الثلاثاء، 31 مارس 2009

الفتاوي - 31 مارس 2009

الفتاوي ..!!

يجب فتح الباب واسعاً للتساؤل.. عن المعنى الفني للفتوى الدينية.. إذا كان الأمر – مثلاً – يختص بمسألة ذات خصوصية عملية أو فنية. أيهما يُفتي أستاذ الفقه الإسلامي أم الطبيب.. وإذا كانت مسألة هندسية.. أو مسألة سياسية.. أو مسألة إجتماعية.. أيهما يفتي استاذ الدراسات الإسلامية أم الدراسات الإجتماعية..
كتبتُ في أكثر من مناسبة على مدى سنوات أنبه لخطورة ما يقع فيه بعض علمائنا الأجلاء .. في المؤسسات ذات السمة الدينية.. حينما يتصدرون للفتوى في مسائل هي من صميم إختصاص غيرهم.. مسائل تستدعي معلومات ذات طبيعة خاصة لا ينبغي أن تقوم أركان الفتوى بدون النظر فيها.. وضربت أمثلة لهذه الفتاوي المثيرة..
العلماء الأجلاء يخرجون عن دائرة تفويض الفتوى حينما يقطعون الكلم في مسائل أخرى.. كما حدث قبل أيام.. ومثل هذا الوضع يهز مرجعية المؤسسة الدينية.. ويجعلها في ضمير المواطن (حبة.. عند اللزوم).. والأجدر أن يحيل العلماء الأجلاء المسائل ذات الطبيعة المتخصصة إلى جهات الإختصاص.. وحتى لو تطلب الأمر أن تكون الكلمة الأخيرة صادرة عن مجمع الفقه فليس قبل أن يستعين ويستصحب الرأي الرسمي للمؤسسات الأخرى المتصلة بالقضية مباشرة..
في ظني.. أن ترسيم الخطوط والحدود الفنية الدقيقة لما يمكن أن يندرج تحت مصطلح (فتوى) مهم للغاية.. حتى تتضح المعالم التي تميزها عن (الرأي).. فالفتوى أقرب إلى النص القضائي الذي يقرر في صفة المسألة.. بينما (الرأي) هو خيار راجح عند القائل به، لا يحمل صفة الإلزام أو (المرجع) لغيره ..
مثلاً.. هل يجوز لسفير دولة السودان في الخارج أن يحضر أو يشارك في مناسبات يحضرها سفير إسرائيل في تلك الدولة.. هنا لا يمكن أن يكون الرأي لدى مجمع الفقه، قبل أن يستفتي - هو الآخر - وزارة الخارجية في المفاهيم الدبلوماسية والبروتوكولية التي تنبني على مثل هذه المشاركات..حدود مجمع الفقه ستكون في النظر إلى تقاطعات هذه المفاهيم مع أية مفاهيم شرعية أخرى.. وليس في تقييم مدى أهمية أو جدوى هذه المفاهيم الدبلوماسية.. فتصبح الفتوى كما لو جاءت من وزارة الخارجية وليس مجمع الفقه الإسلامي..
وضع أشبه بدائرة (المراجعة) في تدرج الأحكام في القضاء السوداني .. فهي دائرة من خمسة قضاة تنظر فقط في مخالفة قرار المحكمة لأحكام الشريعة.. لكنها لا تعيد تقييم الوزن القانوني للقرار من أية زاوية أخرى..
التحديد الفني للفتوى يعضد من مرجعيتها لدى العامة.. حتى لا تهدر هيبة و مكانة العلم، حينما تطير الفتوى في الهواء.. يرمقها الناس بأعين ساخرة..






ليست هناك تعليقات: