الأربعاء، 15 أبريل 2009

قتل أصحاب الأخدود 15 ابريل 2009

قُتل أصحاب الأخدود ..!!

فاجعة جديدة .. في الحارة التاسعة بحي الثورة بمدينة أم درمان.. وقبيل شروق الشمس .. رجل وزوجته تبتلعهما بئر السايفون في منزلهما.. أطفالهما الذين كانوا في الطرف الآخر من المنزل لم يشعروا بالحادثة.. وعندما أرادوا الإنضمام إلى والديهما وعبروا من جانب المنزل إلى الجانب الآخر فوجئوا بحفرة ضخمة يعلوها الغبار.. ولا أثر للوالدين ..
هذه الدراما لا تصلح إطلاقاً للبكاء والعويل على مأساة الزوجين والأطفال الذين تحولوا في غمضة عين إلى أيتام بلا ضمير الأم و الأب.. بل لإعادة النظر في حضيض التخلف الذي نمارسه في مجمعاتنا السكنية..وهذه ليست المرة الأولى..
من قبل سقط طفل في منطقة الجريف في بئر السايفون عندما كان راجعاً إلى منزله وهبت عاصفة رميلة حجبت عنه رؤية البئر.. وقبله سقطت طفلة ليلة العيد في بئر سايفون في سوق أم درمان .. البئر كانت تتبع لجهة حكومية أخلت موقعها وتركت البئر مفتوحاً فخاً منصوباً بإحكام .. وبئر السايفون في أركويت التي التهمت أحد العاملين في حفرها.. وقبلها سقط مهندس في وظيفة قيادية كان يعمل في سودانير في بئر السايفون ولقى حتفه.. وقصص أخرى ربما ماتت في صمت ولم يسمع بها الإعلام..
ربما، لو قيل لأي مواطن في بلد آخر غير السودان .. أن من شروط السكن في السودان أن يحفر كل مواطن بئر يتراوح عمقها بين بضع أمتار إلى أكثر من (60) متراً.. ليحيل إليها ماء ومخلفات الصرف الصحي.. لما صدق بشر أن ذلك يحدث في دولة ضمن منظومة عالم الألفية الثالثة.. لكن هذا هو حالنا..
وليس المفجع أن يكون مطلوباً من كل مواطن حفر مثل هذا الأخدود العظيم فحسب.. بل كلفته الباهظة التي ربما قد تفوق أحياناً (40) مليون جنيهاً (20 ألف دولار أمريكي) .. أي أكثر من قيمة شراء شقة في القاهرة.. أو حتى لندن – و طبعاً- لم أقل الخرطوم فهنا الشقة قيمتها حوالى (250) ألف دولار فقط..
هذا علاوة على إزهاق البيئة مرتين.. مرة بحفرة السايفون و(السابتك تانك) وأخري بتلويث المياه تحت سطح الارض بهذه الثقوب في الأرض ..
طبعاً أتوقع أن يقول قائل (حكومي) .. وماذا نفعل .. تكلفة مشاريع الصرف الصحي الحضري باهظة لا تقدر عليها الدولة.. وهنا – في تقديري- تكمن المأساة الثانية.. مأساة (حصة الحساب).. لأن العبقري الذي يحسب التكلفة ينسي قيمة ما يدفعه المواطن في (السايفون) .. وينسى إتلاف البيئة بالحفرة وتلوث الماء تحت سطح الارض.. وينسي قبل كل ذلك أن بيئة مثل هذه أول ما تفتك بالإنسان نفسه .. فتعتل صحته ويكلف الدولة العلاج وقبله ضياع طاقته هدراً في ملازمة المرض وعسر الحال..
الأوجب أن نجعل من مثل هذه الحوادث تذكرة و عرضحال (استعجال) لتنفيذ مشاريع الصرف الصحي.. لإخراج الإنسان السوداني من حالة ما قبل التاريخ.. إلى عالم اليوم..وبالحساب المجرد من الشوائب النفسية .. انشاء شبكات الصرف الصحي الحضرية العصرية أسهل.. وأقل كلفة.. وأطول عمراً .. وأقل حاجة للصيانة.. من هذه الأخاديد القاتلة التي يحفرها الناس في بيوتهم ..

ليست هناك تعليقات: