الأحد، 12 أبريل 2009

غفلة اعلامية -12 ابريل 2009

غفلة إعلامية ..!!
صباح أمس استمعت لمقطع عابر من برنامج حواري في أم درمان اف ام 100 (إذاعة البيت السوداني) ..البرنامج الصباحي يتيح للمستمعين المشاركة عبر الهاتف على الهواء مباشرة.. اتصل أحد المستمعين و بعفوية تحدث في موضع الحلقة التي كانت حول تأثير الطقس والبيئة في مزاج الناس..
المستمع سرد تجربة مر به .. إذ وعد أسرته بنزهة في جو وثير.. في الطريق إلتقتهم (إمرأة مسيحية!!) .. المرأة بشوق وحنان بالغ عانقت إبنتهم الصغيرة وضمته إلى صدرها بمنتهى الود..!! وإلى هنا أنتهت قصة المستمع..
لا عليه .. ولا حرج .. فالمستمع إتصل عفوياً وتحدث بعفوية.. وسرد قصة عفوية .. بعبارات عفوية.. لكن انتبهوا لمصدر الخطر الكبير.. في خلال سرده للقصة والتي حكاها بتفاصيل دقيقة وكرر فيه لفظ (المرأة المسيحية!!) أكثر من مرة لم يفتح الله على المذيعة التدخل للخروج من المأذق .. بل وكأني بالأمر يسري عبر الأثير بمنتهى (العفوية!) الإعلامية التي لم تنتبه لتقسيم المجتمع على أسس (دينية!!)..
الإعلام رسالة خطيرة ومؤثرة إلى أبعد مدى في تماسك أو تفكيك عرى المجتمع والدولة.. وأخطر ما في الإعلام .. الإيحاء المتسلل بـ(عفوية!) لأنه يسري كالسم في البدن ويضرب عافية المجتمع في وجدانه الذي يتأثر ويتلون بتراكم الإيحاء فيه ..
نحن مجتمع متعدد الأعراق والديانات.. وهكذا نص الدستور وكل القوانين التابعة.. وتوصيف أي فرد في المجتمع بدينه.. أو تمييزه إيجاباً أو سلباً بدينه.. يبعث برسالة خطيرة مدمرة .. ولو بدت عفوية ممعنة في الإسترخاء الذهني..
ولا تقع المسؤلية على مواطن اتصل هاتفياً بوسيط إعلامي فنقل صوته عبر الأثير.. لأن المواطن .. أي مواطن.. ليس مطلوبا منه أن يكون مؤهلاً أو ينال قسطاً من التدريب الإعلامي لينتبه إلى مدلول ومغزى رسالته.. لكن إذاعة رسمية .. ينفق عليها دافع الضرائب السوداني من حر مال فقره المدقع.. مطلوب منها على أقل تقدير أن تدرك أن ما تبثه على الهواء ليس مجرد ثرثرة ممزوجة بضحكات وبضع أغنيات.. هي رسالة إعلامية محاطة بكل الحرمات والمحاذير التي تضمن أن لا تهدم قوام المجتمع وتحيله إلى مكونات ملونة ببطاقة الدين أو العرق أو غيرهما..
لا يجوز – مثلا – في إعلام حصيف.. أن يشار إلى رجل بأنه شمالي أو جنوبي.. ولا تنسب الفضيلة أو الحنان أو الود إلى مواطن بإنتسابه إلى دين.. على سياق (المرأة المسيحية!!) التي أشار إليها المستمع الكريم..
في تقديري أن الإعلام الرسمي في حاجة ماسة لمزيد من مراجعة المفاهيم التي يعمل وفقها.. و ترسيم الحدود الفاصلة التي تحرم الحرام .. وتحل الحلال الوطني.. حتى لا يقاس نجاح الإعلام المسموع بأغانيه أو كثرة اتصالاته الهاتفية التي يتلقاها من المستمعين..
الرسالة الإعلامية العفوية.. كالدانة التي تطلق بلا هدف ..!!

ليست هناك تعليقات: