الجمعة، 2 يناير 2009

2 يناير 2009 - جرد حساب الأحزاب ..!!

جرد حساب الأحزاب ..!!


في جرد الحساب بمناسبة عيد الإستقلال ..الذي نشرته صحيفة السوداني أمس.. الإستاذ محمد ابرهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني استنكر السؤال وقال للمحررين لماذا لا تسألوا الأنظمة العسكرية التي حكمت السودان (41) عاماً من أصل (53) عاماً من عمر السودان المستقل..
يقصد الأستاذ نقد الإشارة إلى جدلية الحكومات العسكرية في مقابل المدنية في تاريخ السودان .. وإعتذار الأحزاب السياسية السودانية العتيد بأن الفرصة لم تتح لها للحكم.. وأنها بالكاد في كل مرة تنعم بثلاثة أو أربعة أعوام قبل أن يطيح بنظامها الحاكم البيان رقم واحد..
وفي تقديري أن الأستاذ نقد يقع في فخ "المسلمات" التي تقال جزافاً في السوق السياسية.. دونما اختبار حقيقي لصحة هذه الإعتذارية.. إعتذارية(أدونا فرصة..!!).. هناك خلل في فهم تاريخنا السياسي المعاصر.. هو الذي أنتج هذه "المسلمات"..
يا سيدي نُقد..إذا تعمقنا في دراسة لحظة الفعل Trigger لوجدنا أن الأحزاب كانت دائما صاحبة الفعل المسمى "انقلاب" الذي ينتج عنه حكم عسكري.. بينما في المقابل الجماهير وحدها هي صاحبة الفعل المضاد المسمي في تاريخ السودان مرة بـ(ثورة شعبية) كما حدث في 21 أكتوبر عام 1964.. وأخرى (إنتفاضة شعبية) كما حدث في صباح 6 أبريل 1985..
بعبارة أكثر دقة.. الأحزاب هي مفجرة (الإنقلابات) .. وليس الجيش..بينما الجماهير هي مفجرة الثورات والإنتفاضات وليس الأحزاب.. والقاسم المشترك بين الفعلين ( الإنقلابات والثورات) هو أن الأحزاب في كلتا الحالتين كانت تمسك في النهاية بمقود الحكم..
ولا أجدني- لأسباب عملية - في حاجة لتفصيل ذلك ..و لتكرار سردي للوقائع في مرات سالفة كثيرة.. لكن الخلاصة أن (المسلمة) الثابتة التي يحتج بها الساسة الحزبيون دائماً على ضعف الحكومات الحزبية .. يجب أن تكسر بالتمعن جيداً في تاريخنا السياسي الحديث..
وربما الحقيقة التي قد لا يسر الساسة النظر في وجهها أن قصر عمر الحكومات الحزبية كان نتاجاً مباشراً لمنهج تفكير الحكم الحزبي.. وذكرت للقراء قبل هذا أنني ومن خلال بحثي في دار الوثائق السودانية للصحف في الفترة الحزبية الثانية من 1964 وحتى 1969.. لفت نظري أن كل تصريحات الساسة وهموم الحكومات الحزبية المتعاقبة لم تكن أبداً تنظر للوطن والمواطن السوداني إلا بذات المنظار الذي ترى فيه – من بعيد – فنزويلا أو الأرجنتين مثلاً.. إحساس كامل لدى الأحزاب أن لها أن تحكم.. وليس عليها مسئولية هذا الحكم.. من عشرات الآلاف من التصريحات وأخبار الساسة كان نادراً جداً الحديث عن مشاكل المواطن أو مشاريع التنمية ومترادفات شروط الحكم الرشيد..
كانت المنهج الحزبي يقوم على بلاغة الخطب السياسية في الجمعية التأسيسية أو منبر الأمم المتحدة (خطاب المحجوب الشهير) .. لكن ليس من بعد الكلمات أفعال ..خاصة في الإتجاه الموجب نحو المواطن وكفالة حقه في التمتع بخيرات وطنه.. ولهذا كانت الحكومات الحزبية تولد وعلى فمها أنابيب الإنعاش..
على كل حال.. تحطيم "المسلمات" الوطنية أمر حتمي للإصلاح السياسي..

ليست هناك تعليقات: