الجمعة، 1 مايو 2009

قرب تعال ما تبتعد - 1 مايو 2009

(قرب تعال ما تبتعد ..)!!

في سائر الدول العربية الأخرى، يقولون عنَّا.. نحن السودانيين.. أننا شعب كسول.. يتأبط الراحة ولو على حساب مصلحته.. ومن باب الوطنية القحة يجدر زجر مثل هذه الأقاويل و(تخوين) قائلها وزجهم في قائمة أصحاب (المؤامرة) الأجنبية ضدنا.. لكن من باب الصراحة .. وطالما أن الحديث داخل البيت السوداني.. ولا يسمعنا أحد في الخارج.. لربما جاز أن نطأطي الرأس ونقول في صوت خافت ..(نعم .. نحن شعب كسول..)
والبرهان على ذلك .. ليس أن أجمل مدننا أسمها مشتق من (الكسل)..بل من أدبياتنا العفوية.. و(العفوية!) مقصود بها تلك الأدبيات التي تخرج بلا تكلف من أعماقنا وتكشف – كصورة الأشعة – نخاعنا الداخلي..
مثلاً.. في أغنياتنا العاطفية.. رغم أن الحبيب محور إهتمام ناظم القصيد.. إلا أن التعامل مع الحبيب فيه دائماً كسل.. محمد الأمين يقول في أغنيته مخاطباً الحبيب (قرب تعال .. ما تبتعد) .. مطلوب بالأمر أن يقترب هو/هي.. ويتكبد عناء الحضور..
لكن أبشع أنواع الكسل ذلك الذي يؤذي قدراتنا الإقتصادية..تدخل إلى المتجر، فتجد صاحبه على أخمل إتكاءة.. يرمقك بنظرة وكأنه يلعن الحظ التعيس الذي جاء بك لارباك راحته.. بائع بطيخ على ناصية طريق النيل في أم درمان.. أوقفت سيارتي بجواره.. ونزلت أتفرس في البطيخ.. وهو جالس تحت ظل شجرة مجاورة يتفرس في وجهي.. لما أشرت له بيدي سألني بكل برود (عاوز بطيخ؟..) ..سؤال يحمل في طياته الاجابة.. وكأنه يقول (طيب ما تشيل البطيخة.. وتجيب لي القروش هنا تحت الشجرة..).
لكن كل هذا الكسل كوم.. وكوم آخر (الكسل الرسمي..)..!! للكسل الرسمي انواع كثيرة أبرزها ما يطفح في وجه المواطن العادي في الطرقات والعمل العام.. جماعة المرور يقفون بالمرصاد في الشارع.. يستوقفون السيارات .. يقطعون (تذكرة) الغرامة .. عليها الرقم (30) ألف جنيه.. ويطلبون منك في الحال والتو سداد المبلغ..( طيب.. ليس في جيبي مال) ..( انا في عجلة من أمري للحاق بأمتحان على وشك ان يبدأ..) او ( أحمل مريضا في حالة صعبة الى المسشتفى).. كل ذلك لا يجدي .. (أدفع بالتي هي أحسن..) أو الأخشن.. هذا ضرب من (الكسل الرسمي).. لأن كل الدول التي تحترم شعوبها .. تدرك أنه ليس من واجبات المواطنة حمل المال في الجيب في أي زمان وأي مكان.. فيسلمك رجل المرور ورقة المخالفة .. ويطلب منك بكل تهذيب سدادها في البنك أو البريد متى تيسر لك الأمر.. وينبهك بكل أدب انه من حقك الإعتراض على التسوية وطلب نظر القضية بواسطة القاضي.. لأنهم شعب بلا كسل.. يتعبون أنفسهم قليلا بتحصيل الغرامة بالطريقة التي تريح المواطن لا رجل المرور..
أما الكسل (بالجد بالجد) فلا استطيع الحديث عنه ..بالجد بالجد..!!

ليست هناك تعليقات: