السبت، 31 يناير 2009

31 يناير 2009 صحافة الجيل الخامس


صحافة الجيل الخامس..!!


بعد أن ودّع الدنيا بكتابه (مذكِّرات مودِّع) رحل فجر أمس الأستاذ اسماعيل العتباني أحد آباء الصحافة السودانية.. الذي أسس صحيفة (صوت السودان) ثم تركها ليؤسس صحيفة (الرأي العام) في العام 1945.. والتي سطّر بها اسمه ناصعاً في تاريخ الصحافة.. فانتقل برروحه إلى خلود الآخرة.. بعدما خلَّد اسمه وذكره في الحياة الدنيا بإبنه (الرأي العام) الذي بلغ من العمر (64) عاماً.. ولا يزال على أشب ما يكون..إسماعيل العتباني من روّاد الجيل الأول للصحافة السودانية.. الجيل الذي يضم في قوائمه الأساتذة حسين شريف وأحمد يوسف هاشم.. ومحمد أحمد محجوب وعرفات عبد الله.. من حملة الأقلام حتى تخوم الثلث الأول من القرن العشرين.. ثم خلف من بعدهم الجيل الثاني.. بشير محمد سعيد ومحجوب محمد صالح ومحجوب عثمان (ثلاثي الأيام الذي أسسها في العام 1953).. ومحمد الحسن أحمد.. ومحمد مكي (صحيفة الناس) وعبد الرحمن مختار (الصحافة 1963).. وعبد الله رجب ومحمد سعيد معروف (صحيفة الصراحة).. ومحمد أحمد السلمابي (الرأي العام) وحسن نجيلة.. وآخرون ربما أفلت من ذاكرتي بعضهم حال كتابتي لهذه الأسطر.. وتبعهم الجيل الثالث.. فضل الله محمد والفاتح التجاني وحسن ساتي ومحمد علي صالح وآمال عباس وبخيتة أمين والكواكب الأربعة عشر من أمثال محجوب عروة ونور الدين مدني وبابكر عراقي.. وبقية العقد الفريد..ثم الجيل الرابع حسين خوجلي ومحمد طه ومحمد لطيف وفيصل محمد صالح وبقية أبناء وبنات جيلهم.. وأرجو أن لا يكون سرد الأسماء من الذاكرة بهذه العجالة سبباً للاعتذار لمن لم يتحفني الوقت والمكان بذكرهم..ويتخلّق الآن الجيل الخامس من الصحافة السودانية..!!وفي تقديري أن الآباء المؤسسين من أمثال المرحوم اسماعيل العتباني فاقوا حتى محيطهم الإقليمي العربي والأفريقي في سمو الصحافة المهنية التي قدموها.. لكن الصحافة السودانية من بعدهم ركنت كثيراً إلى مصدات الرياح.. رياح التغيير.. حتى غشيها التثاؤب في الفترة الأخيرة.. فأصبحت في حاجة ماسة للإنطلاق إلى (صحافة الجيل الخامس).. صحافة السفور من كثير من المسلمات القديمة التي تكبلها وتقعد همتها المهنية..اللهم أرحم أستاذنا إسماعيل العتباني وأجزل له عطاء الرضاء والقبول في أعلى الجنان.. فهو أهل لحسن ثواب ما أنت أهل لعطائه..

الجمعة، 30 يناير 2009

30 فبراير 2009 الى متى ؟؟

إلى متى ؟؟

حدث قبل ثلاثة أيام.. في مدرسة علي ابن أبي طالب في مدينة رفاعة.. استدعى المدير ولي أمر الطالب محمد عمر البلة.. بحجة أن ولده سقط مغشياً عليه أثناء اليوم الدراسي.. الأب ومعه خال التلميذ أسرعوا بالتلميذ الى المستشفى وبدأت – تلقائيا – التحاليل الطبية للبحث عن (الملاريا).. والتلميذ مغمى عليه تماما..لكن فجأة إنقطع مسلسل التحاليل عندما تلقى الوالد مكالمة من البيت تخبره أن أحد التلاميذ من زملائه أخبرهم أن ابنهم تعرض للضرب المؤلم من أحد معلميه.. الطبيب غير اتجاه البحث واكتشف علامات الضرب على التلميذ الذي يبلغ (14) عاماً.. ضربة في رأسه وأخريات على ظهره .. طلب الأطباء صور مقطعية للرأس أسرعوا به والتقطوا الصور وكان التلميذ لا يزال في غيبوبة كاملة.. قال لي الأب .. أنه بعد استلام الصور لاحظ توقف حركة ابنه بشكل كامل.. أرجعه للطبيب .. وضع يده وتحسس النبض .. ثم رفع يديه قائلا (الفاتحة..)مات التلميذ محمد عمر الذي كان أكمل استعداده لامتحان شهادة الأساس .. التقارير الطبية تؤكد وجود النزيف داخل رأسه .. تصوروا المشهد .. أسرة تودع إبنها في المدرسة وتستأمنها عليه.. تستدعيهم المدرسة لأن ابنهم مغمى عليه.. للدرجة التي تفترض الأسرة أن الأمر مجرد ملاريا حادة.. فتكون النتيجة ان التلميذ الصغير تلقى ضربات مميتة.. أودت بحياته.. وبدلا من ان يتسرب العلم الى خلايا عقله..تسرب الدم من عروق دماغه ليلقى ربه ..شاكياً ما وصل إليه حال التعليم..ما الذي يجري في البلاد.. عشرات السنوات التي كان فيها التعليم (تربية وتعليم) .. لم نسمع بتلميذ فقد روحه تحت وطأة الإهمال في توفير مقومات التعليم الأساسية.. مدرسة ومدرس مؤهل للتدريس ..الأب قال لي أنه استعوض الله في ولده.. فما يرجعه اليه من بعد ما انفصل الجسد عن الروح.. لكن من يرجع التعليم إلى (التربية) على ما كانت عليه زمان.. عندما كان المعلم والداً ومربياً .. صحيح كنا في مدارسنا نتعرض للضرب .. لكن لا أذكر أن معلما ضرب تلميذا في رأسه.. أو أن مدرسة طلبت من ولي أمر استلام (جثة) ولده تحت غطاء الاصابة بالملاريا..قد تكون هذه الواقعة وصل إلى مسامعي لأن هذا الوالد المكلوم وجد من يوصلها إلى أسماع وعيون الصحافة.. لكن ياترى كم من قصة أخرى دفنت في صمت كامل.. وكم من قصة أخرى لم يجد ضحاياها حتى حق النواح العلني .. فاستسلموا للأنين المكتوم في الصدور.. وحمدوا الله الذي لا يحمد على مكروه سواه..التلميذ محمد .. يرقد تحت التراب وذنبه ليس في رقبة معلمه أو مدير المدرسة وحدهما ..بل في كل (السستم) .. الذي يجعل مثل هذه مجرد قصة يقرأها الناس فتدمع عيونهم .. وينتهي العزاء بانتهاء مراسم البكاء المكتوم في الصدور ..إلى متى ..؟؟ الله أعلم ..

الخميس، 29 يناير 2009

29 فبراير 2009 - في بورتسودان


في بورتسودان..!!


قضيت يوم أمس الأول.. ونهار الأمس في مدينة بورتسودان.. هذه المرة بدعوة كريمة من (مجموعة دال).. لزيارة صوامع الغلال التابعة لها في الميناء.. لمزيد من الحوار والمعلومات حول قضية أسعار القمح والدقيق التي ربما تذكرون أنني تحدثت عنها في شهر ديسمبر الماضي..وقبل مواصلة القضية.. يجدر بي الإشادة بهذا المسلك من مجموعة دال.. ممثلة في رئيسها السيد أسامة داؤد عبد اللطيف.. وشقيقه ايهاب العضو المنتدب في (سيقا).. وطبعاً قبلهما أستاذنا الكبير محمد الشفيع مستشار المجموعة.. منذ أول عمود كتبته عن مراجعة أسعار الدقيق لفت انتباهي الاهتمام الكبير من مجموعة (دال) بالأمر.. ودعوتهم لي لجولة في مطاحن القمح ببحري (سيقا) وتقديم عرض مصور Presentation لشرح أبعاد المشكلة وخيارات الحل.. ثم لقاء طويل مع أسامة داؤد قدّم فيه حيثيات المنهج الذي اتبعته (دال) في التعامل مع الأزمة العالمية للقمح.. كتبت بعد ذلك مرة أخرى.. وكان عكس اتجاه تيار مجموعة دال في حيثيات أسعار الدقيق.. وربما أحسوا في (دال) أن ما كتبته لم يكن منصفاً لهم.. وبدلاً من التعامل بالسائد في السوق بين الصحافة والمؤسسات العامة والخاصة.. حيث تنشأ الجفوة وربما الخصام إذا افترض طرف أن الآخر لم يتسق مع رأيه.. أخونا المستشار محمد الشفيع.. وهو رجل ذو خبرة نادرة في الإدارة.. وكان مديراً عاماً لشركة شل السودان.. خصص مزيداً من وقته ورتّب لي زيارة إلى مدينة بورتسودان لشهادة عين على تفاصيل هذه الصناعة المعقدة..وبصراحة لفت انتباهي فعلاً.. الإصرار الفريد من مجموعة (دال) على بذل مزيد من المعلومات والحوار في الأمر.. على الأقل يمنح ذلك إحساساً بثقتهم في موقفهم.. وقوة حجتهم.. علاوة على اهتمامهم الكبير بالصورة الذهنية Image لدى الرأي العام.. فالشركة التي ترتفع حساسيتها لمثاقلها في نظر المجتمع والناس عامة.. هي بالتأكد في حيز الإدارة الرشيدة (Good governance) وعلى النقيض من ذلك.. المؤسسات التي تعمل وفق نظرية (الكلب –لا مؤاخذة– ينبح والجمل الماشي..) هي كهوف ومغارات مظلمة تدرك أن نشاطها لا يستحق النور..ربما واحد من الاستدراكات التي يجدر الإشارة إليها عن مجموعة (دال) أنهم يفترضون أن التبرج أمام الإعلام بمنجزاتهم فيه درجة من التمجيد أو التباهي الذي يهدر وقار الأعمال.. لكن في تقديري أن ذلك مفهوم خجول يظلم الأعمال الناجحة.. فالإعلام ليس محض افتخار وملق.. بكل بساطة هو حق المجتمع في أن يكون مدركاً للجميل قبل القبيح.. ولعل ذلك ما عنته الآية الكريمة (ان تبدوا الصدقات فنعما هي..) والمقصود طبعاً (الإبداء) الإيجابي الذي ينشر فضيلة نموذج القدوة الصالحة.. لا (الإبداء) السلبي الماكر الذي يتصل بـ(المنِّ والأذى..) وفي زمن مثل هذا تشح فيه الفضائل.. يصبح نشر الفضيلة في حدِّ ذاته فضيلة..توكلنا على الله.. لنبدأ في تقليب حيثيات الموضوع.. أسعار الدقيق..!!

الأربعاء، 28 يناير 2009

28 ينايير 2009 أمتع نفسي بالدهشة


(أمتِّع نفسي بالدهشة..!!)
(العمود منع من النشر بوساطة الرقابة الأمنية)
قلت لكم.. وعلى رأي شاعرنا المرحوم عمر الطيب الدوش في أغنية الحزن القديم (أمتع نفسي بالدهشة..).. من المدهش لحد الإمتاع.. أن الحزب الشيوعي بكل أطنان التوجس التي تتلبّسه منذ خُلق.. صار الآن حزباً مفتوحاً في الهواء الطلق يعقد مؤتمره العام في قاعة الصداقة.. وهو حزب رئيسي في المعارضة.. بينما في الطرف الآخر.. الحركة الإسلامية والتي تتولى الحكم في البلاد ولعشرين عاماً خلت.. تحوَّلت إلى العمل تحت الأرض.. محاطة بالسرية.. وكأني بكم تسألونني لماذا؟؟الحركة الإسلامية هي خلاصة تركيبة ثورية تاريخية استغرق انضاجها قرابة النصف قرن.. نجحت في الوصول إلى مرحلة الدولة باقتطافها الحكم في فجر الثلاثين من يونيو1989.. ثم بقيت في الحكم طوال عشرين عاماً رغم الأعاصير الهوجاء في التسعينيات.. لدرجة شن هجوم صاروخي من أكبر قوة عسكرية في العالم.. في 20 أغسطس عام 1998.. غارة مصنع الشفاء..هذه الحركة الإسلامية مفرداتها من الصفوة وأجيال النهضة الطلابية في سني الستينيات حتى الثمانينيات.. ومن السذاجة بمكان افتراض أن كل منتسبي هذه الحركة الجرارة تحولوا إلى موظفين في بلاط صاحبة الجلالة الحكومة أو انتهى دورهم بانتهاء مراسم التمكين.. على النقيض تماماً.. مثل هذه الحركة مؤهلة تماماً ليس لتصحيح مسار الحكم بل تغييره إذا لزم الأمر طالما تملك العقول والنخوة الفكرية اللازمة.. ومن هنا نشأ التوجس منها.. توجس الحكومة طبعاً..بالحساب.. المعارضة السياسية المتوفرة حالياً من أقصى يسار الحزب الشيوعي إلى أقصى يمين أحزاب الأمة والاتحادي.. لا تشكّل هماً يقلق مضاجع الحكومة أو تخشى من مقدرتهم على أرجحة كراسي الحكم.. لكن في المقابل تدرك الحكومة أن الحركة الإسلامية بذات الإرادة التي صنعت بها التغيير السياسي في 30 يونيو 1989.. تستطيع إعادة تصحيح المسار.. وتبديل الوجوه الحاكمة..من هنا نشأ التحسب منها.. والرغبة في حبسها في قفص (منطقي!) يكبّل قدرتها على التعاطي مع الواقع السياسي ويحولها إلى مجرد (مانح بركات).. تخرج في المناسبات في شكل بيانات شجب أو لتعبئة الشارع لمسيرات الحكومة..تعقد الحركة الإسلامية مؤتمراتها القاعدية في تكتم شديد.. وتتصعّد قياداتها بفرمانات حذرة.. ثم تعقد مؤتمرها العام تحت حراسة مشددة تمنع تعكير صفو الأجندة المرسومة بعناية.. أجندة تضمن استمرار حالة (التجميد) في درجات حرارة لا ينمو فيها الضمير المستقل الحر المنفتح..ولتحقيق هذا الهدف.. تحتكر قيادة الحركة لذات القيادة الحزبية في المؤتمر الوطني التي هي نفسها قيادة الدولة.. فيظل –مثلاً– الأستاذ علي عثمان.. نائب رئيس المؤتمر الوطني.. ونائب رئيس الجمهورية.. والأمين العام للحركة الإسلامية.. لضمان استمرار الحركة الإسلامية مجرّد إدارة أو فرع صغير للمؤتمر الوطني..عرفتم لماذا حُوِّلت الحركة الإسلامية إلى منظمة سرية.. لأن الحكومة لا تخشى الحزب الشيوعي –بل مستعدة لتمويل مؤتمره العام- لكنها تتوجّس كثيراً من الحركة الإسلامية..!!

الثلاثاء، 27 يناير 2009

27 يناير 2009 - تجريب المجرب


تجريب.. المجرّب..!!

رئيس الجمهورية في ولاية نهر النيل.. افتتح بعض المشاريع الحيوية على رأسها مصنع السلام للأسمنت.. أحد أربعة مصانع عملاقة كلها على وشك الإنتاج في غضون الشهور القليلة القادمة لتغطي حاجة البلاد تماماً من الأسمنت.. وتتأهب الدولة للإحتفاء بالتوليد الكهرومائي من سد مروي خلال أيام قليلة..وهنا في الخرطوم.. زرنا أمس الأول كبري جزيرة توتي الجديد.. الذي يجري الاستعداد للإحتفال بإفتتاحه خلال أيام.. وقبله تم إفتتاح كبري رفاعة.. الحلم الذي ظل عالقاً في أمنيات أهالي المنطقة لعقود من الزمان.. و.. وو.. مشاريع في مختلف الاتجاهات وانجازات ليس من العدل والإنصاف إلا الإقرار بأنها في ميزان الحكومة.. ومع ذلك يجدر إكمال هذه الفقرة بكلمة.. ولكن..!!هذه المشاريع مهما سمقت.. لا تغني عن (الصلات الطيبة) بين الحكومة وشعبها.. بعبارة أكثر تحديداً.. العمل التنفيذي يوصله إلى ضمير الشعب العمل والخطاب السياسي.. ومهما كانت الإنجازات وفيرة.. فهي لن تكون أكثر مما حققه الجنرال إبراهيم عبود في ست سنوات فقط.. وليس عشرين عاماً.. بل وبحساب بسيط.. لو بقي عبود في الحكم مثل السنوات التي حكمتها الانقاذ حتى الآن لكان السودان في مصاف ماليزيا أو أضعف الإيمان مثل سنغافورة.. لكن عبود أودى به اضمحلال الخطاب السياسي وضموره..والوضع الآن عند الإنقاذ –سياسياً- أسوأ مما كان لدى عبود.. فعلى الأقل عبود لم تكن له طموحات سياسية وجهاز سياسي متمكن.. لكن الانقاذ الآن تكبت الخطاب السياسي وتبث رسائل سياسية تضرب في الإتجاه المعاكس.. ووفرت همتها السياسية تماماً بل استأصلتها.. واستبدلت (التي هي أحسن) بـ(التي هي أخشن).. وتعوِّل كثيراً على الكبت لا الإنطلاق السياسي..مثل هذا الوضع لا يجعل لمثل هذه الإنجازات صدى في نفوس الشعب أكثر من رنين إحتفالاتها.. ومهما تصوّر بعض الحاكمين أن التعويل على رسائل الإنجاز لتصبح خطاباً عملياً يغني عن الحاجة لخطاب سياسي رشيد.. فإن التجربة والبرهان تثبت خطأ مثل هذا التصور..الاتحاد السوفيتي –مثلاً– كان دولة عتية.. قارع أمريكا والغرب العلم بالعلم والإختراع بالإختراع.. حتى صعد معهم إلى القمر.. واستكشافات الفضاء البعيد.. وامتلك ذات الأسلحة النووية –وربما أفضل- كالتي تملكها أمريكا.. ومع ذلك ذاب وتلاشى هذا الفيل السوفيتي فاتضح أن ضخامة جسم الفيل وقوته.. وطول خرطومه ليسا ضماناً يمنحه قوة البقاء..الزجر السياسي والكبت ليس اختراعاً جديداً.. مارسته دول شهيرة عتية.. كلها انتهت إلى أرشيف التاريخ.. بينما ظلت دول صغيرة أصلها ثابت وفرعها في السماء لأنها تستلهم روح الخطاب السياسي المنفتح الذي يتعامل مع الشعب برشد ولا يهمل صوته أو ضميره..لن تمنع كل هذه الإنجازات طامة كبرى إذا أزفت.. إلا إذا استدركت الحكومة خطابها السياسي وأعادت النظر فيه..

الاثنين، 26 يناير 2009

26 يناير 2009 - نظام الحزب الواحد.. وحزب النظام الواحد


نظام (الحزب الواحد).. وحزب (النظام الواحد) ..!!


في المؤتمر العام الخامس للحزب الشيوعي هتف الأستاذ محمد ابراهيم نُقُد (يسقط نظام الحزب الواحد ..) واحتفت مانشيتات الصحف بالهتاف.. هل يأذن لي زعيم الحزب الشيوعي بتكملة الهتاف .. (يسقط نظام الحزب الواحد.. ويسقط حزب النظام الواحد) .. أيضاً..نظام الحزب الواحد الذي قصده الأستاذ نُقد.. هو النظام الذي لا تسمح المعادلة السياسية في داخله إلا بوصول حزب واحد فقط لسدة الحكم..حتى ولو تعددت الأحزاب ..وقد يتكون الحكم من عدة أحزاب.. ولكن في سياق (وسط الزهور متصور..).. أحزاب تكمل الزينة ويجوز في حقها بعض الحقائب الوزارية بشرط أن (تحفظ أدبها) وتدرك قاعدة (لزوم ما لا يلزم)..لكن زعيم الحزب الشيوعي في حاجة ماسة ليدرك – أيضاً – أن (حزب النظام الواحد) مآله إلى سقوط.. الحزب الذي تبنى فرضياته وأدبياته على أنه كتلة صخرية صماء واحدة .. يفكر برأس وعقل واحد.. وإذا أطل رأس آخر فلا يجني إلا الإنسلاخ أو الإنفصام في حزب جديد آخر.. وتلك أحد أكبر معطلات العمل السياسي الحزبي في ديارنا السودانية.. قدسية الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار..الأحزاب السياسية الرشيدة هي مجرد منابر Platform تسمح لكل من يأنس في نفسه الرشد الوطني أن يعتليها ويمارس الطموح السياسي على مد قدراته ومؤهلاته.. لكن المشكلة في سوداننا أن الأحزاب هبة السماء.. قادتها رسل مخلدة.. لا ينازعنهم في قياداتهم إلا هالك (سياسياً) .. فخطورة (النظام الواحد) على الأحزاب لا تقل عن خطورة (الحزب الواحد) على الأنظمة..والحزب الشيوعي السوداني مؤهل فكرياً وتنظيمياً لممارسة بروسترويكا رشيدة تؤسس لحزب ما بعد الألفية الثالثة.. الحزب الذي يحكم أحفاد الإستقلال.. فقط لو تبصر في منهج لا يتعبد في المسلمات التي عاش بها.. فالفكرة الماركسية التي أكد على اتباعها الأستاذ نقد .. والإسم – الحزب الشيوعي - الذي استعصى على التغيير ليس مشكلة في حد ذاتهما.. لكن المشكلة في أن يكون في الحزب ما لا يمكن تغييره ..(نظام واحد) لا يقبل المراجعة.. صحيح قد يُرضِي ذلك (الذكريات) و خلود الخبرة .. أو (الوفاء!) للماضي.. لكن من اليقين مع الزمن سيتحول الحزب الشيوعي إلى نادي (المحاربين القدماء) .. فيتلاشى مع تلاشي الممسكين بتلابيب الحل والعقد فيه..المدهش لحد الإنبهار.. أنه في ذات الوقت الذي يتحول فيه الحزب الشيوعي – وهو في المعارضة - إلى مؤسسة جهرية في الهواء الطلق.. تتحول الحركة الإسلامية – وهي في سدة الحكم - إلى منظمة سرية.. تدير إجتماعاتها بمنتهى التكتم والتعتيم.. فيعقد الشيوعي مؤتمره في قاعة الصداقة.. وتعقد الحركة الإسلامية مؤتمرها في أرض المعارض في منتهى السرية .. أتريدون أن أكشف لكم السر .. حسناً.. سأفعل باذن الله ..!!

الأحد، 25 يناير 2009

25 يناير 2009 - انقاذ الجينات النوبية


(إنقاذ الجينات النوبية)


لو كنت مكان السيد وزير الداخلية ..لأمرت بضرب حصار على أحياء (الكلاكلة).. مثل حصار غزة .. ثم فتحت معبراً واحداً .. مثل معبر "رفح" .. ثم أمرت بجسر جوي لنقلهم إلى أقصى الشمال.. حلفا وعبري والسكوت والمحس ودنقلا.. من حيث أتوا .. ولأطلقت على العملية (إنقاذ الجينات النوبية)!!في كتابه الفخم المصور.. (الفردوس المفقود) .. الذي تكلفت مجموعة دال المعروفة بطباعته ورعايته ثم تدشينه في حفل رنان ليلة الجمعة الماضي.. أبرز الأمريكي الدكتور هيرمان بيل صوراً لمدينة وادي حلفا قبل أن تغرق في بحيرة السد العالي.. الصور لا تحكي مجرد الماضي الوثير الذي كانت تتمتع به حلفا بل عمق الحضارة التي حُظي بها النوبيون في عزلتهم المحفوفة بالصحاري في كنف شريط ضيق على ضفاف النيل.."مجموعة دال" تألقت باختيارها أن تحتفي وتدشن الكتاب في حفل نوبي فني .. في مسرح مدارس (KICS) دعت إليه (من يهمهم الأمر) من النوبيين طبعاً.. وبعض الأجانب من (السودانيين!!) أمثال كاتب هذه السطور .. والجنرال أحمد طه .. ود. عمر محمد خالد.. ورأيت أيضاً د. منصور خالد .. والأستاذ ياسر عرمان .. والسيد جمال الوالي رجل الأعمال المعروف..وغاص المكان بالسحن النوبية التي تظهر واضحة من الجينات الوراثية في مقاطع الوجه قبل تضاريس اللسان.. المظاهرة النوبية تشكلت من ثلاثة أجيال .. الجيل الذي ذاق طعم حلفا الأصيل وعاش فيها ثم تضور عذاباً برحلة الفطام عند التهجير في الستينيات.. ثم الجيل الذي شب على الحياة في المهاجر .. في حلفا الجديدة .. ثم الجيل الذي لم ير إلا (الكلاكلة) لكنه تسامع بحكاوي (حلفا دغيم .. ولا باريس).. و رغم أنهم – الأجيال الثلاثة - رقصوا في الحفل حتى النخاع مع البلابل ثم وردي على ايقاعات النوبة.. إلا أن الجيل الثالث بدأ يفقد نوبية حلفا.. ويكتسب نوبية الخرطوم.. ومن هنا لزمت عملية (إنقاذ الجينات النوبية) ..في الكتاب المصور (الفردوس المفقود) لا تظهر حلفا مجرد مدينة عصرية بمبانيها وفنادقها ومرافقها الأخرى فحسب.. بل تكشف كيف أن الإنتماء الجيني هو حائط الدفاع الأول للمحافظة على الهوية الوطنية.. وتؤكد أن (القبيلة) ليست مجرد غريزة إنتماء ضيق.. بل هي بصمة وراثية تسمح للمضمون الأخلاقي في ضمير الإنسان أن يكتسي بمواد حافظة ضد عوامل التعرية التي تغير الأزمان والإنسان وتجعله مسخاً مشوهاً..واحد من أهم مميزات الإنسان السوداني .. من أقصى نمولي في الجنوب إلى أدنى حلفا في الشمال .. ومن الجنينة غرباً إلى بورتسودان شرقاً.. أنه إنسان محفوف بمواريث ثقافية تربط حياته بحزمة مكونات أخلاقية ومحددات سلوكية.. تحرم عليه العيش في فراغ لا إنتماء فيه.. وأي محاولة للتخلص من هذا الإنتماء الجيني القبلي .. تضرب مباشرة في الترسبات الأخلاقية والسلوكية عن الإنسان السوداني وتحوله إلى مسخ مشوه.. محروم من متعة العيش في كنف الإنتماء..

الجمعة، 23 يناير 2009

23 يناير 2009 - الحزب الشيوعي الجديد..!!


الحزب الشيوعي الجديد..!!


حسناً.. الرجوع للحق فضيلة.. أخيراً اقتنع الحزب الشيوعي السوداني بالخروج إلى العلن وإقامة مؤتمره العام الخامس في وضح النهار .. (وقاعة الصداقة كمان..!!) .. وهذا هو عين ما كتبته في المرة السابقة عندما أقام مؤتمر المديرية في ذات الدهاليز التي أُشتهر بها الحزب.. وبدت حينها – هذه الدهاليز- كما لو أنها خبرة وعادات يصعب التخلص منها ..أكثر منها فكرة ذات جدوى عملية..ربما لأن الحزب الشيوعي منذ مولده كان مؤسسة صدامية.. وكان يعيش معظم حلقات تاريخية على مبدأ (يا قاتل .. يا مقتول) .. ونتج عن ذلك تعرضه لتصفية جسدية قاسية في العام 1971 .. ثم عاشت قياداته تحت الأرض سنوات طويلة.. خرجت منها للعلن فترة قصيرة بين عامي 1985- 1989 ثم عادت تحت الأرض مرة أخرى بعد قليل من وصول حكم الإنقاذ للسلطة .. أدت هذه الخبرة المتراكمة إلى تشكل عقلية متوجسة حذرة يدمي عينيها العمل تحت الأضواء الكاشفة.. وتفضل الأنفاق والسراديب المحكمة الإغلاق.. وتسبب ذلك في جعل الحزب يعقد أربعة مؤتمرات عامة منذ ولد قبل أكثر من (60) عاماً.. أي بمعدل مؤتمر كل (15) عاماً..الآن .. يبدو كما لو أن الحزب الشيوعي قرر مراجعة (منهج تفكيره) والعمل في الهواء الطلق.. لكن هل يكفي مجرد عقد مؤتمر علني لتغيير واقع الحزب الشيوعي المتلبس بالقيود والحذر؟. الإجابة الأقرب للواقع .. هي لا ..الخروج إلى الفضاء الحر قد يبدأ بمؤتمر عام طليق السراح – في قاعة الصداقة – لكن بالضرورة لابد من ممارسة بروسترويكا جادة لإعادة تصحيح مفاهيم الحزب عن العمل السياسي.. فالفكرة التي تأسس عليها الحزب الشيوعي كانت أقرب الى (العقيدة) التي تُلبس النظرية والإطار الفكري شارات مقدسة تصادر حرية العقل في الإجتهاد المناهض لأسس النظرية.. وتجعل الإنتماء للحزب أقرب لـ(التعميد) .. أو (أخذ الطريقة) في أدب الصوفية..يحتاج الحزب الشيوعي أولاً إلى الإطاحة باسمه التاريخي.. الذي تخلصت منه عتاة الأنظمة الشيوعية السابقة.. والتي صار بعض دولها أعضاء في حلف الناتو.. خاصة وأن الاسم ارتبط بدلالات مؤثرة عاطفياً على عضويته تكبل قدرتهم على التفكير المنطلق في سماوات بلا حجب.. علاوة على الصورة الذهنية عند غالبية الجمهور أن الدخول تحت كنف (شيوعي) يخصم من التدين والدين معاً ..ويحتاج الحزب الشيوعي أيضاً لتجديد مفاهيم القيادة فيه.. إذا أراد الاقتراب من مصطلح (ديموقراطي) حسب أدبياته.. فالحزب الذي يؤبد الزعامة والقيادة فيه لا يستحق صفة (ديموقراطي!) إلا كما استحقتها ألمانيا الديومقراطية (الشرقية) سابقاً.. أو كما استحقها جمهور اليمن الديموقراطية! (الجنوبي) سابقاً.. أو حتى جمهورية السودان (الديموقراطية!!) في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري..تداول السلطة داخل أسوار الأحزاب .. قبل تداولها في القصر الجمهوري والبرلمان .. هو الطريق الوحيد لبناء وطن ديموقراطي..

الخميس، 22 يناير 2009

22 يناير 2009 - حائط الخرطوم العظيم ..!!


حائط الخرطوم.. العظيم!!

سيدي المبجّل والي ولاية الخرطوم.. متعّكم الله بعافية الإنصات.. لي طلب بسيط يسير.. أتصوّر أن ميزانية ولايتكم تحتمله.. ولكن إذا اتضح خطأ ظني.. وأنه فوق احتمال ميزانية ولايتكم.. فأرجو شاكراً وبإسم الشعب الشاكر.. أن تضيفوا لقائمة الرسوم.. رسماً جديداً (دمعة مجروح) لا (دمغة جريح).. ليغطي نفقات طلبي البسيط المتواضع..سيدي الوالي.. طلب بسيط.. نريد (حائطاً).. نعم مجرد حائط.. وقبل أن أبيِّن لسيادتكم الغرض من هذا الحائط يطيب لي أن أعيد لذاكرتكم أهمية (الحوائط) في تاريخ شعوب الكرة الأرضية..حائط (سور الصين العظيم).. الذي بناه شعب الصين للدفاع عن أرضه ولكبح الغزاة من الدخول إلى حرماتهم.. لم يسقط الحائط مع الزمن.. سقط الهدف منه بعد أن صارت الجيوش لا تتسلّق (الحوائط) بل تأتي من السماء.. لكن مع ذلك ظل الحائط قائماً يدر مليارات الدولارات للصين من جيوب السياح الذين يفدون من كل أركان الأرض لرؤيته..حائط (سور برلين) الذي قسَّم مدينة برلين في ألمانيا إلى شطرين.. غربي رأسمالي وشرقي شيوعي.. لكن الشعب لم ينفلق رأسه إلى شعبين.. عاش بضمير واحد إلى أن سقط (الحائط).. وعاد شعباً واحداً في بلد واحد تحت علم واحد..(حائط المبكى) في القدس.. الذي يتعبّد فيه اليهود ويترنّحون في صلوات بكائية.. يفرغون فيه حشرجات الحياة المترعة بالعذابات.. ثم يرجعون لممارسة (إبكاء) العالم بأسره من فعائلهم..وحائط (الجدران العازل).. الذي تقيمه إسرائيل في الأراضي المحتلة.. برهاناً لقوله تعالى (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء..) والجُدر هنا لا تعني الحائط وحده.. بل يتمدد المعنى للمقاتل من فوق السحاب على ظهر الـ(F 16) أو الأباشي..لكن (حائط الخرطوم) الذي نريده يختلف عن كل هذه الحوائط..!!في أي مكان مناسب في أيٍّ من المدن الثلاث.. في عاصمتنا.. لا يهم الموقع كثيراً لكن يفضّل أن يكون في مكان يسهل الوصول إليه بالمواصلات العامة.. مثلاً.. في الساحة الخضراء بالخرطوم.. أو ميدان البحيرة في أم درمان.. أو ميدان عقرب في الخرطوم بحري.. حائط لا يشترط أن يكون مرتفعاً.. من باب تخفيض النفقات العامة.. إرتفاعه في حدود مترين لا أكثر.. ولا يهم تجليده بالرخام أو حتى السيراميك.. لكن مهم –جداً– أن يبنى بالأسمنت المسلح.. لزوم المتانة وتحمل عوامل التعرية..سيدي الوالي..لا داعي لطرح (حائط الخرطوم) في عطاء.. ولا كراسة مواصفات.. ولا لجنة فرز ولا يحزنون.. أي مقاول والسلام.. فلا مشكلة.. إذا سقط في موسم الأمطار القادم.. سنبنيه من جديد.. (هو حد دافع من جيب أبوه..) على رأي عادل إمام في الفيلم الذي نسيت اسمه..سيدي الوالي.. أخيراً ستسألني لماذا (حائط الخرطوم) العظيم..؟؟لسبب بسيط يا مولاي.. (عشان الماعجبو.. يخبط رأسو عليهو..)صدقني.. سيقف الشعب في طوابير أمامه.. وسيطالب أهالي الولايات الأخرى.. بحوائط في ولاياتهم..

الأربعاء، 21 يناير 2009

21 يناير 2009 - قمة لله .. بمن دفع .!!


قمة لله .. بمن (دفع) ..!!


غزة وانتهت أحداثها وتحولت إلى الفصل التالي.. فصل إعمار ما خربه الإعصار.. ويصح الآن أن نرجع مرة أخرى إلى دارفور.. ونسأل ومتى ترتاح من الإحن .. ولئن تبرع الأشقاء العرب لـ(غزة) بمليارات الدولارات.. أليس من العدل أيضاً .. أن تنال دارفور بعض المليارات لوقف الحرب و كبح الشقاء ..في دارفور وقبل أيام قليلة .. هاجمت حركة العدل والمساواة معاقل رصيفتها حركة جيش تحرير السودان في منطقة (مهاجرية).. بلا أدنى إلتفاف إلى بيانات مع أو ضد.. أو حساب مَنْ ربح ومَنْ خسر لكن النتيجة مقتل وإصابة (160) مواطناً.. بينما تشرد الآلاف الذين هربوا بجلدوهم من هول النيران المحتدمة بين فرقاء دارفور..وفي توترات قبلية متواترة تجتاح بعض القبائل أخرى .. ويسقط تحت ظلال السيوف مئات الصرعى من الجانبين ويهرب النساء والأطفال الأرامل واليتامى إلى ملاذٍ ليس بأمن في مكان آخر.. ولا شئ يتغير في يوميات هذه الكارثة إلا الأرقام .. التي دونها تقف أرقام (غزة) على إستحياء.. فبعد كل ما فعلته إسرائيل في غزة حصدت أرواح (1300) شهيد.. بينهم نساء وأطفال .. هم أقل كثيراً مما تقات به رماح الحرب في دارفور كل بضعة أسابيع..دارفور الآن في امس الحاجة للمال .. وليس من وقت لإنتظار الساسة في مختلف الأطراف .. فطالما هم بعيدون من شقاء الحرب وجحيمها فهم ليسوا في عجلة لسلام أو استقرار.. لكن المواطن في دارفور الذي يعيش في المعسكرات على صدقات الأمم الأخرى.. لا ينتظر إلا حلاً واحداً لا مناص منه.. السلام والإستقرار .. وهي قيمة لا تتحقق إلا بالمال..ليت (الدوحة) التي جمعت العرب قبل أيام .. وفشلت حتى الآن في جمع السودانيين لحل مشكلة دارفور.. تستبدل لغة المفاوضات بأخرى أكثر مضاء.. لغة المال .. فتجمع المانحين العرب لا المتقاتلين السودانيين .. للتعهد بمشاريع إيواء واستقرار لقاطني معسكرات دارفور.. حتى ولو في مواقع آمنة مؤقتة لحين استباب الأمن بعد أن تضجر وتمل الحركات المسلحة من سفك الدماء..الذي يحمل السلاح ويولغ في دماء الأبرياء في قرى دارفور .. لا يفعل ذلك من باب الهواية وتزجية الوقت.. هي نزوات تحركها غبائن ويأس من الحياة الآمنة المستقرة.. لكن هذا المقاتل اليائس لو رأى بأم عينيه سكان المعسكرات ينتقلون الى قرى آمنة - حتى ولو في أطراف المدن المستأمنة – ورأى كيف يذهب أطفالهم صباحا إلى المدارس .. وينظرون الى المستقبل والحياة الرحبة.. تسكن نوازع العدوان في نفوسهم ويصبح للحياة طعم آخر غير طعم البارود..هذا ما يحتاجه أهالي دارفور.. إستقرار وخدمات وحياة .. لا مناصب وزارية في القصر الجمهوري اتضح – بالتجربة - أنها لا أراحت شاغليها في القصر ولا المشغولين بها في الصحاري القفر..يا اخوانا العرب.. قمة لله .. قمة لدارفور .. قمة بمن (دفع) لا بمن حضر .. !!

الثلاثاء، 20 يناير 2009

20 يناير 2009 - في انتظار جوبا ..!!


في انتظار.. جوبا..!!

اجتماع المكتب السياسي للحركة الشعبية الذي يفترض أن يبدأ جلساته أمس.. بمدينة جوبا.. ربما يصبح استدارة حادة في طريق مثخن بالتعاريج.. ففي التصريحات الاستباقية التي أدلى بها السيد بقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية.. تتسرّب نكهة معركة جديدة حاسمة وربما قاصمة هذه المرة.. إذ قال أموم إن على المؤتمر الوطني التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية لتفادي الصدام مع المجتمع الدولي.. حسب الخبر الذي نشرته الزميلة صحيفة (أجراس الحرية) أمس..الملفت للنظر في تصريحات أموم هذه المرة.. أن مطالبته موجهة إلى (حزب المؤتمر الوطني!) وليس الحكومة.. رغم أن الحكومة هي من يدير دفة الأزمة مع الجنائية.. بل إن الفريق أول سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية هو المسؤول رسمياً عن ملف الجنائية..ويعني هذا –عملياً– أن الحركة الشعبية تجاوزت مرحلة التعامل مع (ملف الجنائية) إلى مرحلة ما بعد صدور قرار القضاة الثلاث.. وافترضت أن هناك مشكلة في النصف الآخر من الكوب.. النصف الذي يمثله المؤتمر الوطني حسب قسمة السلطة في بروتوكولات نيافشا والتي تحوّلت إلى دستور انتقالي يحكم السودان حتى عام 2011.حسب اتفاق السلام الشامل.. منصب رئيس الجمهورية من نصيب حزب المؤتمر الوطني.. بينما نالت الحركة الشعبية منصب النائب الأول.. ثم أسند منصب نائب الرئيس إلى المؤتمر الوطني.. وحسب اتفاق السلام –أيضاً– أن منصب رئيس الجمهورية لا يشغله النائب الأول بصورة تلقائية إذا شغر.. لأنه من نصيب المؤتمر الوطني.. فيناط بالوطني شغل المنصب..وتصريحات السيد أموم.. عندما يطالب بها حزب المؤتمر الوطني أن يتعامل مع الجنائية الدولية.. يفهم منه أنه يقصد لفت الوطني للاستعداد لتقديم بديل لمنصب الرئيس.. حسب اتفاق السلام..وليست المشكلة هنا في مطالبة أموم بهذا الطلب الاستباقي الذي يقفز فوق كل المراحل ويفترض أن الوضع وصل إلى تلك المرحلة.. بل في ما هو محجوب خلف الستار.. الوجه الآخر لما يقصده أموم.. المقابل لحزب المؤتمر الوطني إذا استمر رفضه للتعامل مع الجنائية حتى ولو صدر قرار القضاة الثلاثة..في تقديري أن هذا هو أخطر ما قد يتمخّض عن اجتماع المكتب السياسي للحركة الشعبية في جوبا.. سيناريو ما بعد رفض الوطني للتعامل مع الجنائية!هناك (نكهة) قرارات أحادية تنفرد بها الحركة الشعبية أو حكومة جنوب السودان في الاتجاه الناسف لاتفاق السلام.. قرارات مؤسسة على رد فعل المؤتمر الوطني في حال رفضه التعامل مع الجنائية..أغلب الظن أن من بين هذه الخيارات التي يجري التعامل معها بكل جدية داخل أروقة الحركة الشعبية في جوبا.. ما يسمونه هم (الاستقلال) ويسميه أهل الشمال (الانفصال)..!!

الاثنين، 19 يناير 2009

19 يناير 2009 - الفعل و رد الفعل ..


الفعل .. ورد الفعل ..!!

د. حسن الترابي عاد مرة أخرى إلى واجهة الأخبار..ورغم غزة ومآسيها أفردت له الصحف مساحات معتبرة .. فتداولت خبر إعتقاله ونقله إلى سجن كوبر.. وقالت بعض المصادر الأمنية حسب أخبار الصحف أمس .. أنه ربما يقدم إلى المحاكمة..ورغم يقيني أن الترابي درس الحدث جيداً ..ورد الفعل.. وتصرف بالصورة التي أفضت إلى التداعيات.. إلا أنني موقن أكثر بأن د. الترابي أخطأ في الحسابات السياسية مرة أخرى..التصريحات التي أدلى بها الترابي لوكالتي رويترز والفرنسية و إذاعة البي بي سي.. استمعت إليه وكان يتحدث باللغة الإنجليزية .. و مضمون ما قاله فيه علاوة على أنه يفتقر إلى البعد السياسي الوسيم.. فهو أيضاً هتك مباشر لأبسط قواعد الوطنية.. وبدون أي مؤثرات صوتية وإخراجية لشرح الأمر يمكن تبسيط وجه الخلل في موقف الترابي .. في كونه أحال قضية تمس رمزية أهم مؤسستين سياديتين هما الرئاسة والجيش إلى كنف (أجنبي!) ..لا يهم أن يكون الأجنبي فرداً أو مؤسسة مهما سمقت.. ففي النهاية هو (أجنبي!)..القضية هنا لا يمكن قياسها بمنطق عدالة غائبة أو حاضرة.. القضية تقاس بمنطق واحد فقط.. إذا كانت العدالة حاضرة في السودان فهي لا غيرها أولى بالقضية.. وإذا كانت في رأي البعض غائبة ومفقودة في السودان فالحل ليس بالنضال في الملعب الأجنبي.. بل في ممارسة هذا النضال هنا في الملعب السوداني لإحقاقها.. فيصبح في الحالتين ليس من سبيل لراشد وطنياً أن ينصح رئيس دولته وقائد الجيش أن (يستسلم!!) ويسلم نفسه طواعية لأجنبي .. لمحاكمته !! مهما كانت القضية محل النزاع مربكة أو مختلف عليها وطنياً في الداخل ويتصارع فيها أخوة الوطن بأفدح ما تيسر من الدماء والخراب..صحيح أن بين الترابي واخوته القدامى ثارات بني أمية.. لكن حُفت (الوطنية) بالمكاره .. مكاره أن تخمد شهوة التشفي في الغريم حتى ولو كان الوطن ثمن ذلك.. ومهما كانت نيران التخاصم مستعرة في القلوب لكن الحد الأدنى من الإنتماء للوطن يستوجب الإنتباه إلى أن رمزية الدولة لا يمكن إدراجها في قوائم الأسلحة القابلة للإستخدام في التقاتل السياسي والحزبي..ورئيس الدولة ليس مجرد مواطن.. وقائد الجيش ليس مجرد ضابط يضع الأوسمة على صدره وكتفه.. هناك أبعاد معنوية إذا رأى الساسة أن تُرفع وتُخفض حسب ظرف المعركة.. معركة الساسة.. تصبح الكارثة أن الوطن تحرسه الكواسر..ومع ذلك.. في تقديري أن إعتقال الترابي يزيد بلل الطين الذي تتوحل فيه البلاد.. ويمنح التوتر مزيداً من التوتر..

الأحد، 18 يناير 2009

18 يناير 2009 - متاعب عربية


متاعب عربية ..!!

عبارتان معبرتان تلخصان المشهد العربي كله.. الأولى قالها أمير دولة قطر والثانية نطق بها رئيس وزراء دولة قطر في ثنايا القمة العربية التي عقدت في الدوحة.. والتي خانها النصاب القانوني..أمير قطر ادلى ببيان قبل يومين من القمة رسم فيه صور ة الموقف العربي بكل تعاريجه البكماء والصماء.. ثم أنهى جملته الاعتراضية بآخر نفس في صدره وهو يقول (حسبي الله ونعم الوكيل..) وأختارت اذاعة الـ"بي بي سي العربية" هذا المقطع من بيانه وأعادته أكثر من مرة خلال نشراتها الاخبارية.. والعبارة الثانية .. هي ختام الرواية التي حكاها الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر عن ملابسات اتصاله بالسيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.. وشرح له كيف أن القمة كلها من أجل فلسطين جناح غزة.. وأنه هو لا غيره رئيس هذه الدولة .. والأولى بأن يكون في المقاعد الأمامية من القمة.. وأن يكمل نصابها بدلا من أن ينصب كمالها.. وقال أن أبومازن رد عليه بأنه لا يجد تصريحا للسفر.. وعندما أدى رئيس وزراء قطر عزمه على مساعدته في الحصول على التصريح بأبكر ما تيسر.. وقطع حيلة عباس.. طلب منه الأخير أن يمنحه بعض الوقت للرد عليه.. ثم رجع اليه بعد حوالى الساعة والنصف ليقول له .. أنه لا يستطيع حضور القمة بسبب (ضغوط) .. ولم تنته القصة حتى هنا.. فأكمل له الجملة بعبارة قاطعة قائلا "اذا حضرت القمة .. سأذبح من الوريد .. الى الوريد.." وأشار الشيخ حمد بيده الى عنقه ليشرح ما يقصده الرئيس الفلسطيني..العبارتان اللتان تفضحان المشهد العربي .. هما (حسبي الله ونعم الوكيل) التي (تحسبن) بها أمير قطر من الذي يجري في الوطن العربي.. ورفع أمره كله ودفعة واحدة الى السماء لتجد له حلا من ظلم الأرض.. والثانية هي ما أورده رئيس وزراء قطر على لسان الرئيس الفلسطيني ( إذا حضرت سأذبح من الوريد الى الوريد..)(حسبنة) الأمير.. أقرب الى العبارة التقليدية التي تقال في دولة مصر للدلالة على أن الحكم بالاعدام قد صدر.. إذ يقال "قرر القاضي احالة أوراق المتهم الى المفتي.." و هنا قرر أمير قطر احالة أوراق الوطن العربي إلى السماء.. عبارة تفضح الموقف العربي في قمته.. عندما يصبح مجرد سفر القادة الى عاصمة دولة عربية للبحث في حل لمشكلة عربية امر فيه كثير من الكر والفر.. ومربوط بحبل طويل الى مرافىء بعيدة هي التي تقرر متى وكيف يجب أن يجتمع قادة العرب.. والى أى قرارات يجب ان يصلوا .. وكيف يصاغ البيان الختامي..أما حكاية "الذبح من الوريد الى الوريد" فهي تكشف خبايا الدراما الفلسطينية..فلأول مرة يعرف الشعب العربي أن الرئيس الفلسطيني يحتاج الى "تصريح سفر" من اسرائيل اذا قرر الخروج من رام الله.. وأن التصريح يحتاج الى وقت لتدرسه اسرائيل وتستفسر أبومازن عن أسباب سفره وما ينوي حمله معه ..لكن الذي لم يتضح حتى الآن .. من الذي سيقوم بعملية الذبح من الوريد إلى الوريد..

السبت، 17 يناير 2009

17 يناير 2009 - تحميس الواقع العربي ..!!


تحميس الواقع العربي..!!

لو منحتني انتباهك قليلا.. ربما أنجح في استثارة تقدير جديد للموقف العربي الإسرائيلي في ذهنك.. لنسأل بكل صراحة.. هل كانت اسرائيل – فعلاً – تخشى عسكرياً من مقدرات حكومة حماس في غزة؟ هل كانت تفترض أن التغافل عن نمو حماس من مجرد حركة ثورية يانعة جديدة إلى حزب سياسي ثم حكومة منتخبة ديمقراطياً يشكل صعوداً بالدرج إلى مقام المواجهة الكبرى مع إسرائيل؟؟بالحساب المجرد من الهوى الإجابة سهلة.. لا.. فحماس ولو تحولت إلى حكومة.. حتى ولو ضمت إليها الضفة..فهي محكومة بواقع الإقليم الفلسطيني المحصور المحاط بإسرئيل من كل جانب – تقريباً - وهي محكومة بمستقبل مرسوم بحيث لا يصبح لهذا الإقليم مصير إلا الإعتماد والإرتباط الميكانيكي المباشر بتروس الإقتصاد الإسرائيلي..إذن.. لماذا تخشى إسرائيل من (حماس)؟ ولماذا صبت كل هذا (الرصاص المسكوب) غضباً على غزة؟؟في تقديري أن إسرائيل لا تقصد إستئصال "حماس"..لا حماس الحركة.. ولا حماس الدولة.. لكنها تخطط لإحداث تغيير جوهري في مفاهيم "حماس" عن دولة إسرائيل.. فكما تحولت "فتح" من حركة ثورية كانت في يوم من الأيام تختطف الطائرات وتقتل الرياضيين الإسرائيليين في دورة الألعاب الأولمبية.. إلى حركة شبه ثورية.. تعيش في العاصمة التونسية وتمارس (الجهاد الدبلوماسي) فيتحرك زعيمها عرفات من دولة الى أخرى في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة الى أن حصل في آخر المطاف على اتفاق (أوسلو) فتحولت من شبه ثورة إلى شبه دولة. ثم جاء اليوم الذي أصبحت دولة تعتقل (الفدائيين!) الذين يقومون بعمليات ضد إسرائيل.. ثم دولة تحارب مع إسرائيل ضد (حماس).. بنفس هذا السيناريو تحاول اسرائيل إعادة تدويرRecycling حركة حماس لتصبح نسخة جديدة New version مطورة خصيصاً للقبول بالواقع.. الواقع الذي يجعل إسرائيل ليس مجرد دولة في قلب الوطن العربي.. بل دولة محورية يدور حولها الوطن العربي..وتأسيساً على هذه الإستراتيجية.. عندما تنتهي حرب غزة الوحشية الدائرة حالياً ستحتفل حركة حماس بأنها انتصرت لأنها موجودة.. ولأنها لا تزال تحتفظ بمنصات إطلاق الصواريخ التي تصيب سكان اسرائيل بالذعر.. لكن (حماس) لن تنتبه إلى حقيقة كونها صارت (حماساً جديدة).. تجلس في قاعات المفاوضات في المدن العربية وبعض العواصم العالمية لبحث ترتيبات الهدنة.. التي تسمى (تهدئة) لمدة عام.. ثم تجدد لعام آخر.. وعام ثالث.. وفي نهاية المطاف تصبح (حماس) جزءاً من منظومة عربية أعيدت برمجتها جيداً للتعايش مع الواقع..ولأن (حماس) ليست مجرد منظمة فلسطينية.. فهي جزء من منظومة الحركات الإسلامية على نطاق العالم الإسلامي.. فإن اسرائيل تكسب بها تحديثاً في (جينات) هذه الحركات تتناسل عبرها الى مختلف أنحاء العالم الاسلامي..لا تظنوا أن حرب غزة هي لمجرد قفل منصات صواريخ القسام..!! هذه حروب (استراتيجية) مدروسة جيداً لانتاج سلالة جديدة من الواقع العربي..

الجمعة، 16 يناير 2009


رد من السفير خضر هارون

وصلتني هذه الرسالة من سعادة السفير خضر هارون .. ردا على حديث المدينة الذي كان بعنوان (العندو قرش محيرو.. يشتري حمام ويطيرو..) والذي تحدثت فيه عن فتح سفارة للسودان في دولة في شمال أمريكا الجنوبية..
علما أن سياسة التحرير في صحيفة السوداني تمنع النشر في مساحة العمود لغير كاتبه.. الا في حالة الردود الرسمية من الذين عناهم النشر بصورة مباشرة.. وذلك وفق قانون الصحافة الذي يلزم بنشر الرد في نفس مكان النشر الأصلي..
أترككم مع الرسالة وأعود للتعليق عليها أسفلها .

الأخ الأستاذ عثمان ميرغنى

تحية واحتراما

أولا نثمن كثيرا اهتمامكم بالشأن العام وضمن ذلك ما يصدر عن وزارة الخارجية.
وتعليقا على كلمتكم فى عدد أمس الثلاثاء 13 يناير 2009 حول تصريحاتنا المتعلقة بلقائنا بسعادة القائم بأعمال سفارة فنزويلا بالخرطوم بغرض تقديم الشكر والتعبير للحكومة الفنزولية عن تقدير حكومة وشعب السودان لموقفها الرافض للعدوان الاسرائيلى على قطاع غزة وأن دبلوماسيا رفيعا سيتوجه لفتح السفارة السودانية فى كراكاس أود توضيح ما يلى:
أولا: ان قرار فتح سفارة للسودان فى فنزويلا قد اتخذ العام الماضى وفق الأسس والمعايير الموضوعية التى أشرتم اليها والتى جرى العمل بفتح السفارت بموجبها و من ذلك مراعاة المصالح الاقتصادية والتجارية والسياسية وغيرها للبلاد ولا علاقة له البتة بموقف فنزويلا الأخير من أحداث غزة.
ثانيا: اتساقا مع ما تقدم فقد تم الاتفاق بين الحكومتين فى أغسطس من العام الماضى على فتح السفارة قبل نهاية العام واستنادا الى ذلك تمت تسمية الدبلوماسى الرفيع الذى سيتولى فتح السفارة هناك فى نوفمبر الماضى وتصادف لقاؤنا المشار اليه مع حقيقة أنه يوشك على اكمال الاجراءات المتعلقة بسفره لفتح السفارة فى كراكاس عاصمة فنزويلا وليس لذلك أيضا علاقة بموقف فنزويلا الأخير من أحداث غزة.وفى هذا السياق جاء تصريحنا بأن الدبلوماسى المشار اليه سيتوجه قريبا الى هناك. ولم يكن جزءا من تصريحنا أن السودان قد قرر فتح سفارة هناك وانما ذلك عنوان اختارته بعض الصحف ولم نشر اليه لأنه قرار اتخذ العام الماضى كما تقدم وأغلب الظن أن وسائل الاعلام قد أشارت اليه فى حينه.
وأريد التأكيد هنا أن عملية فتح السفارات تخضع لدراسة متأنية مطولة تتم فيها استشارة مؤسسات الدولة ذات الصلة للتأكد من الجدوى الاقتصادية والسياسية والأمنية ومصالح المواطنين السودانيين فى منطقة التمثيل المقترحة.
ولكم فى الختام خالص الشكر والتقدير.
الخضر هارون أحمد
مدير عام العلاقات الثنائية والاقليمية
وزارة الخارجية
الأربعاء 15 يناير 2009
من المحرر:
شكرا للسفير خضر هارون على اهتمامه بما يكتب وتكبده عناء الرد..
لكني أتمنى أن يشرح للقراء الأسباب (الوجيهة!!) التي دعت حكومة السودان لفتح سفارة في كاراكاس عاصمة فنزويلا.. هنا مربط الفرس الذي كنت أعلق عليه..!! وهو القضية الأهم بالنظر وليس مجرد تبرير التوقيت ..

الأربعاء، 14 يناير 2009

14 يناير 2009 - (العندو قرش محيِّرو.. يشتري حمام ويطيِّرو)!!



(العندو قرش محيِّرو.. يشتري حمام ويطيِّرو)!!

نشرت الصحف أمس خبراً مدهشاً.. يقول إن السودان قرر فتح سفارة في كاراكاس عاصمة دولة فنزويلا!! (وأعلن السفير خضر هارون مدير عام العلاقات الثنائية بوزارة الخارجية أن دبلوماسياً رفيعاً سيتوجَّه قريباً إلى هناك لمباشرة مهامه..).. حسب ما أوردت الزميلة (الرأي العام)..
ولمن فاتهم الاستماع.. فنزويلا دولة في قارة أمريكا الجنوبية.. اشتهرت بكونها دولة بترولية.. لكن ليس ذلك سبب فتح سفارة سودانية بعاصمتها.. فالسبب هو أن رئيس فنزويلا السيد شافيز اتخذ موقفاً قوياً متعاطفاً مع الفلسطينيين في غزة.. فطرد سفير إسرائيل وبعض الدبلوماسيين في سفارة إسرئيل.. وردت عليه إسرائيل بطرد سفيره في تل أبيب..
مع كل الإحترام للسفير خضر هارون -وهو رجل أديب أيضاً– هل تلك هي الأسس التي بموجبها تُفتح سفارات السودان في الخارج؟؟فـ(سفارة) لا تعني مجرَّد سفير يسافر إلى هناك مع أسرته.. بل تعني متواليات مطلوبات طويلة تختصر كلها في كلمة (على حساب دافع الضرائب السوداني).. مقر للسفارة.. وطاقم دبلوماسي وإداري مع السفير.. وسكن لهذا الطاقم والسفير.. وسيارات لائقة بالسفير وطاقمه.. وكل ذلك بالعملة الصعبة خصماً على ميزانية الفقير لله.. شعب السودان..
وكنت أظن.. وبعض الظن إثم.. أن قرار فتح سفارة للسودان في دولة ما.. له حيثيات أخرى.. ليس من بينها تحيَّة الدولة على مواقفها الدبلوماسية ضد دولة أخرى.. حيثيات من قبيل العشم في تبادل مصالح اقتصادية.. أو علمية أو حتى اجتماعية بافتراض وجود عدد كبير –مثلاً- من الجالية السودانية بها..
وبهذا ربما يجوز لي أن أسأل سفيرنا خضر هارون.. وماذا إذا زالت الغيمة ورجع سفير إسرائيل إلى فنزويلا.. هل سيخرج منها سفير السودان ويقفل السفارة ويبيع سيارته ويعود احتجاجاً؟؟
من الرشد أن نبدو دولة ذات رؤية استراتيجية تفهم أن العلاقات الدبلوماسية ليست حوافز أو جوائز تمنح عند الرضا وتحجب عند الغضب.. فمثل هذا المسلك أول من يسخر منه ذات الدولة التي فتحنا فيها السفارة التشجيعية.. وربما رأوا في تصرفنا ضرباً من الدبلوماسية الجديدة التي لم تسمع بها معاهد الدراسات الدبلوماسية..
هناك قائمة طويلة من الدول التي لدينا معها مصالح ومع ذلك حال قصر ذات اليد من أن نفتح فيها سفارة.. تجنباً لتكاليف السفارات الباهظة.. فكيف نفتح سفارة في دولة فقط لأنها طردت.. وأكرر طردت.. ولم تغلق سفارة إسرائيل.. بل إن بقية طاقم السفارة الإسرائيلية موجود في العاصمة كاركاس..
وبعد يا عزيزي الخضر هارون.. هل ستغلقون سفارتكم في مصر والأردن لأن بهما سفارات إسرائيلية.. ولم يطردوا السفير الإسرائيلي؟؟على كلِّ حال على رأي المثل السوداني الشعبي.. (جلداً.. ما جلدك.. جُر فيهو الشوك..).. (مال ما مالك افتح بيهو سفارة في كاراكاس)..

الثلاثاء، 13 يناير 2009

13 يناير 2009 رحلة ليوم واحد الى القاهرة

رحلة يوم واحد إلى القاهرة ..!!

بدعوة كريمة من السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية .. سافرتُ إلى مصر للمشاركة في الملتقى الإعلامي التحضيري للقمة الإقتصادية العربية التي ستعقد في الكويت يومي 19 و 20 في هذا الشهر..
كانت أقصر زيارة لي لمصر الشقيقة.. وصلتُ مطار القاهرة مساء الجمعة الماضي وغادرتها مساء اليوم التالي .. ولم أخرج من فندق هيلتون النيل إلا لمقر الجامعة العربية الملاصق للفندق.. لحضور الإجتماع.. الذي كنت أتصور أنه (جلسة مغلقة ) حصراً على المدعوين وحدهم.. وهم حوالى خمسة عشر شخصية إعلامية عربية على رأسهم الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين المصريين الأسبق.. إلا أنني فوجئت بالتغطية الإعلامية الكبيرة حيث ضاقت جنبات القاعة بعشرات الصحفيين ومصوري الفضائيات الذين غطوا مداولات الإجتماع حتى النهاية..
جلسنا في طاولة مستديرة .. في وسط القاعة.. وترأس الإجتماع عمرو موسى الذي قدم فكرة القمة الإقتصادية العربية .. لتأسيس كيان عربي اقتصادي على غرار السوق الأوروبية المشتركة التي أنجبت في النهاية الإتحاد الأوروبي..
في كلمتي أمام الحضور قلت لهم .. لو تأسست الجامعة العربية منذ نشأت في العام 1945 على فكرة التضامن الإقتصادي واستبعدت الجانب السياسي.. لربما كانت اليوم (الإتحاد العربي) على غرار الإتحاد الأوروبي.. لكن البداية كانت بالرابطة (السياسية) العربية.. فحققت فشلاً ذريعاً وصل اليوم لحد العجز عن مجرد إقناع الدول العربية بعقد مؤتمر قمة.. بل فشلت الرابطة العربية حتى في المجال الرياضي.. فيستنكف الجمهور العربي عن متابعة ومشاهدة دورات كأس الأندية العربية.. بينما يهتم ذات الجمهور بمتابعة الدورات الرياضية الإقليمية الأخرى كأس آسيا وكأس افريقيا..
قلت موجهاً حديثي للسيد عمرو موسى.. إن فشلاً عربياً جديداً في (الرابطة الإقتصادية) سيكون آخر مسمار في نعش (الوطن العربي الكبير) وسيكرس فكرة أن القومية العربية لا تصلح لأكثر من الأغاني والهتافات.. ولضمان أعلى حد من فرصة النجاح وتحجيم فرص الفشل.. أرى أن تقتدي القمة العربية الإقتصادية بالتجربة الخليجية في (مجلس التعاون الخليجي) .. الذي وصل مرحلة (العملة الخليجية الموحدة).. بعد نجاحه في تأمين أعلى تضامن إقتصادي خليجي..
تأسيساً على هذا الفهم .. اقترحت أن ترعى – ولا تدير - القمة الإقتصادية العربية إطاراً تنسيقياً بين كيانات عربية إقتصادية ترتبط بالتوزيع الجغرافي.. مثلاً كيان إقتصادي لدول الشام العربي .. الأردن سوريا لبنان وفلسطين.. وكيان آخر لدول المغرب العربي .. ليبيا تونس الجزائر المغرب وموريتانيا .. وكيان لدول النيل مصر والسودان.. تحقق التضامن الإقتصادي العربي على مستوى محدود قابل للتوسع في العلاقات الثنائية بين هذه الكيانات الإقتصادية العربية.. يضمن هذا النسق أن لا نضع البيض كله في سلة واحدة..فيوفر فرصة نجاح أكبر.. وحتى لو تسلل الفشل فسيكون محدوداً في كيان أو آخر دون نسف الرابطة العربية بشكل شامل..
كان أول من علق على حديثي.. الأستاذ مكرم محمد احمد وقال أنها فكرة (ناضجة).. تقي العرب شر مزيد من الإحباط ..إذا تعثرت فكرة (السوق العربية المشتركة) ..

الاثنين، 12 يناير 2009

12 يناير 2009 (الفكرة لا تحارب بالبندقية..)


(الفكرة لا تحارب بالبندقية..)


الفريق مهندس صلاح عبد الله (قوش) مدير عام جهاز الأمن الوطني والمخابرات..نشرت له غالبية صحف أمس.. تصريحات ادلى بها في سياق لقاء ببعض القيادات الصحفية .. جمعهم على مائدة غداء صديقنا الأستاذ عمر محمد الحسن في منزله بالخرطوم.. قال مدير الأمن أن (الفكرة لا تحارب بالبندقية..) في معرض حديثه عن الطريقة التي تعامل بها الجهاز مع مجموعة من الشباب الذين أعتقلوا في منطقة السلمة (جنوبي الخرطوم) .. وكانوا – حسب تصريحات قوش – على وشك شن هجمات على بعض المؤسسات الأجنبية في البلاد..وقال صلاح قوش.. أن الجهاز إتبع نهج الحوار في تفكيك الفكرة من داخل عقول هؤلاء الشباب .. فتحفظ عليهم في أحد البيوت واستدعى لهم بعض علماء الدراسات الإسلامية الذين نجحوا في إقناع (45) فتم إطلاق سراحهم فوراً.. من أصل (65) شاباً..هذا تصرف في منتهى الحكمة.. أن تراعي الأجهزة الأمنية طبيعة ونوع التحدي الماثل أمامها.. فتدرك أن (الفكرة لا تحارب ببندقية) .. وتفتح باب الحوار وتجعل الكلمة للعقل والمنطق.. فتحصد النتيجة الباهرة بتفكيك الفكرة من داخل العقول فتكسب مرتين.. مرة لأن هؤلاء الشباب ليسوا مجرمين بل هم مخلصين لأفكارهم.. فتكسب من إعادة تصحيح أفكارهم واستيعابهم في الحياة الطبيعية فوق الأرض.. وتكسب مرة ثانية من إبطال مفعول قنبلة خطيرة.. وقعت فيها دول كثيرة كانت ترى أن (السيف أصدق أنباء من الكتب..) فواجهت مثل هذا الفكر بمكيال من القوة ردوا عليها بمكيالين من الفوضى المريعة..والشباب أكثر الفئات حاجة للحوار ..لأنهم في مثل هذه السن اليانعة مخلصون – جداً - لأفكارهم..بغض النظر عن طبيعة هذه الأفكار.. فهم في النهاية يخلصون للفكرة بلا رغبة أو رهبة.. فإذا أمكن حماية الشباب من الإندفاع الكاسح وراء أفكار تخرق سلام المجتمع فذلك أفضل كثيراً من الزج بهم في غياهب السجون أو تصفيتهم ..ومع ذلك .. تمنيت لو أن مدير جهاز الأمن مدد الفكرة أكثر.. أن يسمح للحوار أن يتسع أكثر .. حوار مفتوح الأثير في المجتمع كله.. بنفس الفهم والمنهج ..الذي عالج به مشكلة أولئك الشباب المتحمسين.. فيحس كل أفراد المجتمع أنهم قادرون على منافشة مشاكلهم والمشاركة في الحوار الوطني بلا قيود..وكما قيل في الحكمة الذهبية.. أن المشكلة ليست في ما يقال.. بل في ما (لا) يقال.. المحبوس في الصدور .. الذي يحرك في النهاية العقول والسلوك لكن دون أن يفصح عنه الناس..لو تفتحت أبواب الحوار بأوسع ما تيسر.. سيمكن إبطال قنابل إجتماعية بل وسياسية كثيرة.. قنابل إنشطارية مدمرة لا يمكن مقاومتها وكسر شرها إلا بالسماح للنفوس أن تتنفس في الهواء الطلق بلا قيود..

الأحد، 11 يناير 2009

11 يناير 2009 - فناء الشعوب


فناء الشعوب..!!


الرئيس الفلسطيني محمود عباس.. الذي احتار به الدليل ولم يعد يدري مايفعل أو يقول.. تحدث في مؤتمرصحفي بالقاهرة أمس.. فقال: "إذا كانت المقاومة تؤدي لتدمير الشعب الفلسطيني فلا نريدها..". ويقصد أن حركة حماس تقود شعب فلسطين إلى "هوليكوست" جديدة.. هذه العبارة تكشف ضعف فهم الرئيس الفلسطيني للأبعاد الإستراتيجية من الحروب عموماً.. ومن هذه الحرب الشرسة في غزة خصوصاً.. عندما تخوض دولة - مؤسسات - مثل إسرائيل حرباً في قطاع غزة.. من السذاجة إفتراض أن ذلك مجرد رد فعل على صواريخ "حماس" التي لا تشكل خطراً على إسرائيل.. فهي محدودة المدى والتأثير التدميري.. وليست هي حرباً "إنتخابية" يتنافس فيها حزبا كاديما بزعامة وزير الخارجية سيبني لفني و حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو.. الأمر أكبر من ذلك..هي حرب إستراتيجية مرسومة بعناية ومنذ فترة من الزمن..لاحظوا التسلسل التاريخي لصراع العرب مع اسرائيل.. فبينما رفض العرب قرار الأمم المتحدة بتقسيم المنطقة بين الإسرائيليين والعرب في العام 1948.. وكان المعروض أضعاف ما حصل عليه الفلسطينون بعد أربعين عاماً من ذلك.. وخاضت مصر والجيوش العربية الأخرى حروباً متتالية في 1956 ثم 1967 وأخيراً في عام 1973..كانت كل حرب تنقل القضية إلى مربع جديد.. يبدأ منه الحساب من الصفر مرة أخرى لكن في إتجاه جديد.. وبعد أن كانت الحروب العربية الإسرائيلية حروبا نظامية تخوضها جيوش دول المواجهة العربية.. تحولت إلى حروب مليشيات.. مرة في لبنان وهذه المرة في غزة..الإستراتيجية الإسرائيلية وصلت إلى المرحلة التي حتى فلسطين نفسها صارت قسمين.. قسم الموالاة لاسرائيل.. و المعاداة.. وتحولت قضية "تحرير فلسطين".. إلى "تحرير غزة".. ثم تغير المسار حتى من "تحرير غزة" إلى تحرير "معبر رفح".. ربما لم يفهم الرئيس الفلسطيني أن "فناء" الشعب الفلسطيني - بمقاومة أو غير مقاومة - ليس من أهداف إسرائيل.. فعلى الأقل إسرائيل تنظر للجانب المفيد من وجود قوة عاملة فلسطينية رخيصة لأداء الأعمال الهامشية في إسرائيل.. ووجود سوقٍ إستهلاكية للمنتجات الإسرائيلية في الشعب الفلسطيني..لكن يفنى الشعب الفلسطيني فعلاً عندما يصبح مجرد قطيع من السكان يبحث عن قطعة أرض يمارس فيها غريزة التكاثر الفطري حتى لا يفنى.. فيحصل على قطعة الأرض هذه في الضفة أو غزة أو حتى في المنافي..الفناء الذي تريده إسرائيل لشعب فلسطين.. ليس الفناء الذي يخشاه عباس.. ليس فناء التصفية الجسدية الذي يمحو مليوناً ونصف مليونٍ من البشر في غزة من عالم الوجود.. إسرائيل تبحث عن فناء معنوي.. تحول هذا الشعب إلى ممتلكات دولية محمية بقرارات مجلس الأمن.. عندها ستصبح الدولة الفلسطينية مجرد منطقة أمنية عازلة..

السبت، 10 يناير 2009

10 يناير 2009 - الحصة تربية وطنية


الحصة تربية وطنية.!!

مدرسة خاصة في الخرطوم بحري (الأكاديمية السودانية العالمية - وزارة الخارجية).. طلبت من تلاميذها وتلميذاتها المشاركة في سوق خيري.. التلميذ عليه أن يحضر معه من المنزل طعاماً أو حلويات لتباع في المدرسة.. ويشتريها بقية التلاميذ.. ثم يتبرع التلاميذ بحصيلة آخر اليوم لصالح إخوانهم وأخواتهم تلاميذ وأطفال غزة.. المنكوبة بالإحباط العربي..هذه الفكرة قد لا تنتج ما يكفي إطعام أسرة فلسطينية واحدة لأسبوع واحد.. لكنها بكل يقين تلهم أطفال السودان كيف يتحكم ضميرهم ووجدانهم مع القضايا الوطنية.. في وطنهم الصغير السودان أو أوطانهم الكبرى في الوطن العربي أو القارة الأفريقية أو عالمهم الاسلامي.. كثيرون يغالبهم الاعتقاد الخاطيء أن الوطنية هي محض شعارات أو هتافات.. وبعض التربويين يطالبون بادخال مقررات دراسية تعلم الأطفال كيف يحبون وطنهم.. أي ما يسمونها بمادة التربية الوطنية.. لكن على أيامنا زمان في المرحلة المتوسطة.. كانت تفرض علينا مادة اسمها (التربية الوطنية).. كنا نخضع فيها لمقرر باهت مصنوع.. يفترض أننا نتعلم حب الوطن لما يصبح جزءاً من جدول الحصص ثم الإمتحانات.. ولكني أتذكر أن تلك المادة ما كانت تربي في أنفسنا الا الإحساس بأن (التربية الوطنية) عمل ممل صغير الشأن.. ليس في أهمية الرياضيات أو العلوم أو حتى الجغرافيا والتاريخ.. كنا نحس في دواخلنا أنها مادة (ملء فراغ).. وأن المعلم الذي يتولى تدريسها عادة يؤديها كعمل ثانوي جانبي غير مهم..حتى هذه اللحظة لم يتوفر للتعليم في بلادنا مفاهيم تدرك أن (التربية!!) ليست مجرد معلومات تُسكب في الحصة فتحفظ ليوم الإمتحان.. لتنسكب مرة أخرى في ورقة الإجابة.. بل هي عمل وممارسة وتهذيب للمشاعر بمثل هذا المسلك الذي قامت به تلك المدرسة الخاصة.. أن يتعلم الأطفال أنهم جزء من نسيج كبير وأن عليهم أن يساهموا فيه ولو (بشق تمرة) على قول الحديث النبوي الشريف..نريد أن يتعلم أطفالنا أن الحياة ليست مجرد تلك العلوم التي تفرض عليهم في المقررات الدراسية.. أن (الحياة عقيدة وجهاد) على قول الشاعر.. وأنها وطن له دين واجب السداد.. وأن الوطنية ليست مجرد (سينما في بحري).. وليست مجرد كلمات تصبغ الشعارات والخطب العصماء.. بل هي مفهوم ممتد.. من أدنى تعلم كيف تقف في الطابور بإحترام.. وكيف تحترم اشارة المرور.. إلى أعلى الفداء بالدم في سبيل الوطن..ليت مدارسنا العامة والخاصة تدرك أنها مؤتمنة على مستقبل وطن بأكمله.. لا حفنة تلاميذ يعبرون المرحلة.. وأن مفهوم (التربية) لابد أن يسير كتفاً بكتف مع (التعليم).. حتى لا تصبح العملية.. تعليم بلا تربية..!!

الجمعة، 9 يناير 2009

9 يناير 2009 - القبلة السكرى


القبلة السكرى ..!!

في مثل هذا اليوم من العام 2005 جرت مراسم توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيروبي.. التي أكتسبت اسما حركياً هو (نيفاشا) من إسم المنتجع السياحي في كينيا الذي جرت فيه جولات التفاوض الشاقة.. وبالحساب تدخل الاتفاقية الآن عامها الرابع.. في وضع تبدو فيه حتى اللحظة متماسكة بعض الشيء..فعلى أقل تقدير لم تنتكس لوضع الحرب مرة أخرى.. بينما لا يزال شريكا الحكم..في الحكم.. وهو أضعف الإيمان ليقال أن الإتفاقية لا يزال قلبها ينبض بالحياة.. ولكن ..!هل صنعت هذه الاتفاقية للمحافظة على الشريكين في وضع شريكين.. وهل يمكن من الأساس قياس النجاح على مدى متانة الكراسي التي يجلس عليها الشريكان في الشمال أو الجنوب؟؟ إذن ما هو الثيرومتر الذي يمكن وضعه في فم الاتفاقية لقياس درجة حرارتها .؟هل المقياس هو جرد نصوص الاتفاقية ووضع علامة (صاح) أو (غلط) أمام بنودها لمعرفة ما نفذ منها وما استعصى على التنفيذ؟؟ بعبارة أخرى هل الاتفاقية حزمة نصوص واجبة السداد كماهي .. أم مفهوم عام يجب أن يتحقق عن طريق هذه النصوص..من هنا .. في تقديري.. يكمن الخطر في هذه الاتفاقية التي عليها بُنى الدستور الانتقالي.. أن شريكي الحكم وتوابعهما في الحكم أو المعارضة لا يسددون نظرهم في الاتجاه المفضي لـ(الانسان).. المكان الحقيقي الذي فيه يمكن قياس نجاح الاتفاقية حتى ولو لم ينفذ فيها حرف واحد.. أو فشلها حتى ولو نفذت بحذافيرها ..أين الإنسان .. في الجنوب والشمال من الاتفاقية ؟؟ هل صار أقرب الى بلده ووطنه بعد بلوغ الاتفاقية عامها الرابع.. أم أن وقائع الأعوام الأربعة زادت من يقين هذا الإنسان بأن وطن واحد لا يسع الجميع معاً..في عمق الضمير الرسمي أن (الحساب!) عند الشعب هو حفنة أرقام الانجازات في مشاريع التنمية.. وأن التصريحات السياسية التي تبشره بهذه الإنجازات هي في النهاية التي تصنع الرضا في نفسه.. وهذا خطأ موغل في الظلم لأنه يُؤدي إلى الطريق (الشاقيهو الترام) إلى وطنين منفصلين.. وجدانياً قبل حدودياً..وأفدح ما في هذا (الحساب!) الخطأ.. أن تصريحات السادة قادة الحركة الشعبية تبدو دائماً كما لو أنهم هم وحدهم الذين سيدخلون خلف الستار ليلة التنفيذ.. يوم الاستفتاء على الوحدة أو الانفصال..ناسين أن الشعب هو ذلك الذي يدخل خلف الستار ليقول كلمته.. وأن خلف الستار لا يوجد الا صندوق خلفه حائط.. يلفهما صمت وسكون لا يسمع فيه الإنسان الا دقات قلبه.. (ودقات قلب المرء قائلة له.. أن الحياة دقائق وثوان ..) لا يمكن أن يعيشها في وعود يأكلها وعيد الإحباط..طالما أن المواطن العادي هو من يصوت للوحدة أو الانفصال.. فإن الشريكين ولو جلسا على شاطيء النيل متشابكي الأيدي كأنهما مقطع من أغنية عثمان حسين:

وترقد في يدي كالطفل ..

الثم ثغرك العطـــــري

وقطرات الندى الرقراق ..

تعلو هامـــــة الزهد

والحان الهزار الطلــق ..

فـــوق خمـــائل النهر..

ومع ذلك لا يصنعان مستقبل الوحدة..

الخميس، 8 يناير 2009

8 يناير 2009 - الرصاص المسكوب ..!!

الرصاص المسكوب..!!
قناة الجزيرة في قطر.. تمارس سياسية احتكارية عجيبة.. والإحتكار ممنوع في الإسلام والقوانين عامة..تحتكر الإعلام الحصيف الذكي.. فالذي هزم اسرائيل في حرب تموز 2006 في لبنان ليس حزب الله ..بل هي قناة الجزيرة.. والذي يهزم اسرائيل في غزة الآن ليس (حماساً) أو (الجهاد) أو غيرهما من المنظمات.. بل هي (الجزيرة) ..
كثيرون ربما يظنون أن المظاهرات الكاسحة التي خرجت في العالم العربي والإسلامي وحتى الدول الغربية.. هم مجرد حشود تعبر عن تعطافها مع غزة.. والحقيقة أنها مخرجات الإعلام الذكي الذي يدرك جيدا كيف يوجه رسالته بكل قوة ودقة لتحول الصورة والصوت من مجرد حكي الخبر ..الى تحريك الوجدان وتجييش المتلقي..
تنقل الجزيرة كل ما يحدث في غزة ثانية بثانية لكل العالم.. ليس مجرد نقل بارد على وزن (ناقل الكفر ليس بكافر) بل نقل بايمان جارف بـ(الرسالة).. رسالة الإعلام الذي لا يفترض أنه مجرد أثير مبثوث في الأثير.. مجانا بلا غاية أو هدف..
التغطية الشاملة.. ثم التعبير المدروس على وجوه المذيعين والمراسلين من مواقع الأحداث.. ثم (الترويج) المستمر باستخدام مقاطع الفيديو المسنودة بخليفات صوتية مؤثرة.. ونصوص الأخبار والتقارير المكتوبة بكل عناية بحيث تصبح كل كلمة (رصاصة) .. ويتحول البث الفضائي كله الى عملية (الرصاص المسكوب) في الأثير..
بالله . وبكل علمية ومهنية لنجرد الحساب.. كم ربحت اسرائيل من الرصاص المسكوب على روؤس الأطفال والنساء في غزة.. كم أنفقت من مال وجنود وجهد لتفعل هذا.. وفي المقابل كم أنفقت (الجزيرة) من مال لتجعل من كل رصاصة أو قنبلة أو قذيفة تطلقها اسرائيل.. قنبلة أخرى في الاتجاه المعاكس..
كم من الزمن ستبقى أثار القصف والدمار في غزة.. وكم من الزمن ستبقى الرسالة الاعلامية الجارفة .. في ضمير الأجيال..
المشهد في أجمله يبدو كما لو أنه فيلم كبير ضخم .. تغرم اسرائيل كل تكاليفه.. فتدفع أجور الرواية والسيناريو والممثليين والمخر وديكورات الاستديو.. ثم تأتي الجزيرة .. فلا تفعل أكثر من أن تضع الكاميرا أمام المشهد وتكسب (الفيلم) .. الذي تعرضه على جمهورها بعد ذلك مجاناً.. ولسان حالها يكاد يقول للشعب العربي.. شكراً.. لقد دفعت اسرائيل الثمن.. ثمن الانتاج الضخم للفيلم المثير المدهش..
لو أنفق الفلسطينون كل ميزانيات دولتهم منذ قامت.. ولو أضافوا اليها كل موارد اسرائيل والمعونات التي تحصل عليها من أمريكا وأوروبا.. لما استطاعوا تمويل الإنتاج الإعلامي الضخم الذي تبرعت بهخ اسرائيل لاحياء الضمير العربي والاسلامي تجاه القضية الأم.. قضية فلسطين..
اسرائيل نجحت بامتياز أن تمسح كل التراب والركام الذي غطى ذاكرة العرب وضميرهم.. لتذكرهم أن اسرائيل لا يمكن أن تكون في يوم صديق.. وأن من يحضنها كمن يحضن الحية الرقطاء..

الثلاثاء، 6 يناير 2009

6 يناير 2009 - صاح لكن .. غلط..!!

صاح .. لكن غلط ..!!
مراسنا المثابر في ولاية البحر الأحمر .. الأستاذ عبد القادر باكاش انفرد أمس بخبر قنبلة.. إعلان السيد محمد طاهر ايلا والي البحر الأحمر انفصال ولايته عن (هيئة الحج والعمرة) .. وهو خروج حميد من ناحية.. لكنه أيضاً من زاوية أخرى يعيد انتاج المأساة والمسلك المعوج..
أولا: حميد.. من ناحية كونه خروج على تقاليد الحكم الاتحادي .. فمفهوم الحكم الإتحادي في سوداننا يكاد لا يبين بسبب أن حكومات الولايات وولاتها يتصرفون كأنهم موظفون لدى المركز.. إذ أنهم يدركون أن مصير كرسي الحكم مربوط بحبل طويل يمتد إلى المركز.. يمتثل ولاؤهم لارادة المركز أكثر من ارادة ومطلوبات الحال في ولاياتهم.. لأضرب لكم مثلا بمسلك الولاء للمركز.. أنظروا للولايات المتاخمة لولاية الخرطوم.. لديها هذه الولايات ألف سبب وسبب لمنافسة الخرطوم في موارد المركز المغرية..لكن مع هذا تلتزم حكومات هذه الولايات الأدب المحبط في مواجهة الخرطوم.. وتمعن في التمسك بكل ما يحفظ للخرطوم مصالحها في مواجهة تلك الولايات.. مثلا ولاية الجزيرة.. يهرب بعض أصحاب السيارات لترخيصها في الجزيرة للتخلص من الضرائب والرسوم الباهظة في الخرطوم.. لو كان هناك حكم اتحادي سليم معافي .. يقوم على التنافس الشريف في اغتنام الفرص لصالح أهل كل ولاية.. لأقامت ولاية الجزيرة مراكز ترخيص في أول متر متاح ملاصق لحدودها مع الخرطوم.. لاجتذاب موارد الترخيص.. هذا على سبيل المثال لا الحصر.. وأقصد منه مجرد الاشارة الى فهم التنافس بكل جدية على تنمية ايرادات الولايات من كل ماهو متاح من فرص..
إذن .. بهذا المفهود كان محمد طاهر ايلا محقا في اقتلاع رسوم الحج والعمرة من المركز لصالح أهل ولايته.. بمدأ التنافس الشريف على الموارد المتاحة.. لكن المشكلة أن أخينا أيلا سقط في نفس الفخ الذي سبقه اليه المركز.. فخ حكومة (أبوكم مين..!) عندما تصبح الحكومة هي الأب أو الأخ الأكبر الذي يرعي الناس من المهد الى اللحد.. يسترخج لهم بطاقات اثبات الشخصية..ويشتري لهم (الشيلة) عن طريق وفد حكومي رسمي يسافر الى (دبي).. لشراء احتياجات الزواج الجماعي..
والحج والعمرة .. يا سعادة والي البحر الأحمر .. أمر لا يجب ان تدخل فيه الحكومة أنفها.. هي شعيرة وعبادة محاسب عليها الانسان .. الذي يجب أن يكون مخيرا في طريقة السفر وموعده .. ويختار في السعودية الوكالة التي تلائمه.. ويؤدي مشاعره كما يريد .. ثم يعود الى وطنه كما ومتى يريد..
الحج والعمرة – يا أخونا ايلا.. لتنمية النفس البشرية لا لتنمية السياحة في البحر الأحمر على حد ما ورد في الخبر.. ولا يجب أن يكون الحج والعمرة مطلقا من موارد الدولة بأي حال من الأحوال..

الاثنين، 5 يناير 2009

5 يناير 2009 - مزيدا من الرشد الاداري ..!!

مزيدا من الرشد الاداري..!!
حسناً.. مزيد من الرشد الاداري التنفيذي.. القرار الذي أصدره رئيس الجمهورية للتقويم الرسمي الجديد للعام 2009 .. فألغى بموجبه عطلات المولد النبوي الشريف و عيد ثورة الإنقاذ وذكرى الإسراء والمعراج ورأس السنة الهجرية.. ولم يتبق من العطلات سوى العيدين.. تقريباً..الخبر تفرد به زميلنا المتفرد دائماً عمرمحمد الحسن (الكاهن) ..
في تقديري أن تضخم العطلات في السودان منهك للنظام الإداري المدني.. يضاعف من تعطل دولاب العمل المكبل أصلاً بتراخي في الخدمة المدنية وترهل في مفاصلها وأحشائها يجعل منها ثقلا غليظا يبطيء تقدم البلاد.. فالخدمة المدنية تحكمها سياسات تجعل القيمة في (الروتين) أكثر من العمل المجدي.. وتسيطر عليها عقلية (الأفندية) التي لا تنظر للقيمة الكلية والأهداف بقدر النظر المسدد مباشرة للواقع الماثل..
ومشكلة الخدمة المدنية عندنا أنها مؤثرة – جدا- في الحياة العامة و حركة المواطن وسكونه وأرزاقه ومعاشه حتى ولو لم يكن منخرطاً في دولاب العمل الحكومي الرسمي.. وعندما تزداد تعطلات العطلات الرسمية فهي تربك حياة المواطنين المرتبطين بالعمل الحر الذي يرفد الأفواه بلقمة اليوم كل يوم.. وتلك في حد ذاتها مشكلة أخرى.. مشكلة الارتباط القوي بين معاش الناس عموما ودولاب العمل الحكومي حتى وأن لم يكونوا من قاطني مكاتب الدواوين الحكومية.. فالحكومة عندنا في السودان جسم اداري ضخم.. متمدد في كل مكان .. حت في أحشاء النشاط المجتمعي اليومي.. وكثيرا ما كتبت هنا في عمود المدينة أطالب بتصغير الحكومة.. فالحكومة الكبيرة تنجب شعبا صغيرا.. والحكومة الصغيرة تصنع شعبا كبيرا..
نحن وطن منكوس الحظ.. كنا في الماضي البعيد – حتى في زمن الاستعمار – أفضل حالا في الخدمة المدنية .. في الكفاءة والنضج واستقامة المنهج.. لكن العهود الوطنية المتتالية منذ خروج الاستعمار غمست صالح الخدمة المدنية في طالح الأجندة السياسية.. والتهب الأمر بعد ثورة أكتوبر تحت ضجيج الشعار الشهير.. (التطهير واجب الوطني..) وهي عبارة تعني محاسبة الموظف في الخدمة المدنية بشبهات التعاطف السياسي.. ومن يومها تطور الشعار مع كل عهد حتى وصل (الصالح العام) فأقام على جثة الخدمة المدنية مأتما وعويلا..
هذه الخدمة المدنية في حاجة لاصلاح هيكلي.. يعيد تركيب منهج التفكير فيها.. فتصبح مجرد منظم ومنسق .. أو مقدم خدمات سيادية مركزية.. بينما تنسحب تماما من باقي نشاط المجتمع.. حتى يأتي يوم لو تعطلت عاما كاملا ما أحس بها المواطن..
والأهم من كل ذلك.. استحدث مفهوم جديد للعمل في الخدمة المدنية لا يجعل من الموظف تابع لموظف أعلى إلا على قدر ما يفرض القانون هذه التعبية.. فإذا افترق القانون والنظام عنها أحل للموظف الأصغر أن يمارس ضميره بلا أدنى خوف من المحاسبة (أو النقل الى الأرياف) ..
لا ديموقراطية بيغير خدمة مدنية ديموقراطية من أعلى شعرها الى أدنى قدميها ...

الأحد، 4 يناير 2009

4 يناير 2009 - Objective not subjective

(Objective not Subjective)
عجبت لما رأيت بعض الزملاء يتعجلون اطلاق السهام على الدكتور عبد الله على ابراهيم.. لمجرد أنه تجرأ ونطق برغبته أن يتقدم للمسابقة الرئاسية فينافس على منصب الرجل الأول في البلاد.. وتمنيت لو أن الزملاء تفحصوا رؤاه وبرنامج وجادلوا في (الموضوع!) لا (الرجل!).. (Objective not Subjective)
الدكتور عبد الله على ابراهيم استضافه ظهر الأربعاء الماضي (31 ديسمبر 2008) منبر "طيبة برس" للحديث في محاضرة بعنوان (دحض فكرة أن السودان رجل أفريقيا المريض).. لكنه باغت الجمهور بموضوع مختلف تماماً.. إذ قدم نفسه مرشحاً للرئاسة وأدلى ببعض الأفكار العامة.. واعترض د. حيدر ابراهيم أحد أبرز الحضور على مبدأ الإنحراف عن موضوع الندوة .. ووصف المسلك بأنه (تدليس).. بالإعلان لندوة فيخرج المحاضر من جيبه بطاقة ترشيح..
حسناً.. ربما كان رأي د. عبد الله على إبراهيم أن ترشحه للرئاسة هو مدخل "لدحض" فكرة رجل أفريقيا المريض.. أو ربما أراد – بذكاء – كشف الغطاء عن المستور.. ليُري الناس كيف أن (رجل أفريقيا مريض) .. إذ مجرد إعلان شخص من غمار الشعب غير موصول بنسب ينتهي بـ(الياء) رغبته في الترشح للرئاسة..يقابل بكل هذه الدهشة بل الحسرة..
بالجدل النظري.. ربما د.عبدالله هو الأوفر مؤهلاً عن كل الذين حكموا السودان خلال قرنين من الزمان.. منذ عهد محمد على باشا.. ولا ينقصه إلا شعب يدرك أن المناصب العامة تقاس بحجم البرامج والأفكار والرؤى .. لا بحجم الأنساب والتفرغ السياسي.. أو بحجم الثروات والصيت المالي.. أو على الأقل فلنقل تلك أحد أهم مرتكزات (السودان الجديد).. أن يصبح كل الناس سواسية في الحقوق والواجبات.. ولا فضل لمرشح للرئاسة على مرشح الا بالتقوى الوطنية..
نحن نتجه – فرضاً – إلى تغيير سياسي عبر الإنتخابات.. سيكون محيراً لدرجة الإرباك أن نفترض أن مجرد تغيير الوجوه – لو حدث – هو الحل الذي يخرج السودان من واد الى واد آخر.. نحتاج – خاصة على مستوى الصفوة – لممارسة عملية إصلاح منهجي أول مرتكزاتها أن العمل السياسي ليس حكراً لمن تفرغ له وعاش به.. بل على النقيض تماماً يجدر تحريم التفرغ السياسي والتكسب منه.. وليت قانون الإنتخابات يحتم على أي مرشح في أي مستوى أن يثبت أنه يعمل وله مصدر رزق غير التفرغ السياسي.. ولدينا أمثلة باهرة لساسة ظلوا في المشهد السياسي بحضور قوي وفاعل ومع ذلك ظلوا يكسبون أرزقهم من كدهم وعرق جبينهم .. مثلا .. الأستاذ على محمود حسنين.. فحق أن يكون سهلا لديهم تقديم الاستقالة من المناصب العامة بلا تردد.. لأن العمل العام ليس في حسابات المعاش اليومي..
المحك في الخروج لفضاء جديد أن نخرج من أنفسنا وأفكارنا ونستنشق منهج تفكير خال من (المسلمات) العتيقة..

السبت، 3 يناير 2009

3 يناير 2009 - كوميديا ..!!

كوميديا ..!!
د. أزهري التيجاني وزير الأرشاد والأوقاف.. عقد أمس الأول (الخميس) .. بميناء الأمير عثمان دقنة بسواكن مؤتمراً صحفياً.. إتهم فيه الإعلام بتهويل أزمة الحجاج السودانيين هذا العام..!!
الوزير.. ربما زيادة في النكاية بالحجاج لا بالصحف ..قال أن معناة الحجاج سببها (ضعف أداء أمراء الأفواج لإختلال معايير اختيارهم) والعبارات اقتبسها بالحرف حسب ما كتب مراسلنا النشط في البحر الأحمر عبد القادر باكاش.. و (عدم اختيار فئات مقتدرة من الحجيج.. واستدل بوجود حاج عمره 95 كان ضمن الحجاج هذا العام ..) ..
وطمأن الوزير الشعب السوداني أنه (ليس هناك حالات توهان بين الحجيج السودانيين.!! وأنها كانت حالات محدودة ولفترات قصيرة..!!)
و ..( أثنى وزير الارشاد والأوقاف على حركة الخطوط الجوية السودانية وقال أن الناقل الوطني تمكن من الإيفاء بالتزاماته تجاه الحجاج في وقت قياسي وبكفاءة عالية..) ولم تنته طرائف السيد الوزير فقال (..أنني أوصي حجيجنا بالتمسك بناقلهم الوطني ..)..!!
إبداعات الوزير لم تقف عند هذا الحد.. فبعد أن أشاد بالمساكن الجميلة الرائعة التي وفرها للحجاج السودانيين في مكة ومني والمدينة المنورة.. دلل على رفاهية الحجاج السودانيين بأنهم صاروا يشتكون من ضيق المصاعد (الاسانسيرات!!) .. وطالبوا ببعض المقتنيات الرفاهية.. وبعضهم طالب بثلاجات لحفظ الانسولين للمصابين بالسكري.. وبصراحة لم يقل أنهم اشتكوا من أن أطباقهم الفضائية فيها بعض المحطات مشفرة ..!!
للحقيقة والتاريخ.. يستحق منا د. التيجاني الإعتذار.. وكلمة (منا) هذه لا تشملني وحدي ممن كتبوا يشرحون مرارات حجاج هذا العام.. بل تشمل معي الحجاج أنفسهم .. الذين كذبوا علينا وصدقنا كلامهم فنقلنا على لسانهم أنهم ظلوا في المطارات عدة ليال في برد قارص ينتظرون (سودانير) لتحملهم الى وطنهم.. وأنهم استنزفوا كل أموالهم التي معهم وباتوا بلا مال في عراء الإنتظار المجهول الأمد..
اعتذار منا نحن والحجاج الذين قالوا أن سودانير من الأصل سلمتهم تذاكر مفتوحة ليس عليها حجز .. وأنهم دفعوا في التذكرة حوالى ضعف سعرها العادي..
اعتذار منا والحجاج الذين كذبوا علينا وقالوا أنهم عانوا من المساكن (وليس الأسانسيرات) الضيقة المكتظة.. و الذين كذبوا علينا وقالوا أنهم من الاصل لم يروا (أمراء أفواج).. لكنهم – للدقة - رأوا (أمراء) بلا أفواج ..
وزيرنا (صاح) وكل حجاجنا (غلط) .. لم يفهموا أنه كان يريد أن يجعله (في ميزان حسناتهم) .. !!
سيدي الوزير.. الأمر لا يحتاج الى بطل..أو حتى مغالطة.. أخرجوا منها واتركوها (على الله).. اتركوا الحجاج يسافرون وحدهم.. ويتدبرون أمورهم لوحدهم بالطيران الذي يختارون..
و حلوها .. هيئة الحج والعمرة.. وربنا يخلف عليكم في غيرها..!!
لكن قبل حل هيئة الحج والعمرة.. وعلى ذمة الدكتور حسن أحمد طه.. أشرحوا للشعب السوداني أين ذهبت أموالها ..!!

الجمعة، 2 يناير 2009

2 يناير 2009 - جرد حساب الأحزاب ..!!

جرد حساب الأحزاب ..!!


في جرد الحساب بمناسبة عيد الإستقلال ..الذي نشرته صحيفة السوداني أمس.. الإستاذ محمد ابرهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني استنكر السؤال وقال للمحررين لماذا لا تسألوا الأنظمة العسكرية التي حكمت السودان (41) عاماً من أصل (53) عاماً من عمر السودان المستقل..
يقصد الأستاذ نقد الإشارة إلى جدلية الحكومات العسكرية في مقابل المدنية في تاريخ السودان .. وإعتذار الأحزاب السياسية السودانية العتيد بأن الفرصة لم تتح لها للحكم.. وأنها بالكاد في كل مرة تنعم بثلاثة أو أربعة أعوام قبل أن يطيح بنظامها الحاكم البيان رقم واحد..
وفي تقديري أن الأستاذ نقد يقع في فخ "المسلمات" التي تقال جزافاً في السوق السياسية.. دونما اختبار حقيقي لصحة هذه الإعتذارية.. إعتذارية(أدونا فرصة..!!).. هناك خلل في فهم تاريخنا السياسي المعاصر.. هو الذي أنتج هذه "المسلمات"..
يا سيدي نُقد..إذا تعمقنا في دراسة لحظة الفعل Trigger لوجدنا أن الأحزاب كانت دائما صاحبة الفعل المسمى "انقلاب" الذي ينتج عنه حكم عسكري.. بينما في المقابل الجماهير وحدها هي صاحبة الفعل المضاد المسمي في تاريخ السودان مرة بـ(ثورة شعبية) كما حدث في 21 أكتوبر عام 1964.. وأخرى (إنتفاضة شعبية) كما حدث في صباح 6 أبريل 1985..
بعبارة أكثر دقة.. الأحزاب هي مفجرة (الإنقلابات) .. وليس الجيش..بينما الجماهير هي مفجرة الثورات والإنتفاضات وليس الأحزاب.. والقاسم المشترك بين الفعلين ( الإنقلابات والثورات) هو أن الأحزاب في كلتا الحالتين كانت تمسك في النهاية بمقود الحكم..
ولا أجدني- لأسباب عملية - في حاجة لتفصيل ذلك ..و لتكرار سردي للوقائع في مرات سالفة كثيرة.. لكن الخلاصة أن (المسلمة) الثابتة التي يحتج بها الساسة الحزبيون دائماً على ضعف الحكومات الحزبية .. يجب أن تكسر بالتمعن جيداً في تاريخنا السياسي الحديث..
وربما الحقيقة التي قد لا يسر الساسة النظر في وجهها أن قصر عمر الحكومات الحزبية كان نتاجاً مباشراً لمنهج تفكير الحكم الحزبي.. وذكرت للقراء قبل هذا أنني ومن خلال بحثي في دار الوثائق السودانية للصحف في الفترة الحزبية الثانية من 1964 وحتى 1969.. لفت نظري أن كل تصريحات الساسة وهموم الحكومات الحزبية المتعاقبة لم تكن أبداً تنظر للوطن والمواطن السوداني إلا بذات المنظار الذي ترى فيه – من بعيد – فنزويلا أو الأرجنتين مثلاً.. إحساس كامل لدى الأحزاب أن لها أن تحكم.. وليس عليها مسئولية هذا الحكم.. من عشرات الآلاف من التصريحات وأخبار الساسة كان نادراً جداً الحديث عن مشاكل المواطن أو مشاريع التنمية ومترادفات شروط الحكم الرشيد..
كانت المنهج الحزبي يقوم على بلاغة الخطب السياسية في الجمعية التأسيسية أو منبر الأمم المتحدة (خطاب المحجوب الشهير) .. لكن ليس من بعد الكلمات أفعال ..خاصة في الإتجاه الموجب نحو المواطن وكفالة حقه في التمتع بخيرات وطنه.. ولهذا كانت الحكومات الحزبية تولد وعلى فمها أنابيب الإنعاش..
على كل حال.. تحطيم "المسلمات" الوطنية أمر حتمي للإصلاح السياسي..

الخميس، 1 يناير 2009

1/1/2009 - سيد نفسك مين أسيادك

سيد نفسك.. مين أسيادك..!!


بسم الله نبدأ عاماً ميلادياً جديداً.. العام التاسع بعد الألفين.. وتضيء شمعة جديدة من عمر السودان بعد الإستقلال.. ليبلغ عمرنا الحر (53) عاماً.. فيفصلنا خمسة أعوام فقط لنكون حكمنا انفسنا ذات عمر حكم الإستعمار لنا.. منذ دخوله أم درمان في العام 1898 ..
(53) عاماً.. ونحن لا نزال نبحث عن وثيقة حكم مركزية.. التي تسمى "الدستور".. كتبناها ثم مزقناها .. ثم كتبناها.. ثم مزقناها.. واستمر الوضع كلما جاء عهد سياسي مزق دستور العهد السلف.. وحتى اشعار آخر نحن تحت طائلة دستور "إنتقالي" لا تزال المعارك تجري حول القوانين التي تسانده.. وقبل أن يغلق العام السالف (2008) صفحاته شهدت أروقة المجلس الوطني معركة ضاجة بين معسكري الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني.. حول القوانين المقيدة للحريات.. لينتهي العام الـ(53) بعد ميلاد السودان.. ولا يزال.. ليس مجرد الدستور..بل القوانين لم تستقر بعد..
بحكم الزمن.. يفترض أن بلادنا نالت من الخبرة ما يجعلها دولة رشيدة.. لا تحكمها حكومة رشيدة فحسب.. بل تعارضها أحزاب رشيدة أيضاً.. فالرشد اذا لم يتححق في أسوار الأحزاب عز أن يتحقق في أسوار القصر.. لكن وحتى لحظة كتابة هذه السطور.. لا يرى الشعب في مشهده السياسي ما يثبت ويبرهن على ذلك.. من أقصى اليمين الى أقصى يسار الملعب السياسي..
(53) عاماً ولم تنعم بلادنا فيها بحكم ديموقراطي .. حتى تلك السوانح الثلاث التي أطلق عليها فترات حكم ديموقراطي.. في الحقيقة هي ليست كذلك.. هي فترات حكم حزبي تعددي..لكن المعنى الحقيقي للديموقراطية لا زال حلماً في خيال الشعب السوداني.. لم يأذن الله به بعد.. فالديموقراطية ليست صندوقا تلقى فيها بطاقات الإقتراع في الانتخابات.. هي عملية Process.. لها واجبات ومستحبات ومكروهات ونواقض .. ومن نواقض الديموقراطية أن تتحقق جزئيا في انتخابات.. وتنتهي مع انتهاء مراسم التنصيب.. الديموقراطية ما وقر في القلب وصدقه العمل..
ذات العملية التي أوصلت مهاجرا من أفريقيا السوداء الى كرسي الحكم في أعتى دولة في العالم.. والتي جعلته يخرج الرجل الأبيض من البيت الأبيض.. ليجلس في مكانه.. هي التي يمكن أن تغير الحال ليس في وطننا السوداني فحسب.. بل شرقنا العربي المترع بالقوابض الكواسر..
وعندما تأتي الديموقراطية الحقيقية.. يصبح الشعب هو الحاكم.. والحاكم هو المحكوم بأمر الشعب.. سيد نفسك.. مين أسيادك..!!
..عندها ترتاح منا الكوارث والإحن ما ظهر منها وما بطن ..