الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008

14 نوفمبر 2008 - ابوكم مين ؟؟

أبوكم مين ؟؟

في عهد الرئيس السوداني الأسبق النميري.. كانت المنظمات الرسمية الحكومية تزرع في ألسنة الناس.. في المظاهرات والملمات الحاشدة هتافا غريبا .. يهتف أحدهم بصوت جهور (أبوكم مين..؟) وتردد الجماهير من خلفه (نميري) .. ولزوم اللحن تنطق الياء مكررة أكثر من مرة .. (نميييييري) ..!!
لم يكن مفهوماً للجماهير علاقة الأبوة هنا.. بين الراعي والرعية.. لكن يبدو أن الرجل المسئول من تصميم الهتافات الجماهيرية كان يقصد بها حالة (الحنان) والعلاقة الوشيجة بين القمة والقاعدة.. وعلى العموم لم يكن يهم الجماهير أن تفهم معني الهتاف .. لأن الضمير الشعبي يفترض أن (الهتاف!) أى هتاف.. هو مجرد بث مباشر (حلقومي) يقاس بمدي قوة الصوت لا عمق الصدق أو الايمان بمضمون الهتاف..
لكني .. أدعي ..أنني الآن فقط فهمت معنى هذا الهتاف.. وتعجبت كثيرا – طبعا بعد فهمي له –لماذا لم يتمدد ليجمع الأب والأم والأخ الأكبر.. فيهتف الناس (أبوكم .. وأمكم .. وأخوكم الكبير ..مين ؟؟) و ترد عليهم الجماهير بالاسم المتفق عليه سلفاً..
علاقة الأبوة هنا لا يقصد بها محض الحنان الرسمي أو الجماهيري.. بل أعمق من ذلك.. علاقة اذعان .. وقبول بالإذعان .. وتباعد بين الأكتاف.. هل تستطيع أن (تعمل كتفك.. بكتف أبيك).. أو أمك.. أما (الأخ الأكبر) The big brother فهو تعبير رائج يقصد به (الوصاية) .. فالأخ الأكبر يعلم كل حاجة عنك .. وبحكم العلاقة الأسرية يتحكم في قرارك..
الحكومة هي أمي وأبي .. وأخي الأكبر.. تقرر مصيري.. وتبيع لي الأرض التي أسكن فيها.. والخدمات كلها.. من كهرباء وماء وهواء.. وصحة وتعليم.. حتى الزواج (الجماعي) .. تزوجنا الحكومة وتشتري لنا (الشيلة) بوفد رسمي يسافر إلى (دبي) لشراء (الشنط) ..
أنظر حولك في أى مكان ترى الحكومة..أمامك خلفك.. جوارك.. و(تدفع.. تدفع.. يا تتلبع ).. وبالطبع لأن الحكومة أبي وأمي وأخي الأكبر فلا سلطان للخروج من نطاق أمرها..
والحكومة معني كبير يمتد من المحلية التي تسكن فيها.. ثم يرتفع إلى أعلى.. ويمتد أفقياً ليشمل قطاعات كبيرة في مختلف دواوين الخدمات التي تقف أمامها في طابور طويل.. والاسم أصلا مشتق من حكم يحكم فهو متحكم.. فيك كأبيك وأمك وأخيك الأكبر ..
الحكومة الصغيرة تعني شعباً كبيراً.. والحكومة الكبيرة تعني شعباً صغيراً.. فهل نسمع بمرشحين في الانتخابات القادمة يرفعون شعار (تصغير الحكومة) ..!!

ليست هناك تعليقات: