الأربعاء، 1 يوليو 2009

كونفدرالية الشخصية 1 يوليو 2009

كونفدرالية الشخصية ..

عندما كنت أعمل (مهندس كمبيوتر) في دولة عربية شقيقة.. تصادف أن كنت أعالج أحد الأجهزة في مكتب موظف كبير السن من دولة عربية أخرى شقيقة.. وكان أمامه شاب حديث التخرج من الدولة العربية التي كنا فيها ..ويبدو أن الموظف كان يباشر تدريبا خاصا للشاب.. سمعت الموظف الكبير يقول للشاب (أجلس يا ابني..) .. لكن الشاب يتجاهل الرجاء ويظل واقفا يستمع لمدربه بضجر واضح على وجهه .. وظل الحال كذلك .. كل دقيقة أو دقيقتين يردد الرجل الكبير (أجلس يا بني) .. لكن الشاب يظل واقفا وكأنه لم يسمع الرجاء.. ضجر رجل آخر كان في المكتب يبدو أنه صديق الموظف الكبير فقال له ( أتركه.. يبدو أنه لا يريد الجلوس) .. هنا رد الموظف بسرعة ( أنا مش عاوزه يجلس عشان يرتاح.. لكن عشان أنا عارف الشتيمة شغالة من جوه..) ويقصد ان الشاب المتضجر من التدريب يلعنه في سره.. وطلب الجلوس هو مجرد محاولة لتملق الشاب حتى لا يمارس (اللعن السري) .. داخل صدره..
في داخل كل منا إنسان آخر ينطق ويتحرك ويحب ويكره .. يمدح أو يعلن سراً.. وليس في ذلك مشكلة.. فتلك فطرة الله التي خلق الناس عليها.. لكن المشكلة الكبرى أن تتباعد المسافة بين الإنسان في داخلنا.. ومسلكنا الخارجي.. فينطق اللسان بغير ما يقصد الجنان.. وينظر الإنسان في غير المكان الذي قصده.. ويبتسم في موضع التكشيرة .. ويضحك في لحظة البكاء..
مثل هذه الحالة يسميها علماء النفس (إنفصام شخصية).. أن يعيش الإنسان بنفسين.. نفس نقيض نفس..
لكن الشعوب كالإنسان.. تصاب أيضا بإنفصام في الشخصية..تكابد (كونفدرالية الشخصية).. فتنطق بلسان وتفكر قلب آخر.. قلب يكره في لحظة الشكر والمدح..
أقصى حالات الإنفصام عندما يكتم الناس مايجب أن يقوله.. فيحق فيهم الوصف الذي يقول (ليس المشكلة في ما نقول .. لكن المشكلة في ما لا نقول) المكتوم في الصدور .. حتى ولو لم ينطق به جهرا..
أي دولة عاقلة راشدة.. تحرص على توحيد عقل ولسان شعبها.. حتى يقول ما يريد أن يقوله.. فتصبح الطاقة الكامنة في الصدور نظيفة خضراء قابلة للتعامل الشفاف بلا أدنى ريب أو تردد..
لكن في بعض الدول .. التي تفترض أن الإنسان مسير لا مخير.. تضع مواطنها دائما في حالة (صمت أثيري) حتى ولو تكلم.. فهو يتلفظ بالمطلوب منه رسمياً.. والذي لا يجلب له المتاعب على أدنى تقدير.. ومثل هذه الحالة تراكم من المكتوم في الصدور وتجعل منها قنابل موقوته قد تنفجر أن لم يكن اليوم فغدا..
أليس الأجدر أن نفتح الخياشيم على اتساعها.. حتى لا يحدث ما سردته عليكم في القصة التي افترعت بها هذه السطور..

ليست هناك تعليقات: