السبت، 11 أكتوبر 2008

الرقابة الأمنية على الصحف..!!

منذ حوالى سبعة أشهر.. بالتحديد منذ شهر فبراير عام 2008 .. تخضع الصحف السودانية لرقابة أمنية قبلية.. حيث يزور الصحيفة مساء أحد ضباط جهاز الأمن الوطني والمخابرات ويراجع المواد الصحفية .. ويأمر بحذف أو تعديل بعضها ويسمح بنشر المواد التي يطالعها بعد ذلك القاريء صباح اليوم التالي.. فتصبح مواد الرأى والأخبار التي تظهر في الصحف هي بالتحديد ما سمح به مقص الرقيب..
فماهي تأثيرات مثل هذه الرقابة على الصحف..؟؟
من المنصف أولاً أن نؤكد أن جهاز الأمن الوطني الذي (ينفذ) الرقابة ليس بالضرورة هو صاحب القرار فيها.. بل ربما يكون معترضاً عليها وقد تكون المشيئة السياسية هي التي تفرض عليه ذلك.. لكن رغم ذلك ففي تقديري أن هذه الرقابة تحدث خسائر جسيمة (جدا) .. حتى ولو لم تظهر آثارها عاجلا..
وأضرب لكم مثلا بقضية حساسة جداً تعرضتُ لها في حديث المدينة لكن الرقيب منع نشر العمود ..
قبل عدة اسابيع اجتاحت القوات الاثيوبية حدودنا الشرقية وقتلت ضابطاً من الشرطة السودانية وعدداً كبيراً من جنودنا الذين كانوا معه في موقع حراسة متقدم داخل الحدود السودانية..
من وحي إحساسي بالمسئولية الوطنية تجاه هذا البلد.. قدرتُ أن إحداث نوع من رد الفعل الغاضب الشعبي داخل السودان يبعث برسالة قوية للحكومة الاثيوبية.. لتدرك أن مثل هذه الأعمال لا تضرب الحكومة السودانية بل تقصف عمق الوجدان الشعبي تجاه اثيوبيا.. وأن اثيوبيا بمثل هذه الأعمال لا تسوى خلافاتها مع الحكومة السودانية بل تخسر مجمل الشعب السوداني وتخلق حالة غضب شعبي ضد اثيوبيا..
وأدرك تماما أن السفارات الأجنبية في السودان تنقل ردود الأفعال هذه لحكوماتها وقد ينبني قرارها السياسي عليها.. خاصة أن كل السفارات الأجنبية في السودان تهتم بما يكتب في الصحف السودانية وتتابعه أولا بأول بل ولها أقسام اعلامية كاملة تترجم ما يكتب.. وبالتأكيد، التعبير الغاضب في الصحف السودانية سيبعث برسائل قوية للمجتمع الدولي والاقليمي وللحكومة الاثيوبية بالتحديد..
ماذا كانت النتيجة .. جاء الرقيب مساء ومنع نشر عمود حديث المدينة ..!!
إذن ماهو المترتب على ذلك.. حجب رد الفعل الشعبي الغاضب يبعث برسالة لاثيوبيا أن قتل أكثر من عشرين جنديا سودانياً وضابطاً .. لا يعني أى شيء بالنسبة لشعب السودان.. وأن مشكلة كمال شداد مع صلاح ادريس أكثر جذباً لانتباه الرأى العام السوداني من مقتل جنوده (غدراً) وداخل بلدهم .. دون أن يزرف عليهم قلم واحد دمعاً أو يثكلهم غاضب..
والله العظيم.. وهو قسم فعلي لا مجازي.. كنت أحس بطعم المرارة في فمي من تخيل مشهد جنودنا الأبرياء وهم مستأمنون داخل وطنهم يحرسون موقعاً متقدماً وإحساسهم بالأمن والأمان لا يشوبه أى حذر.. فإذا بقوات جارة صديقة لنا تجتاحهم ليلاً وتُعُمِل فيهم قتلاً .. بلا أدني ذنب أو سبب.. وصحف الخرطوم هناك بعيدة في همومها لا تستطيع حتى أن تزرف الدمع عليهم.. وكأني بالمستشار الاعلامي للسفارة الاثيوبية يرسل تقاريره لبلده ( لا رد فعل .. الحكومة السودانية وحدها من يحس بألم الطعنة..) فتفترض الحكومة الاثيوبية أن قتل الجنود السودانيين عمل متاح في حسابات الكر والفر بين حكومتي البلدين..
وعندما يسافر وفد حكومي من السودان بعد ذلك للتفاوض مع اثيوبيا – وهو ماحدث فعلا – سيكون وحده.. غير مسنود بأى ارادة شعبية.. وتدرك الحكومة الاثيوبية أنها تفاوض موظفين رسميين .. رضاؤهم أوغضبهم سيان.. طالما أنهم بلا شعب خلفهم.. ويصبح لسان حال الجارة الصديقة (الاضينة .. دُقو واعتذر لو..)
نحن الوطن ..البلد الكبير.. نفقد كثيرا بفعل هذه الرقابة.. ومع ذلك يبقى السؤال الكبير.. ماهو الذي تخشي الحكومة أن يعلمه الشعب ؟؟ فتراقب الصحف حتى لا تقوله للشعب !!

هناك 3 تعليقات:

ali يقول...

الاخ عثمان ليس من الحكمة اثارة صراع مع اثيوبيا فى هذا الوقت تحديدا فاديس ابابا تحتضن رئاسة الاتحاد الافريقى والسودان يملك سفيرين فى اثيوبيا (محى الدين +ابن بونا ملوال )ونحن بحاجة لتلك المنظمات فى الفترة الحاليةلحلحلة قضايا دارفور
اما اذا اردنا المواجهة فلن تكن فى الحدود فابو القدح بيعرف وين يعضو اخوهفاثيوبيا مورطة فى الصومال ولها حروب مع ارتريا ولها قلاقل محلية وبها مجاعى مستمرة

غير معرف يقول...

سميت الصحافة بالسلطة الرابعة لما تلعبه من دور قوى يؤثر على مجريات الاحداث على مختلف الاصعدة,عافية الصحافة تمنح المحكوم سلطة و الحاكم سلطة اقوى,فالصحافة هى مراّة تكشف العيوب و مكامن الخلل فى جسم الوطن الواحد,ليس من باب التشهير و المكايدة و لكن من باب التصحيح و تحقيق اهداف الامة..اليوم تتمتع الصحافة بحرية اكثر من السابق..حرية نسبية..فما المقابل؟لاحظوا معى..ازدادت ظاهرة اعتماد عدد كبير من المشاريع الحكومية على نظام العطاءات التى تخرج يوميا عبر الصحف..نفس هذه المشاريع كانت السابق تهدى الى المقربين لا ترى الا و قد قامت او انهارت..هناك احتراس شديد يلاحظ فى غالبيةالوزارات عند تناول بعض مكامن التقصير عن تلك الوزارة المعنية فى الصحف فتسعى الى التعقيب و التوضيح و احيانا الشكر على النصائح..فى غرب السودان توجد ازمة حقيقية وفى الجنوب هناك اسلحة ثقيلة قيل انها تريد ان تتسلل الى اراضيه اضافة الى ملف ابيي,و فى حدودنا الشمالية هناك حادث اختطاف دولى..(و بعد دا يا استاذ عثمان عايز تعمل لينا جبهة تانية مع الحبش)

غير معرف يقول...

جوهر مشكلة السودان هو في وجود المتمردين الحاكمين في الخرطوم . وهذه الأحداث ليس الا نتاج لها .

مع محبتي لك ولكل المخلصين