السبت، 4 يوليو 2009

أعواد الثقاب 4 يوليو 2009

عود الثقاب..!!

في العاصمة المثلثة.. تنتشر هذه الأيام لافتات قماشية عجيبة.. في مداخل الكباري الرئيسية ومعابر السيارات المهمة.. مكتوب عليها عبارات من قبيل ( والله لن يفلت الجناة..) ..( لن ترتاح يا سفاح) .. وعبارات أخرى تتحدث عن فتح ملف حادثة في الثمانينات راح ضحيتها طالبين (الأقرع وبلل)..
صحيح بعض الجرائم لا تسقط بالتقادم.. لكن الأصح أن أي جريمة التعامل معها من صميم اختصاصات جهة واحدة فقط.. هي القضاء.. والقضاء لا يتعامل مع الشعارات المكتوبة على لافتات القماش.. هناك إجراءات محكومة بالقانون يعلمها الجميع.. وهي وحدها التي تقتص من أي مجرم .. وتفرض الخضوع لنواميس العدالة..
وإذا سمحنا بمثل هذه الروح أن تتفشى.. فليس الأقرع وبلل وحدهما اللذين قتلا في صراعات سياسية..وليس من قتلوا في الصراعات السياسية وحدهم القتلى الذين يتبعهم طالبوا الثأر.. هناك جرائم أخرى كثيرة يتطاير منها لظى الغبينة.. سنفتح باباً لا يفضي إلا للجحيم.. وتملأ مداخل الكباري والطرقات لافتات كثيرة أخرى تتحدث عن جناة .. وتتطالب بالثأر والدم..لافتات لا تكلف كاتبيها إلا بضع أمتار من أرخص قماش.. وبدلاً من أن تكون عرائض النيابات والمحاكم هي من يبحث عن الجناة.. سيصبح من كتبوا اللافتات هم القضاة.. وهم منفذوا الأحكام.. وليأتي يوم .. يصبح العنوان الرئيسي في كل الصحف السودانية..(الحريق..!!) ..
الشريعة والقانون .. لا يعطيان غير القاضي حق القصاص.. وحتى القاضي يمنحه القانون الأمر بقرار من المحكمة بالقصاص وليس بالتلويح او كتابة شعارات في الشارع العام تتحدث عن القصاص.. حتى لا يتحول المجتمع إلى نصفين .. ضحايا بالأصالة.. وضحايا بالوكالة..
ولو افترضنا حسن النوايا في من كتبوا اللافتات.. وأنهم أرادوا الحق وضلوا الوسيلة.. لكن كم مسؤول مر أمام هذه اللافتات وقرأ ما بها ؟. هل يسمح القانون والنظام لكل من يملك حق دفع قيمة لافتة قماشية أن يكتب ما يشاء.. ويعلقه في المكان الذي يرضيه.. ؟؟ هل ترضى الدولة بمنهج القصاص الشعبي.. خصخصة المحاسبة الجنائية..
معظم النار من مستصغر الشرر.. والغفلة لا تنجب الا الندم.. والدول التي تحولت الى غابات حروب ودماء مثل الصومال ولبنان وغيرهما .. لم تقع في الفتنة بين ليلة وضحاها أو بضغطة زر.. كلهم سلكوا ذات الدرب.. خطوة خطوة إلى أن غرقوا في بحور الدماء.. في لبنان مثلا.. حرب أهلية دامت خمسة عشر عاما.. وصلت حد القتل بالهوية... يقف المسلحون في الطرقات ليفتشوا بطاقات الناس الأبرياء العابرين.. فيقتلوا فورا كل من لا ينتمي الى الطائفة.. هذه الحرب الضروس كانت شرارتها التي أسعلتها مجر حادث صغير تعرضت له حافلة ركاب..
بالله عليكم لا تروجوا ثقافة أخذ القانون باليد.. نحن دولة فيها مرجعيات قانونية .. فلماذا الحديث عن محاسبة.. وإفلات من القانون..!!
ألم تقروؤا تلك اللفتات .. تلك إذن، المصيبة الأكبر..

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

يا أستاذ عثمان،

أسئلتك التالية: "لكن كم مسؤول مر أمام هذه اللافتات وقرأ ما بها ؟ هل يسمح القانون والنظام لكل من يملك حق دفع قيمة لافتة قماشية أن يكتب ما يشاء.. ويعلقه في المكان الذي يرضيه.. ؟" لها إجابة واضحة للغاية، و سبب ظهور هذه اللافتات بعد ٢٣ سنة من الحادثة و ٤ سنوات من عودة "المُجنّن الجماعة" للخرطوم واضح أيضا!

القرار السياسي داخل حزبكم الحاكم يا أستاذ عثمان قائم على ردود الأفعال التلقائية لا أكثر... عشرون سنة حتى الآن و ما زالت عملية إتخاذ القرار السياسي تخلو من الـ risk assessment و ربما أكثر الأسئلة بديهية:

ماذا عن العواقب؟!!

غير معرف يقول...

اخي الباشمهندس عثمان
الله يرضى عنك لا تضحكنا ، لافتات شنو ، نحن بلد تعيش بلا قانون انت تعرف وانا اعرف ولو سألنا الدواب وطوب الارض و نطق لقال اني اعرف . نحن حين نعفو يكون رد فعل و حين نبحث عن القصاص !! يكون رد فعل آني لحظي ونعود الى حال اللا قانون مع زوال المؤثر. عود ثقاب او نار جهنم لو القانون ساد في كل شي ما مشكلة الماعاجبو يضرب رأس في الحيط بس يسود القانون في كل شي . اصلا واضح شديد ان عفى الله عما سلف ما نافعه معانا كلنا . ونسأل الله السلامة

حواء يقول...

ماهي قصة هؤلاءالذين ضاع دمهم ؟

غير معرف يقول...

في العام 1985م اتهم الاسلاميين الطالب آنذاك ياسر عرمان باغتيال( الاقرع وبلل حامد ) وهما طالبين بجامع القاهرة فرع الخرطوم . ولو غلطان ارجو التصحيح .

غير معرف يقول...

أعتقد أن أحدهم فقط (ربما الأقرع) كان طالبا بالفرع. الحادثة كانت سنة ١٩٨٥ و كان المتهم بها طالب جبهة ديموقراطية إسمه عادل عبد العاطي (عضو حاليا بسودانيزأونلاين) و برّأته المحكمة سنة ١٩٨٨. يقال أن المحققين إشتبهوا وقتها بياسر عرمان و حاولوا إستدعاؤه و لكن لم توجه له أي تهمة و خرج ياسر من البلد دون إتمام دراسته و إلتحق بالحركة الشعبية. عبد العاطي كان المتهم الوحيد أمام المحكمة و لم يكن هناك أي متهم آخر. الحادثة تحولت إلى سلاح إعلامي ما بين الكيزان و أبناء اليسار و مع الشعارات الكثيرة و الإعلام الدعائي بين الطرفين يصعب فرز الحقائق من الخرافات!!