الثلاثاء، 27 يناير 2009

27 يناير 2009 - تجريب المجرب


تجريب.. المجرّب..!!

رئيس الجمهورية في ولاية نهر النيل.. افتتح بعض المشاريع الحيوية على رأسها مصنع السلام للأسمنت.. أحد أربعة مصانع عملاقة كلها على وشك الإنتاج في غضون الشهور القليلة القادمة لتغطي حاجة البلاد تماماً من الأسمنت.. وتتأهب الدولة للإحتفاء بالتوليد الكهرومائي من سد مروي خلال أيام قليلة..وهنا في الخرطوم.. زرنا أمس الأول كبري جزيرة توتي الجديد.. الذي يجري الاستعداد للإحتفال بإفتتاحه خلال أيام.. وقبله تم إفتتاح كبري رفاعة.. الحلم الذي ظل عالقاً في أمنيات أهالي المنطقة لعقود من الزمان.. و.. وو.. مشاريع في مختلف الاتجاهات وانجازات ليس من العدل والإنصاف إلا الإقرار بأنها في ميزان الحكومة.. ومع ذلك يجدر إكمال هذه الفقرة بكلمة.. ولكن..!!هذه المشاريع مهما سمقت.. لا تغني عن (الصلات الطيبة) بين الحكومة وشعبها.. بعبارة أكثر تحديداً.. العمل التنفيذي يوصله إلى ضمير الشعب العمل والخطاب السياسي.. ومهما كانت الإنجازات وفيرة.. فهي لن تكون أكثر مما حققه الجنرال إبراهيم عبود في ست سنوات فقط.. وليس عشرين عاماً.. بل وبحساب بسيط.. لو بقي عبود في الحكم مثل السنوات التي حكمتها الانقاذ حتى الآن لكان السودان في مصاف ماليزيا أو أضعف الإيمان مثل سنغافورة.. لكن عبود أودى به اضمحلال الخطاب السياسي وضموره..والوضع الآن عند الإنقاذ –سياسياً- أسوأ مما كان لدى عبود.. فعلى الأقل عبود لم تكن له طموحات سياسية وجهاز سياسي متمكن.. لكن الانقاذ الآن تكبت الخطاب السياسي وتبث رسائل سياسية تضرب في الإتجاه المعاكس.. ووفرت همتها السياسية تماماً بل استأصلتها.. واستبدلت (التي هي أحسن) بـ(التي هي أخشن).. وتعوِّل كثيراً على الكبت لا الإنطلاق السياسي..مثل هذا الوضع لا يجعل لمثل هذه الإنجازات صدى في نفوس الشعب أكثر من رنين إحتفالاتها.. ومهما تصوّر بعض الحاكمين أن التعويل على رسائل الإنجاز لتصبح خطاباً عملياً يغني عن الحاجة لخطاب سياسي رشيد.. فإن التجربة والبرهان تثبت خطأ مثل هذا التصور..الاتحاد السوفيتي –مثلاً– كان دولة عتية.. قارع أمريكا والغرب العلم بالعلم والإختراع بالإختراع.. حتى صعد معهم إلى القمر.. واستكشافات الفضاء البعيد.. وامتلك ذات الأسلحة النووية –وربما أفضل- كالتي تملكها أمريكا.. ومع ذلك ذاب وتلاشى هذا الفيل السوفيتي فاتضح أن ضخامة جسم الفيل وقوته.. وطول خرطومه ليسا ضماناً يمنحه قوة البقاء..الزجر السياسي والكبت ليس اختراعاً جديداً.. مارسته دول شهيرة عتية.. كلها انتهت إلى أرشيف التاريخ.. بينما ظلت دول صغيرة أصلها ثابت وفرعها في السماء لأنها تستلهم روح الخطاب السياسي المنفتح الذي يتعامل مع الشعب برشد ولا يهمل صوته أو ضميره..لن تمنع كل هذه الإنجازات طامة كبرى إذا أزفت.. إلا إذا استدركت الحكومة خطابها السياسي وأعادت النظر فيه..

ليست هناك تعليقات: