الأربعاء، 29 أبريل 2009

عقد الجلاد 29 ابريل 2009

عقد الجلاد ..!!

(الجلاد) هو عطر شعبي يصنع من جلد الغزال أو القط البري .. اختارته مجموعة شابة سودانية ليكون اسما لها .. (عقد الجلاد) إسم جميل لفرقة موسيقية سودانية, على أعتاب يوبيلها الفضي..(تأسست عام 1984) ..الفرقة نجحت في توظيف فنها لإستثارة حب الناس واعجابهم بها..وتخطت مراحل صعبة .. أشقها كانت عندما تخالف أعضاؤها فتشظت وخرج بعضهم ليغني منفردا وآخرون نفضوا أيديهم بالكامل عنها.. ومع ذلك حافظت على مؤسسة (عقد الجلاد) كياناً لا يرتبط بالوجوه.. التي تتغير بصفة مستمرة دون أن تؤثر على ثبات تألق الفرقة..
في الحفل الذي أقامه اتحاد خريجي الجامعات المصرية ..مساء الجمعة الماضية بالحديقة الدولية.. والذي غنته (عقد الجلاد) لفت نظري شيء محير.. رغم أن الفرقة تتحرى كلمات أغنياتها بمنتهى الدقة.. وتختار شعراء مجيدين مثل الاستاذ محجوب شريف.. إلا أنها – وبكل أسف – تمضغ كلمات القصائد بصورة لا يمكن لأي مستمع لم يقرأ القصيدة أو لا يحفظها أن يفهم شيئاً فيها..
صحيح يرقص الشباب والكهول على نغمات ايقاعها الوثير.. لكن (أتحدى) أن يكون أحداً منهم يعرف ماذا تقول.. ولغة الموسيقى لا تحتاج إلى شرح أو فهم للكلمات.. فالشعب السوداني كان يرقص على ايقاع (مريم ماكيبا).. وفناني اثيوبيا في مختلف العهود.. دون أن يفهم كلمة واحدة لهذه الأغنيات.. لكن طمس الكلمات.. على روعتها.. يخلق فناً منزوع الجينات.. ويجعله مجرد استرواح هيامي ..
الفارق الذي ألاحظه دائماً.. عند المقارنة بين الأجيال الفنية الحديثه .. والعمالقة الرواد .. أمثال الكاشف وعثمان حسين ومحمد وردي والكابلي ومحمد الأمين وأخرون.. أن الكلمات في أفواه هؤلاء العمالقة تلمع كوميض البرق.. ليس الكلمات وحدها..بل حرفاً حرفاً كل مفردات الأغنية تتلألأ كحبات العقد النضيد.. وكأني بهم لا يلحنون كلمات القصيدة..بل حروفها..حرفاً حرفاً..
أسمع أغنية مثل (الطير المهاجر) من كلمات صلاح احمد ابراهيم وغناء وردي.. ليس الطير هو الذي يحلق بل كلمات يرسمها الفنان ولا يطمس حروفها..
لكن.. ورغم شعبية فرقة عقد الجلاد الكاسحة.. ورفاهية ذوقها في تخير القصائد الرائعة.. إلا أن المستمع الذي لا يحفظ كلمات الأغنية ربما احتاج لنسخة مكتوبة ليتابع بها اللحن..
في الشقيقة مصر، كتبت لكم عن انطباعاتي عندما حضرت حفلا للفنان محمد منير.. وكيف أن الجمهور كله داخل المسرح كان يحفظ كلمات أغانيه ويردددها معه حرفا حرفا.. حتى خيل لي أن الذي يغني هو الجمهور وليس الفنان.. والسبب علاوة على جمال النصوص وألحانها أن الفنان ينطق الكلمات بوضوح ويستطيع أي مستمع لأول مرة أن يتلمس النص بكامل حاسة السمع..
هذا بالطبع لا يخل أبداً بروعة واستقامة فن هذا العقد الجميل..(عقد الجلاد) ..

ليست هناك تعليقات: