وبدلاً من أن تصيب كلماتهم الجهة التي يقصدون تحقيرها.. ترتد كلماتهم كالرصاص على الضمير الوطني وتشتمه في أعز ما يملك.. نساؤه..نحن شعب منذ خلقه الله لم ترتفع حواجب الدهشة في وجهه لأية مكانة حازتها المرأة فيه.. حكمته المرأة وتولت منصب رئيس الجمهورية.. منذ آلاف السنوات.. وتظهر في كل المنحوتات القديمة صورة الملكة كتفاً بكتف مع الملك في العرش.. وحينما تدخل (الآن) المرأة في بعض الدول للوزارة.. نالتها المرأة السودانية منذ بداية السبعينيات.. وتولت القضاء منذ العام 1965..ماذا يفيد المرأة السودانية أن تنال دستورياً حق التمثيل بـ25% في الانتخابات العامة.. إذا كان هذا هو رأي المشرعين فيها..عزيزي محمد الحسن الأمين.. رئيس الجمهورية نفسه ولحوالي عشر سنوات تتولى منصب مستشاره القانوني امرأة.. مولانا بدرية سليمان ثم مولانا فريدة.. فلماذا تفترض أن (النسوان) برهان (الهوان)..!!

الثلاثاء، 17 فبراير 2009

17 فبراير 2009 - (جيتنا وفيك ملامحنا)


(جيتنا وفيك ملامحنا)


في فنزويلا.. الرئيس شافيز.. أجرى استفتاء لتمديد الرئاسة.. الدستور كان يسمح بفترتين رئاسيتين مدة كل واحدة منهما (6) سنوات.. وعندما مد بصره الى المستقبل فوجد أن فترته الرئاسية الثانية (الحالية) تنتهي في العام 2012.. أي بعد ثلاث سنوات.. أدرك أنه بحاجة للتحسب من الآن لفتح الطريق أمام رئاسة أبدية.. فأمسك بالدستور وأجرى عليه العملية الجراحية اللازمة..وللحقيقة.. شافيز في العام 2007 حاول تعديل الدستور.. لفتح الطريق امام رئاسة أبدية.. لكن الاستفتاء حينها أسقط التعديل.. لكنه في هذه المرة الأخيرة التي نجح فيها.. استخدم حيلة ذكية.. فبدلا من أن يكون السؤال في الاستفتاء.. هل توافق على فتح الترشيح للرئاسة دون تحديد.. تغير السؤال في الاستفتاء الأخير وصار.. هل توافق على استمرار أى شخص منتخب الى أي فترة.. بعبارة أخرى أن السؤال أصبح عاما لأي وظيفة صغيرة أو كبيرة.. دون تحديد الرئيس بعينه.. فحاز على نسبة 54% لصالح التعديل..وشافيز الذي حاول الانقلاب عسكريا على الحكومة في 1992 وفشل مرتين.. فاعتقل وظل في السجن عامين الى أن خرج بعفو رئاسي.. فتحول الى زعيم سياسي وترك العسكرية.. وصل الى الحكم في العام 1999 .. وقال أمس لجماهيره في حفل الفرح بالفوز.. انني احتاج الى عشر سنوات على الأقل لاكمال الثورة الاشتراكية التي بدأتها.. وقال ان غد فنزويلا بدونه سيكون مخاطرة قد تقضي على آمال الفقراء في الثورة الاشتراكية..هل عرفتم الآن.. لماذا شافيز صديق العرب؟؟ هل عرفتم لماذا أحبته الشعوب العربية للدرجة التي طالب فيها البعض بنقل الجامعة العربية الى كاركاس عاصمة بلده فنزويلا..شافيز منا ونحن منه.. في دمه الجينات العربية الخالدة.. جينات تخليد الزعامة.. وكنا نظن أننا العرب وحدنا من يصنع الدستور فإذا جاع أكله.. كصنم عمر الذي صنعه من عجوة حتى اذا جاع التهمه.. نصنع الدساتير.. وما أن نشعر بأنها أضيق منا.. نتخلص منها.. والحجج (على قفا من يشيل).. حجج مثل.. منعطف تاريخي حرج.. اكمال الثورة.. الحفاظ على سلامة البلاد.. واللغة العربية مليئة بالمصطلحات التي تصلح للاعذار..منذ خلق الله الأرض ومن عليها لم يقل زعيم لشعبه إنني أريد أن أحكمكم للأبد.. لأني أحب الرئاسة.. هي دائمة (محلولة).. هناك دائما حجة وأي سبب.. لا يهم كيف تقال أو تصنع لكن المهم أن النتيجة واحدة تماما .. الخلود..حتى صدام حسين.. لم يظل زعيما متفردا فوق رغبة شعبه.. لا .. (هو الآخر) عمل استفتاء لشعبه.. وفاز فيه بنسبة كلها تسعات.. ولم يصوت ضده الا الذين صدرت لهم الأوامر لفعل ذلك حتى تظهر النتيجة (عادلة)..شافيز الآن استحق عضوية الجامعة العربية.. شافيز منا.. ونحن منه..!!

الاثنين، 16 فبراير 2009

16 فبراير 2009 - مؤتمر الأمة القومي


مؤتمر الأمة القومي..


يتأهب حزب الأمة القومي بزعامة السيد الإمام الصادق المهدي لعقد المؤتمر السابع للحزب في يوم 27 فبراير 2009.. يعقد المؤتمر في أرض المعسكرات بـ(سوبا).. وسبع لجان تكونت للإعداد وإدارة المؤتمر عليها كواكب نيرة من كوادر الحزب.. وطبعا ستجري عملية انتخاب لرئيس المؤتمر.. وحتى اللحظة – حسب الدكتور مريم الصادق المهدي – تقدم لمنافسة الإمام الصادق واحد من كوادر الحزب..في مسرى التصعيد للمؤتمر العام جرت انتخابات في فرعيات الحزب في مختلف مناطق السودان.. أشرق ما فيها فوز السيد حمدان محمد عبد المكرم وهو من أهالي غرب السودان.. ليس برئاسة أي فرع في الغرب.. بل فرع الحزب في كسلا بأقصى شرق السودان.. لا بالتعيين ولا بالتزكية.. بل بالانتخاب الحر المباشر..مثل هذه النهج القومي جدير بالاحترام والتقدير.. فهذا الوطن لا تحل معضلاته المتراكمة إلا عندما يختلط حابل القبليات فيه.. لا أقصد تلاشي القبيلة.. فذلك من نسيج الهوية والجينات السودانية الأصيلة.. لكن أن تتلاشى الجهويات التي تصنع من الاتجاهات الأربعة.. أربعة أوطان في وطن.. نتطلع أن ننجب جيلا جديدا من دينكا دنقلا.. وزغاوة حلفا الجديدة.. وجعليي الجنينة.. وشايقية كادقلي.. وفور بورتسودان.. وبجا الفاشر.. فلا يصبح للجنوب أو للغرب أو للشرق معنى غير الاتجاه الجغرافي..وربما يجدر – بمسلك حزب الأمة هذا – ان نعيد الاعتبار لما كان يفعله الحزب في الماضي عندما كان يرسل قياداته الى الأقاليم للترشح فيها.. فيذهب السيد عبدالله خليل الى كتم (اذا لم تخنِ الذاكرة).. ويذهب السيد الصادق المهدي الى الجزيرة أبا.. على الأقل من الوجه القومي في هذا المسلك تمتين للنسيج المعنوي القومي.. عندما تقبل أصوات الأرياف بمرشحين من خارج الملة القبلية والجهوية..ولا أريد أن أعكر على الأحباب في حزب الأمة جهدهم في الإعداد لمؤتمرهم المهم.. لكني كنت أتمنى أن يقفز السيد الإمام الصادق المهدي إلى الأمام أكثر.. فيمتنع عن قبول الترشيح لرئاسة الحزب.. مهما كانت المبررات التي تساق لتأبيده في الزعامة.. فأكثر من أربعين عاماً تكفي – جداً – ومن حق الأجيال الناهضة أن تجد الرعاية الأبوية منه وتكتسب الخبرة وهي تمارس الزعامة تحت بصره وسمعه وتوجيهه وإرشاده..سهل جدا أن تساق الأعذار التي تحتم بقاء السيد في الزعامة.. ولو نظر الجميع ببصيرة وتوكل على الله.. لوجدوا في حزب الأمة مائة صادق المهدي.. كلهم قادرون على قيادة الحزب الكبير.. ويكبر الحزب بتعدد خياراته في القيادة.. لكن يصغر بضيق – أو تضايق- الزعامة..ليت السيد الإمام الصادق المهدي.. يعقلها ويتوكل على واحد أحد.. يخرج من دائرة الأمة الحزب.. إلى دائرة الأمة الوطن.. فيتنازل عن رئاسة الحزب بعنفوان اختياره..ليته يفعلها هذه المرة.

الأحد، 15 فبراير 2009

15 فبراير 2009 - من أجل الموتى


من أجل الموتى


في حوار مع قناة الجزيرة حدد الدكتور خليل ابراهيم زعيم حركة العدل والمساواة كل مطالب حركته.. و التي على راياتها أريقت كل هذه الدماء.. المطالب على لسان خليل هي : ( نحن نطالب بتوفير الخدمات للمواطنين ..نحن نحارب من أجل مياه الشرب.. ومجانية التعليم ..والصحة .. ونحارب من أجل الكهرباء..والطرق..والبنيات التحتية الأساسية..ونحارب من أجل ترقية حياة الناس..) لم تدهشني المطالب بقدر ما أرعبتني.. لأنها بالتحديد هي مطالب كل أهل السودان .. وهو عين ما أقره خليل في بداية الحوار عندما قال (مشكلة دارفور تقريبا نحن نسميها مشكلة السودان في دارفور .. لأنها مشكلة عامة في كل أقاليم السودان..)إذا كانت هي مشكلة كل السودان.. من أرياف الخرطوم الى أقصى مدينة الجنينة غربا.. إذن لماذا الدماء؟ لماذا يفقد أهالي دارفور أرواحهم ؟. تترمل النساء ويتيتم الأطفال .. ويشرد الملايين من بيوتهم..لنفرض أن الحكومة في مفاوضات الدوحة وبضغطة زر Click حققت كل هذه المطالب لكل دارفور.. هل يسترجع القتلى أرواحهم.. ومن يدفع ثمن السنوات التي ضاعت من عمر أطفال عاشوها في المعسكرات حتى فاتهم قطار التعليم.. ومن يرجع للزوجات أزواجهن.. وإذا كانت – على حد قول خليل – تلك مطالب كل السودان.. لماذا لم يفعل بقية أهل السودان مثل مافعل.. فيقتلوا أهاليهم ويدمروا البنية التحتية ويشردوا الناس في المعسكرات..؟؟وهل يتطلب تحقيق هذه المطالب تعيين د.خليل أو قيادات حركته في الرئاسة أو أي مراكز دستورية أخرى.. لقد كانوا فيها أصلاً.. وتولوا هذه المناصب.. فماذا فعلوا فيها ؟؟أنني موقن أن د.خليل ابراهيم رجل متدين مخلص لدينه .. وحارب بنفسه وقناعاته هذه في الجنوب .. بغض النظر عن تقييم القناعات .. لكن من يخاطر بروحه من أجل المبدأ الذي يؤمن به لا يمكن أن يكون كاذباً في اخلاصه.. ولكن كيف يرد د.خليل عندما يقف أمام الله في يوم الحشر.. عن الأرواح التي أزهقت في حروبه الطويله.. هل يقول أنهم ماتوا من أجل الكهرباء والخدمات وماء الشرب.. وكيف ينعموا بالكهرباء وماء الشرب بعد أن دفنتهم الحرب في قبورهم..ألم يكن جديرا بخليل أن يتزعم حركة سياسية جماهيرية قوية من أجل هذه المطالب .. حتى ولو دخل السجن.. لقد فعلها رجل آخر اسمه نيلسون مانديلا قضى في السجن (27) عاما فوهب شعبه الحرية وتخلص من ديكتاتورية الأقلية البيضاء.. وخرج مانديلا من السجن الى قصر الرئاسة .. وبقى فيه أربع سنوات وتركه طائعا مختارا..لو كنت في مكان وفد الحكومة المفاوض في الدوحة ..لطلبت من خليل كتابة هذه المطالب في ورقة .. واعتبرتها اتفاقية السلام ووقعت وبصمت عليها بالأصابع العشرة..لكن المشكلة أن الحكومة .. كأطفال (السلسيون) أدمنت استنشاق عبير البنادق..!!.

السبت، 14 فبراير 2009

14 فبراير 2009 - الشتم


الشتم!!


في حوار تلفزيوني على شاشة قناة المستقلة بلندن.. أداره مساء أمس الأول الدكتور محمد الهاشمي.. كان ضيفا البرنامج الدكتور قطبي المهدي القيادي بحزب المؤتمر الوطني.. وكاتب هذه السطور..!!وبلا حاجة لإعادة سرد بعض القضايا المهمة في الحوار.. لفت نظري في آخر دقيقة ختم بها د. قطبي حديثه قوله عن كاتب هذه السطور أنه (ظل يشتم الحكومة لأكثر من عشر سنوات..).. وذلك رداً على حديثي عندما قلت أن على الحكومة إدارة خطاب سياسي متصالح مع الشعب.. وأن تتقوى به لا عليه..والذي لفت نظري – حقيقة – استخدام كلمة (يشتم!!!) الحكومة.. ولأني أملك أرشيفاً الكترونياً لكل ما نشر في حديث المدينة خلال (13) عاماً هي عمر هذا العمود بفضل الله.. فقد خطر في بالي البحث فيه عن هذه (الشتيمة) التي قال أنها امتدت لسنوات طويلة..واحترت فعلاً.. ماهي الجملة أو العبارة التي يجب أن أضعها في محرك البحث الإلكتروني لأجد الأعمدة التي ينطبق عليها وصف (يشتم!!!) الحكومة.. ماذا أكتب في حقل البحث ؟؟ ماهي العبارات التي تصنف على أن من فعل (يشتم!!).. هل لك أن تساعدني عزيزي القاريء على استنتاج الكلمات التي قد تقع في حيز (يشتم!!) الحكومة..مؤكد أنه لا يقصد تلك الكلمات المستخدمة في الشارع العادي تحت بند (يشتم!).. ربما كلمات أخرى أكثر تأدبا لكنها في ذمة (يشتم!) أيضاً..!!قطبي مهدي من الجيل الرائد في الحركة الإسلامية.. وحضر العهود التي كانت فيها الحركة الاسلامية تصدر صحيفة باسم (الميثاق الإسلامي)..هل كانت تلك الصحيفة تنتقد الحكومة تحت بند (يشتم!!).. بقامة كتابها الأكابر الصادق عبد الله عبد الماجد وعبد الرحيم حمدي وغيرهما.. هل كانوا (يشتمون!!) الحكومة.. عندما ينتقدونها..وفي الفترة الحزبية اللاحقة لعهد النميري أصدرت الحركة الإسلامية عدة صحف يومية معارضة للحكومة.. منها صحيفة (الراية) لسان حال الجبهة الإسلامية القومية ويرأس تحريرها الأستاذ – المرحوم – أحمد عثمان مكي.. هل كانت (تشتم!!) الحكومة.. عندما تنتقدها.. كتبت هنا بنفس اللغة عن أحزاب الأمة والشيوعي والإتحادي.. فهل يندرج ما كتبته عنها تحت طائلة (يشتم!!) أم أن (شتيمة!) هؤلاء في ميزان الحسنات التي تجعلها تستحق وصف (ينتقد).. فذات العبارات اذا استخدمت في شأن الحكومة تصبح (يشتم!!).. وفي حق الأحزاب الأخرى تصبح (ينتقد!)..لو خامرني إحساس بأن الدكتور قطبي المهدي يتحدث أصالة عن نفسه ونيابة عن أفكاره الخاصة لقلت ربما هي تقدير ذاتي.. لكنه رمز مهم جدا في أجهزة الحزب والحكم.. وتولى مناصب حساسة.. ولا يمكن إفتراض أنه يحلق بتقديراته تلك بعيدا عن السرب.. فهل عرفتم الآن لماذا يجب الدعاء دائماً.. اللهم لا نسألك رد القضاء.. ولكن نسألك اللطف فيه..!!ولا حول ولا قوة الا بالله..!!

الخميس، 12 فبراير 2009

12 فبراير 2009 - مفاوضات الدوحة

مفاوضات الدوحة ..!!
في الدوحة.. حيث تجري المفاوضات الابتدائية بين الحكومة وحركة العدل والمساواة.. تسربت أنباء عن بعض المطالب التي طرحتها الحركة تحت بند (بناء الثقة).. وتقصد به الحركة (تقديم السبت).. في انتظار (أحد) الحركة.. احد هذه المطالب هو اطلاق سراح المحكومين من أعضاء الحركة الذين أدانتهم المحكمة على ذمة العملية العسكرية في 10 مايو 2008 والتي شهدتها أم درمان..غالبية الأحكام صدرت بالعقوبة القصوى.. الإعدام.. وشملت جنوداً بسطاء اضافة لقادة أساسيين منهم محمد نور عُشر وهو الأخ غير الشقيق لزعيم الحركة د. خليل ابراهيم.. وعملياً هذه الأحكام تمر عبر مراحل القضاء المعروفة.. والتي تتطلب ربما تستغرق عاماً أو أكثر.. حتى تبلغ نهايتها.. نسبة للعدد الكبير من المدانين..وطبعاً يملك السيد رئيس الجمهورية حق العفو بعد إكمال القضاء لإجراءاته.. وربما تأمل الحركة في أن تقبض بيدها ضمانات قوية لصدور مثل هذا العفو لانقاذ رقاب قادتها وعضويتها من القصاص.. وطبيعي اذا استخدم الرئيس هذا الحق أن يكون على حيثيات تقديرات سياسية دقيقة تنظر للمصلحة العليا ودفع الضرر.. ولا يمكن لأحد أن يعترض على مثل هذه التقديرات أو يعتب عليها.. ولكن..إذا كان ذلك كذلك.. أليس جديراً أن يتمدد التقدير السياسي.. ويستبق كل هذا المأمول.. فيأمر بالعفو عن سجناء آخرين لا قتلوا ولا دمروا ولا أراقوا نقطة دم واحدة.. ومع ذلك ما زالت جدران سجن كوبر تحتضنهم منذ أكثر من ست سنوات..في سجن كوبر.. مجموعة من المحكوم عليهم في أحداث تخزين الأسلحة الشهيرة.. وتمدد العفو الرئاسي لكل مجموعة العسكريين المحكومين في نفس القضية.. بينما ظل كل المدنيين في السجن.. ثم أفرج عن نصفهم تقريباً بانتهاء مدة العقوبة.. وهي خمس سنوات.. بينما لا يزال بين أسوار السجن البقية الذين تتراوح عقوباتهم إلى عشر سنوات..سيكون مدهشاً.. أن يصدر عفو عن مدانين بالإعدام.. وعلى خلفية معارك عسكرية شرسة داخل أم درمان.. بينما يظل في السجن من لم تتلطخ يده بأي دماء.. وقضى في السجون ستة اعوام كاملة.. أكثر مما قضى سامي الخاج في سجن جوانتانامو..ليس معنى هذا أنني أرفض العفو عن مسجوني العدل والمساواة.. لا.. على النقيض.. كل نقطة دم سودانية تُحقن لتحفظ مزيداً من الدماء من أن تهدر هي مكسب للوطن.. لكن ليس من العدل أن لا يكون العفو إلا على أسنة الرماح.. وأن يظل الضعيف بين أحضان السجون طالما هو بلا سلاح ولا دماء..ليت العفو الرئاسي يبادر بمن هم في اليد.. قبل من يملكون اليد.

الأربعاء، 11 فبراير 2009

11 فبراير 2009 - وللسودان رب يحميه


للسودان رب يحميه..!!



كثير ما يسألني بعض الحادبين على الوطن.. ما تصورك لما سيحدث إذا ما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بتوقيف السيد رئيس الجمهورية.. والسؤال – طبعاً- لا يأتي تجريديا من باب للعلم من أجل العلم.. بل غالباً في سياق إشفاق من دواهي مستترة في الظلام يتحسب لها الكل..وللحقيقة لا أكتمكم سراً.. في تقديري أنه بعد إعلان المحكمة سيحدث (لاشيء).. وإجابتي هذه قد لا ترضي ظنون الكثيرين الذين يتوجسون من أحداث جسام.. لكن دعوني أناقش المسألة بمنتهى التجرد والهدوء..أولاً.. مجموع الشعب السوداني مصاب بالضجر الكبير من حالة الـ(لا) استقرار في شأنه السياسي.. ومحبط تماما من أي تفاعل مع أية جهة تحاول الصيد في الماء العكر باستهداف الأمن أو السكينة خاصة في العاصمة.. وبالتأكيد أى محاولة من أية جهة في هذا الاتجاه ستكسب عداء الشعب كله من لحظة صافرة البداية.. بعبارة أخرى لا أحد في الشعب يقبل بأي تعبير (ثوري) على حساب الاستقرار..ثانياً.. إجراء المحكمة الدولية هو مجرد (إعلان) لا يترتب عليه أى عقوبات على البلاد أو حصار أو ما يشبه.. لأن القضية في شكلها القانوني الخارجي لا تتمدد بأى حال إلى مجموع الشعب..ثالثاً.. بعد عشرين عاماً من الحكم والتجربة السياسية.. من العسير أن ترتكب الحكومة الخطأ القاتل.. أن تفترض أن أي إجراء من المحكمة الجنائية الرد عليه يجب أن يكون (داخلياً).. فالواقع رغم أن الجنائية الدولية تباشر هذه الإجراءات على حيثيات داخلية في دارفور لكن مجمل الإجراء هو في حيز (الأجنبي)..الذي لا يجب أن يدفع فاتورته أحد في الداخل..رابعاً.. أى مساس بالاستقرار السياسي أو الاقتصادي للبلاد سيدفع فاتورته الشعب لكن مباشرة بعد الحكومة.. بعبارة أخرى.. توازن القوى السياسية ومفرداتها.. محكومة بعوامل سياسية واقتصادية كلها في الوقت الحاضر تصب في سلة حزب المؤتمر الوطني الحاكم.. فإذا سمح الوطني بالعبث بهذه المفردات فسيكون أشبه بما يفقده مليونير ضخم الخزائن.. مقارنة بمستثمر صغير في البورصة اذا ترنحت الأسهم..من مصلحة الجميع.. حكومة وشعباً.. ان تمر أزمة الجنائية الدولية بآمن ما تيسر.. أن لا تقع البلاد في كمين الفضوى.. وللدهشة.. ربما هذا هو أيضاً حلم المجتمع الدولي مهما قيل عن مؤامراته.. فمن اليقين أن المجتمع الدولي لا يبحث عن تكرار لنسخة الصومال أو لبنان (زمن الحرب الاهلية).. لأن من يدفع فاتورة تلك الفوضى هو ذاته المجتمع الدولي قبل المجتمع السوداني..على هذا أتمنى أن ترتاح الهواجس من عقول السودانيين.. (محلولة باذن الله).. (لاشيء) سيحدث..!! فللسودان رب يحميه..!!

الأحد، 8 فبراير 2009

8 فبراير 2009- الناس في شنو


الناس في شنو ..!!


الطرفة السودانية الشهيرة تقول.. إن رجلاً (بارد الأعصاب) جاءته زوجته تولول وتنوح..فقالت له أن خبرا وصلها للتو أن أمها ماتت.. وكان الرجل لحظتها ينظف (غليونه).. فرفع رأسه اليها بتراخٍ وكسلٍ وهو يقول ( إنتي في أمك.. ولَّا في كدوسي الما عايز يولع دا ..)..هذا هو بالضبط حال السودان اليوم..في الوقت الذي تحدق بالبلاد المجاهيل.. وتتأهب المحكمة الجنائية الدولية لاعلان قرارها الخطير.. انشغلت البلاد وغاصت تماما في وحل جدلية غريبة.. زواج (الإيثار والمسيار).. وبين حلال وحرام .. وأخذ ورد ..بدا السودان وكأنه في ذلك الزمن الذي انشغلت فيه بلاد العرب بفتاوي مثل هذه .. بينما عدو يتربص بها.. وعلى رأي المثل السوداني الشهير .. (الناس في شنو ..) !لا أدل على أن البلاد تذوب في شيمة و متاهة.. أكثر من الذي حدث خلال الأيام والأسابيع الماضية.. تطوع مجمع الفقه الإسلامي بفتوى .. لا يهم كثيراً في سياق هذا العمود اليوم تفاصيلها أو صحتها .. بقدر الإشارة إلى التوقيت وتشتيت الإنتباه عن محنة الوطن الذي جرته الى المشهد العام..حينما تكون الأوطان في لحظات الأنحدار الحرج نحو مصير خطير.. يفترض أن ينتبه الخطاب العام وتتركز القوى العقلية كلها في الاتجاه المكبل للشرور.. لكن إذا تطوعت أي جهة مهما كانت نواياها صادقة أو عفوية.. فشغلت أثير التفكير الوطني بقضايا فرعية أو حتى رئيسية لا تلائم التوقيت.. فإن الوطن يغفل عن التماسك في وجه الجوارح القادمة في الأفق.. تنشأ حالة استنفار عقلي في الاتجاه الخاطيء .. ويصبح لسان الحال .. على رأي ما ورد في الطرفة التي بدأت بها هذه السطور.. عندما تكمل المحكمة الجنائية الدولية تدابيرها وتعلن قرارها المنتظر .. غالباً ستجد شعوب السودان لم تتفق بعد على فتوى زواج الإيثار.. وربما يجد الكثيرون أن متابعة الجدل حول الفتوى أكثر اثارة وتشويقاً من الإنتباه لمتواليات ما (ربما!) تنشأ بعد قرار المحكمة.. وسواء مر القرار بعد ذلك بهدوء أو ببعض هزة.. فإن المشكلة الحقيقية في كون أن الضمير الوطني وصل الى حالة الـ(لا) مبالاة التي تنجب مثل هذا الجدل في مثل هذا التوقيت..هناك الكثير من مثل هذه الفتاوي قادرة على شد الإنتباه وتبديد الطاقات في الخلافات الفقهية.. هذا لا يهدر أهميتها وكونها مطلوبة لمعالجة واقع أو التعامل مع اشكالية يبحث الناس لها عن حل.. لكن هل الفقه صندوق مصمت عديم البصيرة لا يرى مردود فتاويه وتوقيتها ..هل من المناسب أن يصعد رجل الى المسرح في حفلة عرس ليقرأ القرآن بين فاصل غنائي وآخر .. قداسة القرآن وفضله يتناقض هنا مع (التوقيت!) .. البعد الرابع في حياة الإنسان هو الوقت.. ولا يمكن استكمال الحكمة من الأمر الا بعد تدبر التوقيت ..حتى القرآن نفسه لا يفسر الا بعد النظر الى وقت نزول الآية..

الثلاثاء، 3 فبراير 2009

3 فبراير 2009 .. قولوا ..خير


(قولوا.. خير..)!!


ليس أفضل من الآن لإنقاذ عملية السلام في دارفور.. بعد أن أعلنت حركة العدل والمساواة استعدادها لمفاوضات الدوحة وإرسالها لوفد مقدمة لبدء الجولة التمهيدية..صحيح الوضع الميداني في دارفور ملغم بالتحركات الأخيرة لحركة العدل والمساواة التي أزاحت حركة جيش تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي من معقله العتيد في (مهاجرية).. والمشهد ملبد بغيوم من كل الأطراف لإعادة ترسيم الخارطة الميدانية.. لكن مع ذلك فإن البصير يرى في ما يحدث – رغم عنفه- ترتيبات سلام أكثر منها حرب.. بافتراض أن الهدف من كل هذه التحركات الأخيرة هو تحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات أكثر منها على الأرض..أهم ما يعترض سبيل مفاوضات الدوحة هو (التعددية).. تعددية الحركات التي تتطلع كل منها للحديث باسم الإقليم المحترق.. ومشكلة هذه (التعددية) أنها مفتوحة على مصراعيها ليس لحركات موجودة على الأرض أو الانترنت فحسب.. بل لحركات أخرى قادمة في الطريق.. تتولد من انسلاخات متتالية في الحركات الدارفورية..حتى حركة العدل والمساواة التي اكتسبت بريقا في الفترة الأخيرة.. ستكون في مهب رياح الانقسامات فور دخولها في العملية السلمية.. لأن التناقضات لا تظهر تحت ضغط وغليان مرجل العمل العسكري الميداني الذي يساوي بين الجميع تحت دوي المدافع.. لكن حالما تتوزع الأنصبة.. ويدخل الجميع تحت مظلة بروتوكول (قسمة السلطة والثروة) ويصبح مطلوباً من بعض الكوادر أن تنخرط في العمل السياسي الناعم المنعم بالامتيازات.. بينما تبقى كوادر أخرى ممسكة بالسلاح.. في تلك اللحظة فقط تتغير الأمزجة والولاءات..الذين يأتون إلى الخرطوم – كما حدث لحركة مناوي- يتولون العمل الأكثر رنيناً اعلامياً.. وقبله مالياً.. لكن القادمين إلى الخرطوم من هؤلاء يعتمدون على دعم حاملي البنادق في معسكرات الفصائل.. فيزيد من إحساس الغبن عند هؤلاء الجنود أنهم هم الذين بفوهات البنادق يحفظون للساسة في الخرطوم هيبتهم واحترامهم.. ومناصبهم.. فيعتريهم إحساس (اذهب للسجن حبيساً.. ريثما أذهب أنا للقصر رئيساً..) ومن هنا تنشأ التمردات الداخلية في الحركات.. فيتحول المقاتلون من حركة إلى أخرى بحثاً عن الذات.. وهذا هو بالضبط ما حدث لحركة السيد مناوي كبير مساعدي رئيس الجمهورية.. فجنوده بدلوا ولاءهم وذهبوا إلى العدل والمساواة.. وعندما تسالم العدل والمساواة.. وتترك جنودها في المعسكرات في الصحاري يذهب جنودها إلى أقرب فصيل متاح.. وهكذا.. تتحول العملية السلمية إلى متوالية مستمرة لا تفضي إلا إلى زيادة (كبراء المساعدين)..الأجدر في تقديري.. عندما تذهب الحكومة إلى مفاوضات الدوحة.. أن تفاوض على مصير الجنود والأهالي قبل القيادات.. وأن تحل مشكلة حملة السلاح في الميدان قبل حل مشكلة حملة الوجاهات السياسية..ولحسن حظ الحكومة.. مطالب هؤلاء الجنود والأهالي.. بسيطة سهلة يسيرة..!!فقط قولوا (خير)..!!

الاثنين، 2 فبراير 2009

2 قبراير 2009 عيب عليكم ..مدني..!!


عيب عليكم.. مدني..!!

بؤس.. فقر حال.. هو أول ما انتابني من إحساس لحظة وصولي أمس إلى مدينة واد مدني.. شوارع ضيقة.. نصف مسفلتة.. يعلوها الغبار وتركض فيها سيارات ناعسة.. ومباني أغلبها (من الأرشيف).. المشهد لا يدل على مدينة بأي مستوى.. فضلاً عن أن تكون المدينة الثانية في السودان بعد الخرطوم.. هل هذه (مدني) التي تغنى بها الشعراء وأجزلوا فيها العشق؟ سبحان الله..لا يلفت نظري شح الحال وحده.. لكن يدهشني الإصرار العنيد على (بقاء الحال على ما هو عليه).. زُرت مدني في سنوات متباعدة.. وفي كل مرة لسان حالها (غيب وتعال.. تلقانا نحن يانا نحن).. كأنها تمارس طرد الأعين وتجفيف الآمال للقاطنين فيها أو الآملين في الإقامة فيها.. أليس لهذه المدينة وجيع يحلم أن يراها تستعيد مكانتها أو حتى تنافس –عن جدارة- الخرطوم.. ما الذي ينقصها مدني؟ هل ينقصها المواطن المستنير الذي يستحق أن يعيش في مدينة متحضِّرة؟ هل تنازل إنسانها عن حقه في الحياة الكريمة.. ورضي بالستر.. أطلال مدينة.. لا بل قرية.. أم تنقصها الإرادة السياسية التي تُرغم المسؤولين عنها أن يكابدوا شح أنفسهم يجعلها مدينة في مستوى النظر.. النظر الرسمي..المدينة التي كان أهلوها إذا سئلوا من أين هم فنطقوا باسمها ترتفع الأعين لتحدّق فيهم بغيرة لا تخلو من حسد.. وكان مجرّد الإنتماء إليها شرف يستوجب أن ينسى الإنسان من أي قبيلة أو إقليم في السودان جاء.. فقط كلمة (من مدني) تغمر الإحساس بالفخامة.. ما الذي جرى لهذه المدينة..أن تتأخّر في عمرانها.. ممكن.. أن تتأخر عنها الخدمات ممكن.. أن يغمرها الشظف وكآبة المنظر.. ممكن.. لكن أن تكون راضية بذلك على الدوام.. لا تتغير.. وأهلوها جيئة وذهاباً فيها بلا أدنى إحساس بأنهم مظلومون.. مغبونون.. مهمَّشمون.. مع سبق الإصرار والترصد.. هنا المشكلة..ربما يقول قائل إن مدني هبة (مشروع الجزيرة..) وأنها معه تحتضر الآن.. لكن هل كان أهل مدني مجرّد عالة على المشروع الكبير؟ يحرّكهم بحركته ويقتلهم بسكونه؟ هل يصدِّق أحد.. مدينة بمقومات مدني تنتظر قرار الحياة من (أفندية..). مسكين.. (محمد مسكين) عندما غنى (ولا أسيب مدني وأجي أسكن حداك..) الواقع أنهم لم (يسيبوها).. فهي أصلاً (سائبة).. بمثل هذا الحال الكفيف..بصراحة يا كل أهل مدني.. عيب عليكم.. مدينتكم لا تستحق كل هذا الزجر.. قولوا لنا أين المشكلة.. فيكم أم في الزمن؟!

الأحد، 1 فبراير 2009

1 فبراير 2009 عميد الشعب


عميد الشعب..!!


منظمة (بحري مدينتي) تضع اللمسات الأخيرة لتكريم أحد رموز التعليم في السودان.. في يوم الخميس القادم (5 فبراير 2009) .. الأستاذ ميسرة السراج عميد مدارس الشعب المعروفة بالخرطوم بحري..وقصة الأستاذ ميسرة السراج مع التعليم مدهشة في كل تفاصيلها.. لكن المحزن جداً أن لا تحتفي بها الدولة التي كرمت يميناً وشمالاً كثيرين ما أعطوا بمثل ما وهب ميسرة السراج بلاده من مئات الآلاف من الخريجين الذين ينتشرون في كل أطراف العمل العام والخاص..كان الأستاذ ميسرة معلماً في مدرسة أجنبية بالسودان ..أيام الإستعمار.. فياضاً بالوطنية والأخلاق لبلده فأدت مواقفه الى فصله من المدرسة.. فما كان من الطلاب إلا أن سيروا مظاهرة حملته على الأكتاف وطالبت بعودته للتعليم.. بل وأوجدت له موقعا آخر ليمارس منه رسالة التعليم .. فواصل فعلا منه عمله لتصبح في النهاية مدارس الشعب .. عرفاناً وجميلاً لمن أسسها وهو الشعب الذي تظاهر وأصر على رجوعه للتعليم .. ورفض الإستعمار منحها الترخيص ومع ذلك لم ييأس الأستاذ ميسرة وواصل الحفر في صخور التعليم حتى نال الإعتراف الرسمي بالمدرسة بعد خروج المستعمر في العهد الوطني..بدأت مسيرة مدارس الشعب في التعليم منذ منتصف القرن الماضي.. أى أن عمرها الآن حوالى (60) عاماً كاملة .. ظلت طوال هذا الزمن الطويل في مهب أمواج متغيرات السياسات التعليمية والإدارية الأخرى.. وفي صمت بعيداً عن الأضواء يتخرج منها مئات الآلاف من أبناء وبنات السودان .. واحدة من أعرق وأكبر المؤسسات التعليمية الخاصة في السودان .. وينتشر غرسها وثمارها في مختلف الأنحاء وأدرك أن كثيراً منهم سوف يقرأ هذه الأسطر بعنفوان الذكرى والإحساس بالجميل لمن زرع فيهم التربية بأسمى معانيها..طوال هذه السيرة التعليمية الطويلة لم يركن الأستاذ ميسرة إلى غير عمله وجهده دون رجاء او انتظار لمنة رسمية أو شعبية.. يدير المدارس تحت اشرافه المباشر ويساعده أبناؤه وبناته .. بأعلى تفان ومعايير تربوية وأخلاقية لا تخلط معايير الجودة بأى معايير تجارية .. كما هو سائد في ثقافة التعليم الخاص اليوم.. مدارس الشعب ببحري ليست مجرد قصة نضال ضد المستعمر .. رغم أنها بدأت قصتها من نقطة الصراع ضد إدارة الإستعمار لكنها مؤسسة نموذجية لتواصل الحرص على معايير التربية السليمة.. ويبدو غريباً أن لا تحتفى الدولة بمثل هذه القدوة الحسنة.. بل وتقدم لها ما ييسر رسالتها ..وعلى النقيض تماماً لما حاول الأستاذ ميسرة إكمال حلقة التعليم بتأسيس كلية جامعية وجد من البيروقراطية الديوانية مقاومة عنيدة جعلت كل محاولاته تترنح جيئة وذهاباً بين المكاتب وأيدي الموظفين ..بينما ينال آخرون (ليس لهم علاقة بالتعليم إلا علاقة الصدفة) هذا الترخيص دون أن يجهدوا أنفسهم بتسلق الإجراءات الروتينية المملة..ليت الحكومة تكمل احتفاء منظمة (بحري مدينتي) .. بعميد التعليم الأهلي في السودان.. فتمنحه رخصة الكلية الجامعية التي تكمل حلقات رسالته التعليمية..